المعرض الدولي للكتاب .. نحو بناء جيل “متمكن” عبر القراءة

0 275

في مغرب الألفية الثالثة، لم تعد القضايا الكبرى ولا حتى الجزئية تناقش من زوايا تقليدية ولا تختزل في صيغ وقوالب جاهزة لا تقبل أي تعديل في حدود الممكن والمتاح، نحن أمام واقع يعيد تشكيل ذاته على ضوء تحولات داخلية وإكراهات دولية متعددة تفرض نفسها بكل ما أوتيت من قوة ومقومات، لا مكان فيه للجمود أو التردد أو خيار رمادي، هناك فقط أبيض وأسود..

وفي قلب هذا الواقع المتغير الذي يطل موجه مدا وجزرا، وبالضبط في الرباط عاصمة الثقافة العربية، يتألق المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثلاثين كأكثر من مجرد تظاهرة ثقافية، بل كتعبير مركب عن هوية مغربية متجددة، وكمساحة لاختبار إمكانات وقدرة المؤسسات، بما فيها الأحزاب السياسية، على مواكبة الرهانات والتطلعات الجديدة، خصوصا تلك المرتبطة بالشباب.

المعرض، الذي يقام تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تشرف عليه وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بقيادة بقيادة الشاب النشيط المواكب لكل ما يدور في دور الشباب وقاعات السينما والركح وصناعة الألعاب الإلكترونية وصناعة سينمائية تجتهد على الصعيد الوطني، دون إغفال الأنشطة الثقافية والفنية ومعارض الكتاب والفعاليات ذات الصلة..

بشكل يومي، هكذا يتحرك الشاب محمد مهدي بنسعيد، أحد الأسماء التي أصبحت ترمز إلى الجيل السياسي النابض دمه بميزة التجديد ومواكبة الركب وما هو جديد في المغرب.

حضور وزارة بنسعيد في هذا المعرض الدولي للكتاب بالرباط ليس حضورا بروتوكوليا، بل هو تجسيد فعلي لرؤية سياسية تنطلق من الثقافة كقاطرة للتنمية في وطننا العزيز على قلب كل مغربي، وتؤمن بأن الرأسمال الرمزي للمغرب لا يقل أهمية عن رصيده الاقتصادي.

ومن جهة أخرى، ومن باب التذكير، تطل مبادرة “جيل 2030″، التي أطلقها حزب الأصالة والمعاصرة، كامتداد طبيعي لهذا النفس الجديد الذي بدأ يطبع الفعل العمومي بالمغرب، هذه المبادرة لا تخاطب الشباب من موقع الوصاية، بل تنصت إليهم من موقع الشراكة .. إنها ليست مجرد “حملة حزبية” موسمية، بل مشروع متكامل لإعادة الاعتبار للعمل السياسي، وتوسيع فضاء المشاركة أمام فئة طالما عانت من التهميش أو الاستغلال المناسباتي.

وتتقاطع هذه المبادرة مع الرؤية الملكية لتمكين الشباب، وهي رؤية ليست حديثة، بل تراكمية، تجد جذورها في خطب جلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ اعتلاء عرش أسلافه الميامين.

فمنذ خطاب العرش لسنة 1999، إلى الرسائل الملكية الموجهة للمؤتمرات الوطنية للشباب، ظل التمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للشباب أولوية ثابتة.

وقد جاءت مبادرة “جيل 2030” لتترجم هذه الأولوية إلى آليات ملموسة تخاطب طموحات الجيل الجديد، وتدمجه في التحولات الكبرى التي يعرفها المغرب.

في السياق نفسه، لا يمكن إغفال أن هذه الدينامية تحمل في طياتها رهانات تتجاوز الحدود الحزبية الضيقة، فنحن أمام مغرب يستعد لاستقبال مونديال 2030، وقبل ذلك نهائيات “الكان”، مغرب يبني ويشيد، ويراهن على الشباب ليس فقط كجمهور متفرج، بل كفاعل مشارك في بناء صورة البلاد، داخليا وخارجيا، وهنا تبرز أهمية أن يكون لهذا الجيل ما يكفي من الثقة، من الأدوات، ومن المنصات التي تفسح له المجال لبلورة مواقفه والإسهام في رسم السياسات.

المعرض الدولي للكتاب بالرباط لا يقتصر دوره في عرض الكتاب أو استقطاب الكتب والكُتّاب ودور النشر والأنشطة الموازية، إنه لحظة خاصة للاجتهاد والاحتفاء بالقراءة كأداة تمكن القارئ وتجعله يستوعب ما يحدث حوله بشكل جيد، ويمكنه من التعبير عما يخالجه ويجعله مسهما في توطيد دعائم مواطنة حقة وفاعلة في المجتمع. المعرض فعلا صفحة مصالحة مع القراءة وإنصاف للحروف وشاهد عصر على علاقة جيل جديد مع الكتاب.

والوزير محمد مهدي بنسعيد، الذي يتولى حقيبة تجمع بين الشباب والثقافة والتواصل، لا يمثل فقط توازنا بين هذه المجالات، بل يقدم نموذجا ملموسا على أن السياسة لا تزال قادرة على إنتاج شخصيات ذات مصداقية، إذا توفرت الإرادة والرؤية.

فوجود الوزير الشاب على رأس وزارة بحجم هذه التحديات، وانخراطه في مشاريع من حجم المعرض الدولي للنشر والكتاب، وقيادته لجهود الانفتاح الثقافي على محيط إفريقي وعالمي، يجعل منه رمزا لجيل جديد من المسؤولين الذين يفكرون بمنطق النتائج، لا بمنطق التبرير والارتهان إلى الزاوية والاكتفاء بالنقرات التي لا تقدم ولا تؤخر.

من جهة أخرى، فإن انتماء بنسعيد إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وهو يشغل عضوية القيادة الجماعية للأمانة العامة، يعكس مسعى الحزب إلى تجاوز منطق الممارسة الحزبية التقليدية المتوارثة لعقود، إلى الانخراط القوي في بناء الدولة من موقع مسؤول.

فالحزب، الذي يقود اليوم واحدة من أكبر المبادرات الشبابية في البلاد، لم يعد يكتفي بلعب ما يمكن أن نطلق عليه ب “التوازن السياسي”، بل أصبح شريكا فعليا في إنتاج المعنى وصياغة التصورات الاستراتيجية، خصوصا في ما يتعلق بالشباب.

المعرض، المبادرة، والوزير، ثلاثية متكاملة تبرز كيف يمكن أن تتقاطع الإرادات السياسية مع التوجيهات الملكية لتنتج لحظة مغربية جديدة، أكثر دينامية وشجاعة، لحظة تعيد رسم علاقتنا بالقراءة والكتاب، تعيد الاعتبار للثقافة كمجال للسيادة، وللشباب كرهان للتقدم، وللسياسة كأداة للإنصات والنجاعة.

ما يحسب لبنسعيد وفريقه، أنه لم يسقط في غواية المزايدات أو المعارك الهامشية، بل اختار الاشتغال بصمت، على ملفات صلبة، تراهن على المدى المتوسط والبعيد.

من دعم الصناعات الثقافية، إلى تعزيز الحضور المغربي في المحافل الدولية، إلى إصلاح منظومة دور الشباب، كلها أوراش تدار بمنطق رجل الدولة، لا بمنطق الفاعل الحزبي وبمنظور ضيق.

وفي خلفية كل ذلك، يظل حضور الرؤية الملكية واضحا كمنارة تؤطر المسار وتحصن التوجهات، فحين يدرك الفاعل الحزبي أن الاشتغال في ظل التوجيهات الملكية يمثل شراكة في البناء، يمكن حينها للسياسة أن تستعيد جدواها، وللشباب أن يستعيد ثقته.

إن التحدي اليوم، ليس في تأطير الشباب بل في الإيمان الحقيقي بقدرته على التأثير، والتحدي ليس في تنظيم المعارض بل في جعلها لحظة لتجديد الوعي الجماعي، والتحدي ليس في إنتاج المبادرات بل في ضمان استمراريتها وارتباطها برهانات الدولة.

بقلم: مراد بنعلي
صحفي في البوابة الرسمية Pam.Ma

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.