دور المجتمع المدني في التنمية بالمغرب

0 6٬604

بقلم: رضوان لحميدي – المدير الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة درعة تافيلالت

شهد المغرب في الفترة الأخيرة اهتماما متزايدا بالفاعل الجمعوي، وحضورا متميزا على مستويات عدة، يؤكد هذا الحضور تطوره الكمي الذي أصبح يتجاوز 100 ألف جمعية تغطي جل التراب الوطني وتأطيره أزيد من مليون منخرط، وملامسته أكثر من ثلث ساكنة البلاد سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتوسعه الجغرافي في جل مناطق المغرب بقراها ومداشرها ومدنها، وتطوره النوعي المتجلي في مساهمته الفاعلة في جل القضايا المجتمعية إذ، أصبح مدرسة للمواطنة وشريكا أساسيا في مسلسل التنمية، وفاعلا مهما في التشغيل وفي تعبئة موارد مالية هامة من الداخل والخارج، ومساهما أساسيا في معالجة المشاكل الاجتماعية والإنسانية والبيئية والحقوقية، قوة اقتراحية من أجل حكامة ديمقراطية رشيدة.

ولقد زاد هذا الاهتمام والحضور مع الأدوار التي أناطها الدستور الجديد ل2011 بالفاعل الجمعوي، فلم يعد الشأن المحلي والعام حكرا على الدولة والمؤسسات السياسية والمنتخبة، بل أصبح المجتمع المدني بمقتضى الدستور الجديد يضطلع بدور كبير في هذا المجال حيث يضمن الدستور مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها.

كما نص على دور المجتمع المدني في التنمية والتشريع عبر جملة من الآليات الدستورية والقانونية سنأتي على ذكرها، وسنحاول في هذا المقال أن نتوقف عند السياق العام لبروز الاهتمام بالمجتمع المدني، وتحديد جملة من المفاهيم المركزية المؤطرة لهذا المقال وآليات إعداد وتفعيل وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية من خلال الدستور الجديد ل2011، متوقفين عند مختلف الإشكاليات التي يطرحها موضوع تقييم الفاعل الجمعوي للسياسات العمومية، ومتسائلين أخيرا إلى أي حد يمكن للفاعل الجمعوي أن يضطلع بتقييم السياسات العمومية في ظل وجود جملة من الاختلالات التي تعتري الجسم الجمعوي وفي ضل أيضا الغموض الذي يكتنف تقييم السياسات العمومية من حيث المفهوم والآليات ،وانفتاح النصوص الدستورية على تأويلات عديدة؟

– السياق العام لازدياد الاهتمام بالمجتمع المدني:
لم يكن الاهتمام المتزايد بالمجتمع المدني وليد الصدفة بل جاء ضمن سياق عالمي ارتبط أساسا بالتحولات التي عرفتها عملية إنتاج القرار نتيجة التحولات الشاملة والعميقة والسريعة التي شهدها المجتمع العالمي بقيادة المجتمعات المتقدمة، فالحاجة إلى التغيير، وبروز مطالب اجتماعية جديدة جعلت من إعادة صياغة النظام الاقتصادي والسياسي أحد الأولويات الكبرى ببلدان العالم ، وتبعا لذلك؛ إعادة النظر في دور المؤسسات والفاعلين الاجتماعيين ومكانة الدولة مؤسساتها في هذا الرهان، وتبعا لذلك «نحت الدولة إلى انتهاج فلسفة جديدة في تدبير الفعل العمومي والميل إلى إعطاء «البعد المحلي» مكانة أساسية في هذا التدبير ، فإذا كانت السياسات العمومية قد ارتكزت منذ الحرب العالمية الثانية على فكرة التدخل الضروري للدولة، فان الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية قد فرضت الانتقال من حكم مركزي تسيطر فيه الدولة إلى حكم قائم على تعدد واختلاف الفاعلين، واعتبار «البعد المحلي» محطة إستراتجية في إعادة هيكلة الفعل والسياسات العمومية.

على المستوى الوطني اتجه المغرب إلى سن أسلوب اللامركزية للتخفيف من العبء الملقى على عاتق السلطة المركزية عبر إسناد المهام التنموية للجماعات المحلية وتخويلها مهاما اقتصادية خصوصا في الفترة الممتدة من 2002 إلى الآن وإدخال فاعلين اجتماعيين في مجال التنمية المحلية و المستدامة خصوصا المجتمع المدني الذي اعتبر شريكا أساسيا بمقتضى الميثاق الجماعي لسنة 2003، كما كان للتقدم الحاصل حاليا في مسار الديمقراطية والحريات العامة الأساسية وحريات تأسيس الجمعيات والنقابات وإنشاء المقاولات، أثرا قويا في بروز الفاعل الجمعوي بقوة على الساحة.
غير أن الاعتراف الرسمي القوي بالفاعل الجمعوي لم يتحقق إلا مع الدينامية الاجتماعية والسياسية التي أطلقتها حركة 20 فبراير والتي واكبها ترسيم دور المجتمع المدني على مستوى الدستور المغربي2011.

على المستوى المحلي لم تعد التنمية شأنا مرتبطا بالدولة وحكرا عليها بل أصبحت مسألة تشاركية، تتقاسم فيها الدولة المسؤولية مع الفاعلين المحليين من جماعات محلية وقطاع خاص ومجتمع مدني. فقد سعت السلطة المركزية إلى التحلل من مسؤوليتها التنموية بإدخال فاعلين جدد إلى هذا المجال.
فنتيجة تفاقم الأوضاع الاجتماعية على المستوى المحلي، وتراجع التماسك الاجتماعي، وتزايد حدة الإقصاء وتهميش شرائح واسعة من السكان وتعرضهم للهشاشة الاجتماعية، بفعل عجز المجتمعات الحديثة عن المزاوجة بين إنتاج الخيرات والثروات والنمو الاقتصادي من جهة، وبين خلق مناصب الشغل وتعميم نمط العيش الكريم وما ستلزمه من عدالة اجتماعية من جهة أخرى، كان لابد للفاعلين الاجتماعيين المحليين وخصوصا المجتمع المدني من التدخل لتجاوز هذه الأوضاع الهشة، فأصبح الفاعل المحلي قوة تنموية واقتراحية واجتماعية ملحوظة، فرضت على الدولة الاعتراف بها وإشراكها في الشأن العام والمحلي، وتبعا لذلك أصبحت تطفو على الساحة السياسية والشأن المحلي جملة من المفاهيم كالديمقراطية المحلية – الفاعل الجمعوي – اللامركزية – التنمية المحلية.

لقد انتقلت الدولة نتيجة هذه الأوضاع من الحضور المركزي والتدخل الضروري إلى سياسة جديدة تقوم على تعدد واختلاف الفاعلين، واعتبار التنمية المحلية محطة أساسا في إعادة هيكلة السياسة العمومية، فأضحت التنمية المحلية تقوم على قرارات يتخذها الفاعلون المحليون من أجل تحسين أطر عيشهم وتحقيق وجود أفضل وبناء مستقبل يستجيب لطموحاتهم وأمالهم، أي أن إستراتيجية التنمية المحلية تنفذ من طرف الساكنة المعنية ومن أجلها، فالتنمية المحلية بهذا المعنى هي تلك التي تربط بين فاعلين مختلفين وتوحد بين إرادتهم حول المشروع نفسه.

إذا كانت التنمية المحلية وليدة اللامركزية التي أنتجها المغرب “والتي تستهدف تغيير وتوزيع السلطة وتوازنها وبالتالي ترسيخ الديمقراطية المحلية، باعتبارها مدخلا ضروريا لتحقيق التنمية المحلية”، فعبر اللامركزية قد يعاد استنساخ نموذج الدولة المركزية على المستوى المحلي من خلال تحويل وإسقاط آلياتها التمثيلية على المستوى المحلي، لهذا كان من اللازم ألا تنحصر الديمقراطية المحلية في مجرد الديمقراطية التمثيلية، بل يتعين أن تشمل في نوع من التكامل، الديمقراطية التشاركية أو المستمرة أو المباشرة، التي تتيح للمواطنين والمواطنات مراقبة، وتتبع والتأثير بشكل مستمر وفعلي في تدبير الشأن المحلي.

يحتل هذا المفهوم مكان الصدارة في المقال ومدار الإشكالية التي يطرحها، وقد طفى هذا المفهوم على الساحة السياسية وأصبح له حضور قوي لدى أجندة الرؤساء والساسة وأصحاب القرار وذوي الاختصاص من مفكرين وباحثين اجتماعيين وسياسيين ليس على الصعيد الدولي فحسب ولكن أيضا على الصعيد الوطني والمحلي وأصبح مطلب حضور الفاعل الجمعوي في تدبير الشأنين العام و المحلي أكثر إلحاحية بل أصبح شريكا أساسيا في التنمية وفي رسم السياسات العمومية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.