اليوم الوطني للمهاجر. أكثر من 5 ملايين من مغاربة العالم يمكن أن تشكل قوة يستفيد منها الوطن الأم.
عبدالرحمان إمزل
بات إدماج “كفاءات” من مغاربة العالم في سيرورة المسار السياسي وكذا النموذج التنموي الجديد أمرا ذا أهمية لما تحمله هاته الشريحة من فكر تنويري ووعي ديموقراطي، سيعطي طفرة نوعية في التقدم والمساهمة في النهوض بالاقتصاد الوطني. وكذلك الدفاع عن الوحدة الوطنية في المحافل الدولية.
تمثل الجالية المغربية حوالي 7٪ من مجموع ساكنة المغرب. إذ تعتبر هذه النسبة مؤشراً و ذات وزن كبير من المجتمع المغربي ببلدان المهجر.
كما تلعب دورا فعالا ذا أهمية في الاقتصاد الوطني حيث تساهم ب 6,7% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحتل مراتب متقدمة من حيث تحويل العملات إذ تتموقع في المرتبة الثالثة في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) بعد مصر و نيجيريا.
إضافة إلى العامل الاقتصادي، فالجالية المغربية تساهم في نقل المعرفة و التكنولوجيا و الإثراء الثقافي، لذا وجب على المغرب الإستفادة من هذا الإشعاع حتى يتسنى تشكيل ما يطلق عليه ب “Etat-Nation” التي تمتد غصونها إلى خارج التراب الوطني من خلال بلورة روابط اجتماعية، اقتصادية و سياسية مع مواطنيها في بلدان المهجر.
1. المجموعات ذات المصالح المشتركة و اللوبي السياسي
تسمح هذه الروابط للدول بتوجيه ممارسات المهاجرين إلى إنشاء مجموعات ضغط تُعنى بممارسة دبلوماسية موازية لفائدة مصالح بلد المنشأ. و هنا يمكن القول أن للمغرب مهاجرون يقيمون في بلدان مؤثرة في السياسة العالمية ، و التي من خلالهم يمكن أن يكسب الكثير بتعبئتهم للدفاع عن القضايا الوطنية وتعزيز العلاقات الدبلوماسية.
إن الفاعلين الجمعوييين والقوى الحية للمجتمع المدني للمغاربة المقيمين بالخارج كانت و لازالت تستجيب للنداء عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية الكبرى.
لكن، و بالرغم من أهمية المجتمع المدني لتفعيل الديبلوماسية الموازية، إلا أن للفعل السياسي أيضا دورا مهما في بلورة رؤى لإنشاء مجموعات ضغط من داخل المؤسسات و برلمان بلدان الإقامة.
و قد أصبح مفهوم اللوبي (مجموعات الضغط أو المجموعات ذات المصالح الخاصة groupe de pression ou groupe d’intérêt) متداولا و مؤطراً قانونياً و ليس بالطابوهات (tabou)، بل و الأكثر من ذلك فهو يشق طريقه داخل مؤسسات الحكامة بالدول المتقدمة.
ففي فرنسا مثلا، يحدد قانون سابان 2 ( Loi Sapin 2) الصادر في 9 ديسمبر 2016 ممثلي المجموعات ذات المصالح الخاصة مع سرد بشكل دقيق للائحة الأشخاص و المؤسسات المعنية ذات التأثير على البرلمانيين الفرنسيين.
هذا المصطلح (lobbying) المنبثق من الدول الأنجلو ساكسونية قد نبذه الاتحاد الأوروبي ومعظم البلدان الأعضاء في أول الأمر، لكنه الان أصبح يتجذر بشكل متزايد في ثقافته ويترسخ في مؤسساته.
منذ دخول معاهدة ماستريخت حيز التنفيذ سنة 1993، يحق لجمعيات المجتمع المدني و المواطن المقيم بهاته الدول أيضًا تقديم التماس موجه إلى البرلمان الأوروبي، و إنشاء مراكز فكرية من أجل التعريف بالقضية الوطنية و رصد جميع حيتياتها بل أيضاً يمكن لهاته المراكز أن تشارك كعضو مراقب أو استشاري في الهيئات العالمية كالبرلمان الأوروبي و الأمم المتحدة.
جدير بالذكر أن أكثر من 5 ملايين من مغاربة العالم يمكن أن تشكل قوة يستفيد منها الوطن الأم و ذلك بقدرتها على ممارسة الضغط على المؤسسات المنتخبة و الهيئات بجميع ربوع العالم.
إن التواجد بشكل هائل للجالية المغربية خاصة في أوروبا وكذلك بنسب لابأس بها في الولايات المتحدة الأمريكية و كندا … ، بالنسبة لي يعتبر كنزا دبلوماسيا وجب استغلاله خير استغلال وذلك لتفعيل و تنزيل حقيقي لمفهوم مجموعة الضغط على أرض الواقع و بلورة نص قانوني من طرف المفوضية الأوروبية أو الأمريكية.
2. النقل المعرفي و التكنولوجي
يُعتبر النقل المعرفي و التكنولوجي وسيلة مهمة لإشراك مغاربة العالم في تنمية الوطن الأم.
ففي الهند مثلا ، كان حشد مجموعة أساسية من الخريجين الجامعيين و الباحثين في مجال الإعلاميات المقيمين بالولايات المتحدة الأمريكية أمراً حاسماً وراء ظهور صناعة البرمجيات بدولتهم الأم الهند مع تكثيف التعاقد الخارجي لهاته الصناعة (délocalisation). فجدير بالذكر أن 10٪ من موظفي ميكروسوفت (Microsoft) و حوالي 800 مدير تنفيذي في شركات السيليكون ڤالي (Sillicon Valley) هم من أصل هندي.
فبفضل التواصل الذي حافظوا عليه مع وطنهم الأصلي، اختاروا الاستثمار في الهند في مجال التقنيات الجديدة للتواصل و الاعلام، البرمجة و المعلوميات، إلخ.
لذلك، بات من الضروري صقل و ترسيخ الثقافة والهوية المغربية في بلدان المهجر باتخاذ تدابير و إجراءات و القيام بأنشطة من طرف جمعيات المجتمع المدني داخل المغرب و خارجه و كذلك الأحزاب السياسية وجميع المؤسسات المعنية. حتى لاينقطع الرابط بين البلد الأم و المغاربة المقيمين بالخارج.
على المستوى الوطني، وكما يتضح جليا من خلال النموذج التنموي الجديد، فإن المغرب في طور بلورة و تجويد هذه القطاعات؛ و إعادة العقول المهاجرة من مغاربة العالم سيعطيها دفعة إضافية.
في بداية الأمر، ستمر عودة العقول بمرحلة أسميها “المرحلة الانتقالية” ستعمل خلالها القنصليات والأحزاب السياسية معًا من أجل إنشاء شبكة مكونة من باحثين وعلماء من مغاربة العالم يعملون بطريقة تشاركية مع الحكومة و المؤسسات و الجامعات،حيث ستستمر هذه المرحلة كل الوقت الضروري و اللازم للتأسيس الناجح لهذه القطاعات مما يساعد بشكل أفضل حتى يحظى كل مهاجر بالمكانة التي يستحقها داخل وطنه.
عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة