الأدوار الدستورية للمعارضة في زمن كورونا

0 1٬495

في سياق الأزمة الصحية التي تعيشها بلادنا كجزء لا يتجزأ من العالم تجد اليوم العديد من المؤسسات نفسها على هامش دينامية صناعة القرار العمومي.

وهي حالة عطالة استثنائية فرضها علينا وضع زمني خاص أعلنا فيه الحرب على فيروس كورونا ( كوفيد 19 ) غايتنا جميعا ربح السلامة الصحية لمختلف المواطنات و المواطنين بسائر ربوع الوطن، ومن أجل ذلك تعبأت كل القوى الحية بالبلد الى جانب مختلف أجهزة الدولة و مؤسساتها وراء جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

غير أن خصوصية مؤسسة البرلمان وكذا مهام الفاعل البرلماني سواء كان نائبا برلمانيا بالغرفة الأولى أو مستشارا برلمانيا بالغرفة الثانية تلزمنا بنهج خط معاكس للقيود و العراقيل الصحية الكبيرة التي يضعها أمامنا هذا الفيروس الذي ألزم العالم بأسره بإتباع قاعدة جديدة اصطلح عليها : النضال من داخل البيوت المقفلة، وهو الموضوع الذي يسائل بعيدا عن أي حسابات سياسية ضيقة البرنامج الحكومي الذي أعلنت من خلاله الحكومة منذ اليوم الأول عن محور خاص يهم الرقمنة و التحديث كإستثمار كبير في تعليمنا العمومي .

لقد أسس دستور 2011 بإعتباره ميثاق تعاقد الأمة المغربية للأطر المعيارية التي لا يحق لممثل الأمة المستشعر لثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه إلا أن يسترشد ويتشبث بها في وضع خاص و إستثنائي كالذي نعيشه اليوم ببلادنا، ومن ذلك أجد نفسي اليوم ملزما إنطلاقا من الوضعية الإعتبارية التي أتحمل مسؤوليتها كعضو بالبرلمان المغربي و نائب لرئيس مجلس النواب بلفت الإنتباه الى أن التوقف العادي لعمل المؤسسة التشريعية إثر إختتام الدورة التشريعية السابقة ،ألزم الحكومة بتطبيق الفصل 81 من الدستور حينما وجدت نفسها ملزمة بشكل عاجل و آني لاستصدار مرسوم بقانون يهم حالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها بإتفاق مع اللجان البرلمانية وتحت شرط عرضه على مصادقة البرلمان بغرفتيه خلال دورته العادية الموالية.

وعلى هذا الأساس يظهر بشكل جلي التكامل و التعاون المؤطر دستوريا بين المؤسسة التنفيذية و التشريعية ومدى حاجة الأولى الى الثانية بإعتبارها صوتا رقابيا يعبر عن أسمى إرادة الأمة.

إننا لاشك على بعد أيام من إفتتاح الدورة التشريعية يومه الجمعة 10 أبريل 2020 ، ليكون مجلس النواب أمام معترك إنفاد الدستور و نظامه الداخلي في وقت تتفاعل فيه الحكومة مع إحدى أشد الأزمات المستجدة التي عرفها البلد في تاريخه المعاصر بشكل يجعل الجميع متسائلا عن مآل أحقية النائب البرلماني الى جانب المواطنات و المواطنين في الوصول الى المعلومة ولاسيما إذا كانت هذه المعلومة ترتبط بمحاولات بناءة لتقديم الدعم و المشورة اللازمتين لإنقاد أرواح أبناء البلد الواحد.

إن حزبنا الأصالة و المعاصرة كأول قوة معارضة في البلد ملزم أكثر من أي وقت بالتنزيل الفعلي و الناجع للمكانة الخاصة التي أولاها الدستور المغربي للمعارضة البرلمانية و التي تعد مكسبا لم يسبق لكل الدساتير المغربية المتعاقبة أن إعترفت به، فالفصل 10 من الدستور إعترف بمحورية دور المعارضة كمكون أساسي بالبرلمان يقوم بمهام متعددة ولاسيما في ميدان التشريع و مراقبة الآداء الحكومي.

إن الفرصة سانحة أمامنا للإضطلاع بأدوارنا كإحدى الحساسيات النابضة من قلب المجتمع، المستمعة لهمومه و المبادرة لإعلاء صوته داخل مؤسساته الدستورية، ومن ذلك فإننا في حاجة ماسة لإنبثاق وعي مشترك بمدى دقة وحساسية المرحلة التي بقدر ما تحتاج الى تعبئة وطنية كبرى للخروج من هذه الأزمة العابرة بإذن الله، بقدر ما تحتاج الى معارضة جادة تلتحم مع مكونات الأمة في لحظات الإجماع الوطني و تؤدي دورها الدستوري لتقويم كل إعوجاج كلما احتاجها الوطن.

حفظ الله بلادنا من كل شر.

محمد التويمي بنجلون

النائب الثاني لرئيس مجلس النواب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.