رأي وتحليل/ أنس بلمكي
بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة 2022، بعث الرئيس الألماني الجديد فرانك فالتر شتاينماير لجلالة الملك محمد السادس برسالة ودية مليئة بالدلالات السياسية، رسالة يمكن أن نقرأ بين طياتها التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية للحكومة الألمانية الجديدة التي تعتزم إرساءها ونهجها اتجاه المملكة المغربية مستقبلا؛ لاسيما بعد فترة الجمود والأزمة التي مرت منها العلاقات الدبلوماسية الثنائية خلال السنة المنصرمة. وقد حملت هذه الرسالة بين ثناياها جملة من المواقف الجديدة التي تخص العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية، بصورة تطبعها الشمولية والدقة، بعيدا عن لغة الشك والالتباس الذي اتسمت هذه العلاقات في السابق.
وحسب البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، يومه الأربعاء 5 يناير الجاري، فإن الرئيس الألماني شتاينماير أعرب عن إشادته الكبيرة بالتطور القوي والرائع الذي يشهده المغرب خلال السنوات الأخيرة؛ ومؤكدا على أهمية وعمق الإصلاحات التي ما فتئت تعرفها المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وفي هذه المقالة المقتضبة، سنركز على القضيتين الجوهريتين اللتين كانتا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات الثنائية المغربية الألمانية؛ وتتعلق القضية الأولى بالوحدة الترابية للمملكة، حيث لم تستسغ الجمهورية الألمانية الاتحادية الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، إذ سارعت نحو التعبير عن “تفاجئها واندهاشها” من هذه الخطوة؛ بل قابلت هذا الاعتراف بموقف سلبي رأت فيه وزارة الشؤون المغربية موقفا عدائيا خطيرا وغير مبرر، لاسيما بعد أن بادرت ألمانيا إلى دعوة مجلس الأمن لاجتماع طارئ، كانت الغاية من ورائه هو التأثير على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. الشيء الذي استنكرته المملكة المغربية في حينه، وأفضى بها إلى استدعاء سفيرتها ببرلين؛ مع ما أعقب ذلك من ردود فعل من كلا الطرفين (المغربي والألماني) كادت تعصف بالعلاقات التاريخية التي تجمع البلدين، وتؤدي بالتالي إلى قطيعة دبلوماسية بينهما.
غير أن الرسالة التي بعث بها الرئيس الألماني لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، تقر و”تعتبر بأن مخطط الحكم الذاتي يتسم بالمصداقية”، فضلا عن كونه “أساسا جيدا للتوصل إلى اتفاق إقليمي للنزاع الإقليمي”، ناهيك عن الإشادة الكبيرة ب”المساهمة الكبيرة للمغرب من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة”. وواضح البون الشاسع بين هذا الموقف الجديد وما عبرت عنه ألمانيا أنجيلا ميركل في وقت سابق.
أما بالنسبة للقضية الثانية التي تعد جوهرية في تأزم العلاقات المغربية الألمانية، فتتمثل في قضية الناشط الإرهابي محمد حاجب الذي يعمد إلى نشر فيديوهات مغرضة تستهدف تحريض المغاربة على القيام بممارسات إرهابية داخل بلدهم؛ مما دفع بالسلطات المغربية، في وقت سابق، إلى مطالبة ألمانيا بمتابعته قضائيا بارتكاب أفعال إرهابية إجرامية؛ لكن ألمانيا رأت فيما يقوم به محمد حاجب مجرد معارضة سياسية سلمية ولا يمكن تصنيفها ضمن دائرة ما بات يعرف ب”التطرف الإسلامي”؛ الشيء الذي دفع بالمغرب إلى إصدار مذكرة وأمر دولي باعتقاله.
وفي هذا الإطار بالذات، بعث الرئيس الألماني في رسالته بإشارات قوية تبعث على التفاؤل بخصوص موضوع الإرهاب، حين حديثه عن الجهود الكبيرة والمحمودة للمملكة فيما يرتبط ب”التزاماته المتعددة في مجال محاربة الإرهاب الدولي”؛ علما أن المغرب كان قد أسدى خدمات جليلة لألمانيا بخصوص التعاون الأمني والاستخباراتي في موضوع محاربة الجريمة والإرهاب الدولي، كما حصل في قضية الاعتداء الذي استهدف سوق أعياد الميلاد ببرلين وغيرها من المدن الألمانية. وهو ما يمكن اعتباره اعترافا صريحا من الدولة الألمانية بالتزام المغرب بهذا التعاون، وتقصيرا واضحا من جانبها.
لاشك أن العديد من الإشارات الواردة في رسالة الرئيس الألماني الجديد، تنبئ بانقشاع الغيوم وبمزيد من الانفراج وإعادة الدفء للعلاقات الثنائية المغربية الألمانية بعد جفاء دبلوماسي امتد لأشهر. وفي الوقت الذي يبدو فيه هذا الانفراج ضربة قاصمة لمناوئي المملكة الذين كانوا يجدون ويرون في هذا الجفاء (في العلاقات المغربية الألمانية) انتعاشا ومكسبا لدبلوماسيتهم وسياستهم الخارجية؛ فإنهم ـ اليوم ـ يشعرون بالإحباط ويتجرعون المرارة من شدة العجز الذي ينتابهم جراء وطأة الانتصارات الدبلوماسية المغربية التي تنزل على رؤوسهم كالصواعق. وفي المقابل، يحق للمغرب أن يتباهى بقوة دبلوماسيته وسداد سياسته الخارجية المسترشدة بالرؤية الحكيمة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أدام الله عزه ونصره.