كيف عرت كورونا واقعنا ؟
عبد الله عيد نزار
في الوقت الذي يكثر فيه الشكر والثناء من الجميع على شخص ما يصبح من الصعب انتقاده لأنه سيجر علينا غضب العامة، فما بالك إذا عوضنا “شخص” بالدولة و”الجميع” بالمجتمع وأضفنا إلى ذلك عوامل وسياق صعب مثل جائحة كورونا، الجفاف والوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ؟ أكيد أن الانتقاد يصبح أمرا يستحيل التفكير فيه لدى العامة من الناس بحيث يكتفون بالتجند وراء المؤسسات والالتزام بتعليماتها، بل إن من يخالف هاته الأخيرة يصير منبوذا ومن يطرح أسئلة محرجة لا يلقى سوى جوابا واحدا أمامه “ماشي وقت هادشي”.
فهل حقا ليس هذا وقت الانتقاد؟ وهل هذا الوقت لا يحتاج سوى للتجند، الالتزام، الشكر والثناء على المؤسسات كأننا نعيش جميعا في ثكنة عسكرية كبيرة؟ إن الانتقاد والذي يدخل ضمن إطار حرية التعبير يبقى أمرا مكفولا في الدستور الذي نص صراحة على الحفاظ على الحقوق والحريات حتى في حالة الاستثناء، فما بالك بحالة الطوارئ. إن هذا اللغط حول جدوى الانتقاد في مثل هاته الأوقات لا يجب أن يعود له مكان بمجتمعنا ولا يجب أن نخشاه لأن المنتقد هو بالأصل شخص ينبه إلى خلل قد يكون على السفينة التي نركبها جميعا ويصيح بأعلى صوته “أصلحوا هذا الخطأ حتى لا نغرق” .. ولكن الجواب الوحيد الذي يسمعه هو “هذا ليس وقت الانتقاد” ولا يرى أمامه سوى تلاحما بين القائد وراكبي السفينة الظانين أنهم في مأمن في الوقت الذي ـ قد ـ تكون السفينة غير قادرة على إكمال رحلتها.
بعد هاته المقدمة، أود أن أتحدث عن أمور قد يظن العديد من المواطنين والمواطنات أنه لا جدوى من إثارتها اليوم في حين أنني أراها من صلب الأزمة التي نمر بها جميعا. وسأبدأ هذا الأمر بطرح سؤال بسيط على القارئ العزيز.. هل تسببت كورونا في أزمة أم عرت أزمتنا على مستويات عديدة ؟ .. وسأضيف إليه سؤالا أصعب قليلا .. هل تدبير الدولة للأزمة اليوم يستحق التصفيق أم أنه إذا تعمقنا فيه ستنعكس الصورة لدينا وسنرى أن عددا من الممارسات تضرب في العمق بصيص الأمل الذي رجوناه في ديمقراطيتنا الهشة ؟
إن القول أن كورونا تسببت في أزمة اقتصادية ببلادنا هو أمر خطير، لأن ترديده يجعلنا بصدد نسيان عقود من السياسات التقشفية والخيارات الاستراتيجية الخاطئة التي لم تدفعنا سوى لمزيد من الاستدانة والتقشف وما كان لها من انعكاسات على الحياة اليومية والوضعية الاجتماعية للعديد من المواطنين خاصة في الطبقة المتوسطة والفقيرة. وترديد هذا القول يجعلنا نرفع المسؤولية عن الوزراء والحكومات السابقة والحالية في ما سنمر به من وضعية اقتصادية بعد أزمة كورونا، فالأرقام التي توصلت بها لجنة اليقظة فيما يخص عدد المواطنين المتضررين من الحجر الصحي رهيبة خاصة فيما يخص العاملين في القطاع غير المهيكل (2.3 مليون مواطن براميد، 2 مليون مواطن بدون) مما يعني أننا أمام 4,3 مليون رب أسرة عامل خارج النسق الاقتصادي الرسمي .. وإذا تعمقنا أكثر في هذا الرقم وأخذنا بعين الاعتبار أن كل رب أسرة يعيل خمسة أشخاص فإن هذا يعني أن هناك حوالي 20 مليون مواطن يعيش في وضع هش دون أي استقرار ولا مستقبل واضح وتسعة ملايين منهم بدون تغطية صحية وهو رقم مخيف جدا يبين حقيقة المجتمع المغربي والذي لم تكن كورونا سببا فيه بل على العكس من ذلك كانت سببا في تعريته، فالأرقام لا يمكن أن تكذب.
إن هاته الطبقة هي المكون الرئيسي للاقتصاد الوطني، رغم عملها بالقطاع غير المهيكل، إلا أنها تمثل قوة استهلاكية كبرى ليس لأنها غنية بطبيعة الحال ولكن لأنها الأكثر ولأنها الفئة العظمى. فما الذي سيحصل اليوم حين ينقص مدخول هاته الفئة بثلاث أضعاف ؟ .. الطبيعي أن ينقص معه الاستهلاك خاصة إذا أضفنا لذلك 800 ألف موظف المعلن عنهم من طرف مشغليهم كمتضررين .. وهذا ما يعني تضرر الانتاج ومداخيل الشركات ومعه الدولة وهكذا نسير في تسلسل للضرر يمس في الأخير الاقتصاد الوطني كاملا. وهو لربما أمر كان بالإمكان تفاديه لو اتخذت الحكومات المتعاقبة تدابير مغايرة لتلك التي أخذتها في السابق لصالح هاته الفئة، لا ننكر أن الضرر كان سيحدث في جميع الأحوال، لكن على الأقل ليس بهاته الفداحة.
على الجانب الآخر لا ينكر جاحد أن المملكة المغربية اتخذت تدابيرا استباقية جعلت من صحة المواطن الأولوية التي يجب الحفاظ عليها حتى لو كان ذلك على حساب الاقتصاد الوطني، وحصنت بها منظومتنا الصحية الضعيفة ووفرت على الأطقم الطبية جهدا مضاعفا عشرات المرات. فلا ضير في الشكر والثناء على كل العاملين بالقطاعات المختلفة، من الأطباء والطبيبات والأطقم الصحية، مرورا بالسلطات والشرطة والجيش، وانتهاءا بعمال النظافة والعاملين بالقطاعات الحيوية والإعلام.
ولكن الملاحظات عديدة في سياسة الحكومة، فما لاحظناه أن العمل كاملا تمركز في يد ثلاث وزارات:
ـ الداخلية: عبر تجنيد الولاة والعمال والقياد.
ـ الاقتصاد والمالية: عبر التدابير التي اتخذتها لجنة اليقظة.
والصحة بطبيعة الحال.
والملاحظ أن ما يتشاركه الوزراء الثلاثة هو أنهم تكنوقراط، في تغييب كامل للفاعل السياسي داخل الحكومة بحيث أن دور العدالة والتنمية، بصفته قائدا للحكومة، في تدبير الجائحة اليوم غير مفهوم ودوره غير معروف ولا يلمس له المغاربة أي أثر. أما خارج الحكومة فهناك تغييب تام لمجالس الجهات والجماعات إعلاميا لدرجة أن المواطن العادي يتساءل اليوم عن دورها وسبب وجودها في ظل احتكار الدولة المركزية والقياد كل الصلاحيات في تدبير الجائحة
فهل مجالس الجهات والجماعات غائبة عن المشهد لأن السياسيين لم يكونوا عند مستوى اللحظة، أم أن هناك جهة ما تريد أن تجعل من السياسي سواءا كان داخل الحكومة أو خارجها مجرد كومبارس لا يمكن أن يلعب يوما ما دورا طلائعيا في قيادة الدولة مقابل ترويج صورة التكنوقراط الناجح ؟
يضاف إلى هذا تغييب قيادات الأحزاب كاملة عن الإعلام العمومي إلا إذا كان ذلك من أجل تمرير خطاب “بقا فداركم” .. فهل أصبح دور السياسي بالنسبة للإعلام العمومي مقتصرا في ترديد كلام القياد والمقادمية ؟ .. في الوقت الذي نشهد فيه حركية غير عادية من ندوات رقمية يشارك فيها هؤلاء ويقدمون أجوبة ويطرحون تساؤلات، تقتضي بلد الديمقراطية والتعددية، أن تمر في الإعلام العمومي قبل البديل. وهو ما لم يحدث عن سبق إصرار وترصد في الوقت الذي ظهر فيه القياد صباحا وعشية حتى حفظنا أسماء بعضهم!
لا يغيب علي قبل أن أختم مقالي بالتذكير بالمغاربة العالقين بالخارج، الذي تبقى هاته نقطة سوداء في تدبير الجائحة، فلا يعقل أن يبقى 22 ألف مغربية خارج أرض الوطن لأكثر من خمسين يوما دون أي رد واضح وشافي ووافي من طرف وزارة بوريطة أو على الأقل تجنيد القنصليات ضمن سياسة واستراتيجية موحدة لمساعدتهم في المأوى والمأكل والمشرب ريثما تطبع تذاكر عودتهم لحضن الوطن الذي لا نريد لهم أن يتذكروه بسوء حين يحدثهم أحد عن الكوفيد.
مقال رائع
تحليل منطقي للوضع الحالي بعيدا عن لغة الخشب