أمين عام حزب الأصالة والمُعاصرة المغربي عبد اللطيف وهبي لـ«المغرب»: نريد إعادة بناء العلاقات التونسية المغربية انطلاقا من تكريس العملية الديمقراطية
«الربيع العربي» ترك جراحات كبيرة في المنطقة يجب أن نتجاوزها بالحوار
تطرق أمين عام حزب الأصالة والمُعاصرة المغربي عبد اللطيف وهبي في هذا الحوار لـ«المغرب» الى واقع العلاقات
التونسية المغربية وسبل تطويرها . مؤكدا على هامش زيارته الى تونس -على رأس وفد برلماني مغربي- بان عديد دول المنطقة تعيش مرحلة جديدة من تكريس الديمقراطية وهذا ما يتطلب التكاتف والتعاون رغم التحديات القائمة ، مشيرا الى انه يجب إعادة تفعيل دور اتحاد المغربي العربي على أسس ديمقراطية ووفقا لإرادة الشعوب .
• ما أهم نتائج زيارتكم الى تونس وكيف ترون واقع العلاقات التونسية المغربية وما سبل تطويرها؟
في الحقيقة، لقد ابتعدنا زمنيا نوعا ما عن تونس بسبب الوباء وكذلك بسبب التحولات التي عرفتها تونس خلال الأعوام الماضية والتي أربكت نوعا ما العلاقات المغربية التونسية خلال العشرية الأخيرة. فالذين نعرفهم في السلطة لم يعودوا في المواقع نفسها والذين استلموا المواقع السياسية لا يعرفوننا . وجئت الى تونس على رأس وفد مغربي برلماني وحاولت التواصل مع أصدقاء قدامى وهناك أصدقاء جدد تعرفت عليهم وتناقشنا سويا وتحاورنا، وأسسنا روابط جديدة. ونريد إعادة بناء العلاقات التونسية المغربية من جديد بشكل تتدعم فيه الرغبة بتكريس العملية الديمقراطية ، وهذا الأمر يقتضي تبادل الرأي .
كنا في الماضي نلتقي مع الأصدقاء في الأوساط السياسية في تونس لنتناقش حول قضايا حقوق الانسان والحريات، ام الآن فقد تحقق المكسب الديمقراطي. وعلينا الآن ان نفكر بالمستقبل وبمشروع التنمية وتكريس العملية الديمقراطية وخلق مؤسسات في الدولة تنبني على إرادة المواطن وهذا هو النقاش الجديد الذي تعيشه تونس اليوم .
• بالنسبة لتسمية حزبكم «حزب الأصالة والمعاصرة»، ؟ لم تم اختيار هذا الاسم ، والى أي مدى نحتاج اليوم في عالمنا العربي إلى المزج بين أصالة التراث والمعاصرة في نفس الوقت ؟
نعم هذه التسمية للحزب تعبر عن توجهاتنا ، فنحن نريد تطورا اقتصاديا وتنمويا في المغرب ينبني على الأصالة باتجاه المعاصرة . ونحن منفتحون على الفكر المرتبط بالأصالة وكذلك على الفكر المرتبط بالمعاصرة ، على ان يتفاعلا بشكل إيجابي. وذلك يعبر عما يعيشه العالم العربي المتمسك بأصالته ولكن في نفس الوقت يسعى الى المعاصرة . والبعض يوظّف المسألة لخلق نوع من الخلاف داخل العالم العربي ، ولكن فهم الجميع انه لا يمكن التعايش في العالم العربي اذا لم نمزج الاثنين معا .
• حزب الأصالة والمعاصرة هو ثاني أقوى كتلة سياسية في المغرب وله رؤساء كتل في البرلمان بغرفتيه، فكيف ترون المشهد السياسي والبرلماني في المملكة اليوم ؟ وماهو تقييمكم لعمل الحكومة المغربية خاصة في ظل رهانات الديمقراطية و التحديث والتنمية البشرية والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية؟
نواجه تحديات على المستوى الاقتصادي، اما على المستوى السياسي فلدينا تحد مرحلي وهو قضية الانتخابات. والتحدي الحقيقي هو تكريس العملية الديمقراطية واستمرارها لأنها هي التي تُبقي البناء الديمقراطي واختلاف الرأي الذي يسمح به القانون والدستور . نحن الآن مهتمون بالتحضيرات للعملية الانتخابية التي ستبدأ يوم السادس من شهر جوان القادم عبر انتخاب الغرف ثم الجماعات ثم البرلمان ثم مجلس المستشارين . وكذلك يهمنا أكثر الوضع الاقتصادي لسببين، أولا لأننا نريد أن نخلق دفعة اقتصادية في المغرب، ثانيا نعتقد ان الوباء عطّل الكثير من المشاريع الاقتصادية لذلك علينا ان نحفزّها من جديد وان نفتح المجال وان نعيد النظر في عديد القوانين التي يمكن ان تعرقل العملية الاقتصادية داخل المغرب .
• يرى البعض ان اتحاد المغرب العربي تجمع إقليمي جامد ومتعثر وزاد من تعقيد الوضع في المنطقة، وعرقل العمل المغاربي المشترك ، فالى أي مدى نحن بحاجة اليوم الى هيكل بديل او شكل آخر من العلاقات المغاربية ؟
نحن لا نبحث عن بديل بل عن تطوير الاتحاد لأنه في الأساس قام برعاية الأنظمة وليس الشعوب. ولكننا الآن نرى ان أجواء الديموقراطية التي أصبحت في ليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا توحي بان هناك إمكانية لبناء اتحاد مغاربي عظيم مبني على التعددية وتمثيلية الشعوب ، وهذا سيقويه أكثر . ويجب إعادة النظر في بعض الشكليات ومكونات الاتحاد حتى يكون في المستقبل اتحادا مغاربيا ديمقراطيا في الأساس .
• بصراحة دول المنطقة المغاربية تعيش منافسة اقتصادية الا ترى ان هذا التنافس يؤثر على العلاقات الثنائية بين دول المنطقة من الناحية السياسية أو الدبلوماسية وغيرها؟
التنافس الاقتصادي مسألة إيجابية جدا ولا يجب ان ننسى أننا نتميز بان لدينا تكاملا اقتصاديا ويجب ان نستغله بشكل إيجابي . ونحن نفكر فقط في التنافس ونسينا ان أحسن طريقة لكي نتعاون هي اجراء نوع من التقسيم الاقتصادي لدول المنطقة حتى تساهم كل دولة في مجال معين لفائدة الدول الأخرى. وانا متأكد من ان ذلك سيتم في المستقبل القريب عندما تصبح الشعوب ممثلة من خلال مؤسسات ديمقراطية وتعبيرات سياسية مختلفة بأنظمة الحكم التي سوف تساعد في ترسيخ هذا المفهوم الجديد .
• تحدثتَ عن التحولات التي شهدتها العلاقات التونسية المغربية وتأكيدا على كلامك فان الرئيس الأسبق الراحل الباجي قائد السبسي زار تقريبا أغلب دول المغرب العربي باستثناء المغرب، فهل لديكم معلومات عن سبب ذلك ونلاحظ ان هناك مرحلة جديدة في العلاقات اليوم بين البلدين مع الرئيس قيس سعيد فماذا تقولون ؟
صحيح ان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لم يزر المغرب ولكن في المقابل زار الملك محمد السادس تونس في سنة 2014 وكانت زيارة طويلة . لذلك اعتقد ان المسألة تتعلق بالجانب التنظيمي والبروتوكولي فقط وليست مسألة فتور بل فقط اجندا وتنظيم مواعيد . لقد كانت لدينا قضايا كبيرة شغلتنا في المغرب ولو بقي الرئيس الباجي قائد السبسي بيننا اليوم رئيسا للدولة لزار الملك المغربي تونس في أقرب الآجال . وحتى القدر يعرقل أحيانا بعض الأشياء داخل العلاقات الأخوية . وأؤكد بان العلاقات بين البلدين كانت دائما متواصلة ومستمرة سواء بين مؤسسات الدولة أو على صعيد المجتمع المدني أو الأحزاب. وكذلك نحن اليوم نقوم باستنهاضها وتحفيزها حتى تكون في مستوى العلاقات التاريخية التي كانت دائما متطورة بين تونس والمغرب .
واعتقد ان النقاش السياسي الموجود في تونس مهم جدا لأنه يقوي النقاش الدستوري . وانا أرى ان الأحزاب السياسية الموجودة اليوم في المشهد السياسي ضمانة أساسية للاستمرار الديمقراطي في تونس . اننا في تونس وفي المغرب نعيش في خطين متوازيين لبناء الديمقراطية وهذا إيجابي جدا وسيأتي يوم تقوى فيه هذه العلاقات أكثر ونحن نسعى الى تبادل التجارب والخبرات وتبادل الرأي لكي ندعم مسارنا الديمقراطي بشكل أفضل في كلا البلدين .
• بالنسبة للملف الليبي ، لعبت دول الجوار بشكل عام دورا هاما في التسوية ودعم الحوار السياسي ، ونتج عن ذلك، اتفاق الصخيرات كما احتضنت بوزنيقة المغربية الفرقاء الليبيين عدا الجولات التي انعقدت في تونس ومصر والدور الجزائري وغيره …واليوم ليبيا في طريق بناء مرحلة جديدة من الانتقال الديمقراطي فكيف سيكون دور دول الجوار في دعم هذا المسار ؟
طبعا لدول الجوار دور أساسي في التسوية الليبية، وعندما كنا وسطاء في قضية ليبيا قمنا فقط بتجميع الأطراف الليبية لتتحاور دون تدخل مع هذا الطرف او ذاك. لم نُغيّب أبدا لدول الجوار واعتبرنا ان تأثيرا كبيرا لان علاقاتها متبادلة. ولدول الجوار تأثير مباشر وهي تتأثر بالتحولات داخل ليبيا. وكانت للمغرب لقاءات دائمة مع دول الجوار لخلق أفكار جديدة ودفع الشعب الليبي لإيجاد حل لقضيته الوطنية وإيجاد خط مستقل نحو الديمقراطية ونحو بناء الدولة الليبية الوطنية الجديدة .
اما بالنسبة لدول الجوار فنحن نحترم هذا الدور ونحترم دور الجغرافيا في العملية الديمقراطية واعادة الاستقرار الى ليبيا . لذلك نعتبر ان تونس كانت عنصرا أساسيا في عملية الاستقرار في ليبيا وهي تلعب هذا الدور بشكل إيجابي جدا وفتحت أبوابها أمام الليبيين وجرحاهم وساهمت في الحوار الليبي -الليبي . ونحن نعرف ان دور تونس و مصر ودول الجوار الليبي كان ايجابيا في استقرار ليبيا .
• خلال العشرية الأخيرة عاشت عديد الدول العربية موجات من الانتفاضات والتغيير ، فشل بعضها وتعثر ودخل في متاهات الحروب الأهلية ، والبعض الآخر لا زال في مسار هذه الديمقراطية الناشئة رغم صعوباتها مثل تونس فكيف ترون كل هذه التغيرات وانعكاساتها على المنطقة ؟
نعتقد ان الدول التي تنشط فيها أحزاب وتيارت سياسية استطاعت ان تدير الأزمة خلال «الربيع العربي»، اما الدول التي لم تكن لها مطلقا تيارات ولا أحزاب انفجرت بالسلاح . وفي الحقيقة فان «الربيع العربي» ترك جراحات كبيرة يجب ان نتجاوزها وكذلك الدول التي سارت في المسار الديمقراطي عليها ان تعيد النظر في تجربتها بناء على مبدإ القبول بالطرف الآخر . فكلنا أبناء الوطن وكلنا نختلف حول إدارة الشأن العام والدولة وهذا لا يشكل مشكلة لأن الصندوق هو الذي يقرر في آخر المطاف .
والعنصر الثاني المهم هو انه لا يمكن لأحد بأن يخوّن الآخر وان يلغي الآخر فاذا حاولتَ ان تلغي الآخر فسيحاول الآخر ان يلغيك وسندخل في مواجهة عنفية واعتقد ان الاعتراف بالآخر سيقوي العملية الديمقراطية وهو كفيل بتجاوز جميع جراحات العالم العربي .
• بصراحة خلال الفترة الأخيرة لاحظنا ان عددا من الدول العربية طبعّت مع الكيان الإسرائيلي لكن بشكل مجاني وليست هناك فائدة من هذا التطبيع الذي كان على حساب الحقوق الفلسطينية فكيف ترون مستقبل القضية الفلسطينية بعد هذا التطبيع ؟
أولا ان العلاقة مع «إسرائيل» او غيرها ، ليست مسألة مبنية على أخذ ورد وثمن وغيره، فالسياسة تحتاج الى وقت طويل لبناء خطوات ورؤية . وثانيا نحن دولة مستقلة ولها مصالح وتسعى الى تأمين مصالحها ، واعتبرنا بان ارتباطنا بعلاقة مع «إسرائيل» سيكون في خدمة الفلسطينيين أولا لأننا وسطاء متواجدون داخل فلسطين من الناحية الاجتماعية ومن بينها القدس ، وطُلب منا ان نكون وسطاء في قضايا إنسانية ودولية .
والقيادة الفلسطينية نفسها لم تأخذ موقفا تجاه العلاقات المغربية الإسرائيلية وصمتت عن الموضوع. ونحن نريد من خلال هذه العلاقات ان نخدم الفلسطينيين، لذلك خلال اليوم الثاني الذي أعقب الاتفاق جرى اتصال جمع الملك المغربي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأخبره بالموضوع وأكد له دعمنا للشعب الفلسطيني وحق وجود الدولتين مسائل مبدئية ولا يمكن ان نتراجع عنها ، ووجودنا الآن في الوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون في هذا الاتجاه وهو الدفاع عن حق وجود الشعب الفلسطيني في اطار حل الدولتين.