لماذا تفسدون على المغاربة لحظات فرحة الإجماع الوطني في زمن آلام كورونا؟

0 791

محمد الدرويش

تابعت باهتمام بالغ، مرفوق بقلق، ما صاحب مشروع قانون رقم  20-22 الخاص باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي، وشبكات البث المفتوح، والشبكات المماثلة من نقاش وتبادل للاتهامات بين أطراف حكومية، وتابعين لهم، بلغت حدا لم يعد المغاربة يطيقونه؛ نقاش حول مواد مشروع قانون “تمت المصادقة عليه مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه التي سيتم دراستها من قبل اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المشكلتين لهذا الغرض”، كما ورد في البيان الصادر عن اجتماع مجلس الحكومة بتاريخ 19 مارس 2020، حيث تمت مناقشة فصوله ومواده بين أعضاء المجلس الحكومي برئاسة السيد رئيس الحكومة كما هو الأمر بالنسبة لمجموعة كبيرة من النصوص التشريعية والقانونية التي تعرض على أنظار أعضاء المجلس.

الاهتمام نابع من التزامي السياسي والاجتماعي وانخراطي الواعي في القضايا الوطنية، والقلق ناتج عن الانعكاسات التي تخلفها اليوم وغدا جائحة كورونا اجتماعيا واقتصاديا وماليا وهندسة جديدة لأسس العلاقات الدولية  .


ومن هذا المنطلق، أدلو بدلوي في الموضوع، فأؤكد :

– أولا، على موافقتي المبدئية على اتخاذ كل الاجراءات والتدابير التشريعية والتنفيذية التي تجعل المغرب ينفذ التزاماته أمام المنتظم الدولي بخصوص قضايا حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية والتجارة ومكافحة الجريمة الإلكترونية وغيرها، وهذا ما يميز المغرب عن مجموعة من الدول العربية، والأفريقية، وبعض الدول الغربية، الشيء الذي نلمسه مرات عديدة بجنيف، ونيويورك، وبروكسيل، وفي كل الملتقيات الدولية التي يحضرها المغرب الرسمي والمدني .

– ثانيا، أضم صوتي إلى الأصوات الرافضة لهذا النوع من مشاريع القوانين والتي قد يتسبب في تراجع مسلسل الحريات، ويناقض دستور المملكة المغربية خصوصا الفصلين 6 و25، والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان من خلال مصادقته على مجموعة من الاتفاقيات، والعهود الدولية، وكذا نضالات نساء ورجالات  الاحزاب الوطنية، والتنظيمات الحقوقية، وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لسنوات طوال، دفاعا عن المغرب الديمقراطي الذي يضمن لبناته وأبنائه العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والحريات الفردية والجماعية، والذي يرقى إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة اقتصاديا واجتماعيا ومعرفيا .

ولعل المتتبع للعمل الحكومي، وللتصريحات التي تصدر عن بعض أعضائها بموجب، وأحيانا بدون موجب، يجد نفسه، مرات عديدة، مذهولا ومشدودا أمام بعض منها، والتي تنعدم فيها بعض صفات رجالات الدولة، بل وقد يمحي معها ما يتطلبه منطق المسؤولية من انضباط، وتضامن حكومي، وعلامات حقيقية للانسجام بين مكوناتها، وما حصل اليوم في موضوع مشروع القانون هذا، ليس إلا النقطة التي أفاضت الكأس، مما جعل النقاش بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين يشعل وسائل التواصل الاجتماعي في زمن الحجر المنزلي، وعلى  أساس هاته المعطيات أسجل الملاحظات الكبرى التالية :

– كيف يمكن أن نفسر أن حكومة الكفاءات اصطدمت بعد ستة أشهر من تنصيبها بإقالة وزير من بين أعضائها وتسجيل الخلافات التي حصلت في مشروع القانون الجنائي واليوم في مشروع قانون استعمال التواصل الاجتماعي وفي تدبير بعض الملفات؟

– كيف يجوز مصادقة الحكومة على نص مشروع قانون لم يحصل فيه إجماع كل الوزراء وإحالته بعد المصادقة على لجنتين تقنية ووزارية للمراجعة وإدخال التعديلات كما ورد في بيان الحكومة؟

– لماذا تسرب وثائق رسمية داخلية تخص موضوع لم يتم الانتهاء من مناقشته، خصصت له لجنة خاصة تقنية ووزارية علم أعضاؤها.

– ألم تكن أخلاق المسؤولية لرجالات الدولة تقتضي التحفظ، وعدم تسريب أي خبر على الاتفاق والاختلاف؟

– ألم  يكن من الطبيعي والمنطقي مناقشة الموضوع بكل جوانبه داخل هاته اللجنة في جو الانسجام المعلن مرات عديدة والتضامن المفروض ومقارعة الحجة بالحجة؟

– ما علاقة هذا المشروع بما كان قد تم في عهد النسخة الأولى للحكومة برئاسة السيد سعد الدين العثماني حين اشترطت الحكومة على كل المواقع تسوية وضعياتها الادارية أمام السلطات، وما رافق ذلك من قرارات تعطل تنفيذها حكوميا، أو ما صاحب قبل ذلك وبعده من فضح لبعض الممارسات والقرارات…”؟

– أليس  مجموعة من التدوينات الصادرة عن أشخاص، ومواقع مفيدة للمجتمع المغربي، ومساعدة لبعض المسؤولين للحد من الاعتداءات والسرقات والانحرافات والشطط في استعمال السلطة؟

وأعتقد، أن طرح هذا المشروع اليوم، وفي زمن الحجر الصحي لم يكن موفقا، نظرا لعدم توفر الشروط الملائمة لإثارة موضوع يحمل في طياته عناصر الاختلاف القائم على مرجعيات مختلفة؛ فمهما توفرت الحجج الداعمة له، فإنها تسقط بمجرد استحضار الأوضاع الحالية؛ ثم يبدو لي، وكأن هناك تصفية حسابات بين البعض باستعمال وسائل متعددة …

ولذلك أعبر عن :

– استنكار ما يصدر عن بعض أعضاء الحكومة أو محيطهم من ضربات تحت الحزام في ظروف عصيبة يعرفها المغرب خصوصا، والعالم عموما، مع ما يرافقها من أوضاع نفسية، واجتماعية، واقتصادية يعاني منها المواطنون والمواطنات.

– الاستغراب للصمت المطبق الذي رافق مرحلة ما بعد المصادقة من قبل مجلس الحكومة على مشروع هذا القانون، إذ لم نسمع أي توضيح في الموضوع لا من طرف السيد رئيس الحكومة، ولا السيد وزير العدل، ولا السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهذا أمر زاد في الأمر غموضا .

– دعوة الحكومة ومكوناتها السياسية والمعارضة لاستخدام العقل والمنطق الذي يستحضر الوطن أولا والوطن ثانيا والوطن ثالثا والوطن دائما، في ظرف نسجل فيه تعبئة وطنية مواطنة لكل أفراد الشعب المغربي وراء جلالة الملك محمد السادس تنبني على قيم المواطنة، والتضامن في زمن كورونا الاستثنائي بكل المقاييس. وإن لم تستطع فإني أرجو تفعيل الآليات الدستورية، لما فيه خير للوطن، والمواطنات والمواطنين حتى يتمكن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس من الخروج من هاته الأزمة الصحية ذات الانعكاسات السلبية اجتماعيا واقتصاديا وماليا والتي ستفرض على المسؤولين ضرورة مراجعة الأولويات والبرامج في كل المجالات وفي مقدمتها منظومة التربية والتكوين والصحة…

وفي الختام لا بد أن أسجل اعتزازي بالتدبير المحكم والذكي لجائحة كورونا، وارتياحي لوضعية الحالة الوبائية التي نتجت عنها، وللانحدار الذي نسجله يوما بعد يوم في أعداد الحالات الحرجة والخطيرة، وكذا للتجاوب الواسع للمواطنات والمواطنين مع مقتضيات الحجر المنزلي؛ كما نسجل بإيجاب هذا الإجماع الوطني الذي حصل زمن الأزمة الصحية هاته عبر التضامن والتعاون والمساعدة والاستجابة لكل التدابير والاجراءات التي تقررها الجهات المختصة، وهكذا نال تدبير المغرب للجائحة إعجاب مواطنيه ومواطناته، وكذا دول ومنظمات دولية، وهذا يجعلنا نفتخر ونعتز بالانتماء لهذا الوطن: فالوطن أولا و الوطن دائما .

ولأني أنتمي لحزب القوات الشعبية، ولأني عضو جهازه التقريري، فإني أدعو الأخوات والإخوة أعضاء المكتب السياسي للحزب، لإصدار في أقرب وقت ممكن، موقف واضح في الموضوع، منسجم مع تاريخ الحزب النضالي، ومع مواقف مناضلاته ومناضليه في موضوع الحريات وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا .

وفي الأخير ليس لي إلا أن أجدد التعبير عن الرفض المطلق لطرح مشروع قانون بفصول استثنائية، في زمن استثنائي، تبث حالات الهلع والخوف لدى مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تكون عنوانا بارزا للتراجع عن المكتسبات في مجال الحريات وحقوق الإنسان.

 محمد الدرويش، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.