في الحاجة لقانون مالي استشرافي يمتص الأزمات الاقتصادية
أنيس إبن القاضي
يمر المغرب على غرار باقي دول العالم من أزمة هي الأســوأ خلال القرن الحالي، فهي تهدد الوجود البشري، وتداعياتها تمتد إلى الاقتصاد الوطني بمختلف روافده الصناعية والسياحية والتجارية والخدماتية، ولعل أبرزهــا تلك المرتبطة بالجوانب الاجتماعية التي وقع ملايين الأسر في وضع هشاشة تحت وطأتها.
إن تمديد الحجر الصحي والرفع التدريجي لغاية العاشر من يوليوز المقبل، يعني أن الوباء رتب وسيرتب آثارا أخرى على الاقتصاد الوطني، ويعني أيضا الاستمرار في اتخاذ تدابير أخرى تتطلب لا محالة اعتمادات مالية إضافية، أهمها تعديل قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020، والذي يجب أن يراعي دوما إمكانية أي كساد اقتصادي محتمل، ويكون ذا نظرة استشرافية ومستقبلية تضع نُصب أعينها هامش الخطر، وتضمن إمكانية المناورة للدولة لامتصاص أي صدمة اقتصادية محتملة.
الطابع الاستعجالي للقانون المالي التعديلي، أصبح ضرورة بقاء، من أجل حماية كرامة المواطن المغربي البسيط، النواة الأساسية لكل مقترح لتجاوز أي انكماش اقتصادي محتمل، وتحقيق إقلاع اقتصادي بمقومات وأسس مغربية صرفة، وتمكين المواطنين المتأثرين بنتائج هذه الأزمة من إعادة الاندماج في سوق الشغل وتحريك عجلة الاستهلاك.
لقد أظهرت أزمة كورونا، بالمغرب وخارج، أن اقتصاديات أكبر الدول العالمية، هشة ولا يمكن أن تصمد أمام عاصفة كورونا، يتطلب وضع رؤية شمولية تمنح مختلف الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين أجوبة واضحة و مباشرة، ليتضح أمامهم الأفق في ظل وضعية أزمة استثنائية تميزت بخرجات غير متناسقة لمسؤولين حكوميين، كما لو يتعلق الأمر بجزر متفرقة على حد تعبير الأمين العام السيد عبد اللطيف وهبي.
لولا كورونا، لاكان المغرب قد سار في منحى تصاعدي في معدل النمو، حيث أفادت المندوبية السامية للتخطيط في نشرة إحصائية برسم يناير 2020، أن الاقتصاد الوطني سيحقق معدل نمو يقدر ب 3.3 في المئة، لكن جائحة كورونا كان لها رأي آخر.
حاليا، المغرب فقد 6 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي وفق ما أفاد به وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون مؤخرا في البرلمان، أي ما يعادل 60 مليار درهم، أي 6000 مليار سنتيم، ويمكن للخسارة بالنظر لصعوبات انتعاش الاقتصاد الوطني، إلى 100 أو 120 مليار درهم في السنة الحالية، أي بما يعادل 10 و 12 في المئة من الناتج الداخلي الخام.
وحتى صندوق تدبير جائحة كورونا، الذي أمر جلالة الملك بانشائه، بدأ يستهلك اعتماداته المالية، و يجب تدعميه بالمساهمات من الرأسمال الوطني بعدما أعلنت الخزينة العامة للملكة صرف 45 في المئة من اعتماداته المالية لتمويل قطاعات الصحة والمساعدات المالية للفئات الهشة والمأجورين، من أصل 33 مليار درهم تم جمعها من المساهمين.
هذه التوقعات المخيفة، لا يمكن للمغرب تجاوزها إلا على الأقل بعد مرور 3 أو 4 سنوات على الاقل، بالنظر لمعدل النمو المسجل في السنوات الأخيرة والذي لم يتعدى 3 في المئة.
ويبقى المغرب مرتهنا لعودة لانتعاش الاقتصاد العالمي وعودة الطلب الخارجي، خاصة أن الصادرات تراجعت في ظرف أربعة أشهر بـ 61.5 في المائة، بعدما انخفضات صادرات السيارات والطيران والإلكترونيك والألبسة، فقط أبريل مثلا على التوالي بـ 96 في المائة و81 في المائة و93 في المائة و86.5 في المائة.
كما تهاوت عائدات السياحة وتحويلات المغاربة المقمين بالخارج، تلك التحويلات، تراجعات في شهر أبريل ب30 في المائة، وينتظر أن تنخفض في الأشهر المقبلة بالنظر بالركود الاقتصادي في أوروبا، بما له من دور في توسيع دائرة البطالة، وقرارات اتخذت في دول خليجية بالتخفف من اليد العاملة الأجنبية.
المقترحات التي قدمها حزبنا ترمي إلى الحد من إفلاس المقاولات، والحفاظ على مناصب الشغل، وإعادة الإقلاع السريع للآلة الإنتاجية فور رفع الحجر الصحي، وكهدف محوري تقليص التكلفة الاجتماعية على السكان في وضعية هشاشة، والمطلوب هو أن لا يؤثر الخروج من الأزمة على سيادة بلادنا المالية والصناعية والغذائية.
ولأن القانون المالي التعديلي، سيكون أساسا لبناء قانون مالي لسنة 2021، يجب أن يكون أكثر جرأة وطموحا، وفق رؤية واضحة تستند إلى كامل الدروس المستخلصة من أزمة كوفيد 19.
في هذا الإطار يتعين تخصيص الموارد اللازمة لوضع إطار للإدماج الاجتماعي ولمساعدة السكان في وضعية هشاشة. بالإضافة إلى ضرورة إخراج السجل الاجتماعي الموحد و والوكالة الوطنية للسجلات، وتأهيل ميكانيزمات المساعدة الاجتماعية للمعوزين والمعاقين، التي أصبحت أمرا مستعجلا وضروريا، بالنظر إلى واقع الهشاشة المتعددة التجليات التي أفرزتها أزمة كوفيد 19، والتي تشمل مئات الآلاف من المواطنين.
النظام الضريبي يجب أن تعيد فيه الحكومة النظر، عبر تقليص أو إلغاء المنح، والمنح الاستثنائية، لكبار موظفي الإدارة و المؤسسات العمومية، وإلغاء معاشات البرلمانيين و الوزراء، وتقليص الاستيراد غير الضروري، وتسهيل استفادة الشركات الصغرى والمتوسطة من الصفقات العمومية، و رفع نسبة الضريبة على الأرباح بالنسبة لشركات الاتصالات وشركات المحروقات.
كما يجب الرفع من القدرات المالية للصندوق المركزي للضمان قصد تمكينه من القيام بمهامه بأريحية وتوسيع مجالات تدخله، مع إلغاء الفوائد على القروض بالنسبة للمقاولات المتوسطة التي توجد في وضعية مالية هشة.
إن علامة “صنع في المغرب” في نظري، هي التي يمكن أن تنتشل القطاع الصناعي وقطاع التصدير من الكساد الذي لحقه، من خلال جلب العملة الصعبة وخلق القيمة المضافة الداخلية وتشجيع التشغيل، وهذا لن يتم إلا بتدخل الدولة واتحاد مقاولات المغرب وتكاثف جهودهم من أجل تحقيق إقلاع اقتصادي انطلاقا من الأزمة.
إن مقترحات حزبنا، الذي اتخذ المعارضة البناءة كمنهج في تقييم الأداء الحكومي، يقترح هذه المقترحات لإنعاش الاقتصاد الوطني، من منطلقه تعاقده الاجتماعي مع الشعب المغربي، ودوره في تأطيره وانخراطا منه في التعبئة الوطنية ضد كوفيد-19، الذي اقتربت ساعة الحسم والقضاء عليه، وليس كما ترى الأغلبية الحكومية، التي ترى النقد والإصلاح كمحاولة لإفشالها.
لقد آن لحكومة سعد الدين العثماني، أن تشمر على سواعدها، وتبحث لنا بالاتفاق مع جميع مكونات الشعب المغربي،أحزاب ونقابات ومجتمع مدني، وباطرونا وغيرهم، من القوى الحية للأمة، عن وصفة اقتصادية تمكننا من تحقيق اقلاع اقتصادي حقيقي، رغم ما تسببته الجائحة لارتباك للاقتصاد الوطني.
القدرة على الاستشراف توقع الأسوء،عبر دراسة لتدبير المخاطر، هو ما يجب أن تشتغل عليه الحكومة والحكومات المقبلة للمغرب على المستوى الاقتصادي، لقد أثبت الجائحة أن أقوى الاقتصاديات لم تصمد أمام كورونا.
الوصفة لا تكمن في البحث عن تمويل الميزانية من جيوب المواطنين وإثقالهم بالضرائب، بل البحث عن موارد أخرى، في قطاعات ظلت لعقود تستفيد من الريع والامتيازات الضريبية، دون أن تساهم ولو بسنتيم واحد في الدورة الاقتصادية أو بمدخول ضريبي للدولة.
الحل في نظري ينبني على حشد الطاقات الخلاقة في الاقتصاد والسياسية، من أجل إيجاد وصفة مغربية، لحماية مناصب الشغل، وإضافة مداخيل جديدة لجيوب الأسر المغربية.
ولا أجد أبلغ من كلمة جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، لختم مساهمتي هاته: حينما قال: نحن شعب التحدي منذ القدم وسنبقى شعب التحدي”.
أنيس إبن القاضي
الأمين الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة جهة درع