وهبي يكتب: كورونا تعري « المستور »
عبد اللطيف وهبي.
بعد “تسريب” قانون تكميم الأفواه المشؤوم، يتضح أن تطورات هذا الفيروس أصبحت مرتبطة ليس بأمننا الصحي فقط كما شرحت ذلك بإسهاب في المقال السابق، بل بأمننا الديمقراطي واختياراتنا الحقوقية.
قبلنا أن يعاقب المتورطون في خرق قوانين الطوارئ الصحية وقلنا باعتماد العقوبات الأخف مراعاة للظرفية الاستثنائية التي يمر منها بلدنا، ووجدنا أنفسنا نقبل هذا الوضع الجديد أسوة بباقي دول العالم وبمبدأ الحرص على الشعور الوطني، غير أن ذلك لا يمنح شيكا على بياض لأي كان، حكومة أو إدارة أو شركة، لتوظف الوضع من أجل حرماننا من مكتسباتنا.
لقد تحمل الشعب المغربي الكثير بسبب فيروس قاتل وحكومة غير كفئة، وبات وضع مواطنينا النفسي والاجتماعي تحت وطأة الضغط، أما اقتصادنا فحدث ولا حرج عن الأزمة التي تخنقه كل يوم لأسباب ذاتية محلية تطرقنا لها في المقال السابق، وأخرى سنتناولها في هذا المقال” وهي أسباب ذات ارتباط بالوضعية الدولية بدأت تلقي بظلالها علينا، فكيف سنحمي اقتصادنا مستقبلا والأسواق المالية العالمية خسرت حتى الآن أكثر من 6 تريليون دولار ومن المتوقع أن تخسر أكثر من ذلك، وأن ينكمش الاقتصاد العالمي كما لم يفعل منذ الحرب العالمية الثانية؟
بعد اليوم، أصبح لزاما علينا التفكير في كيفية تحسين قدرات اقتصادنا للتعامل مع الأزمات والتقلبات، بل يجب أن يكون هذا هو هدفنا في السياسة الائتمانية التي نتبناها حاليا ومستقبلا ليس فقط للتخفيف من آثار الوباء، بل لبناء أسس مواجهته والوقوف في وجه تداعياته. ذلك أن اقتصادنا الوطني كان قبل أزمة كورونا حاملا لعناصر الهزيمة والوهن أمام أي وباء، بل لم يكن محصنا من تداعيات المؤشرات والأرقام الدولية، لاسيما في علاقة احتكار الثروة من طرف قلة قليلة. الأرقام الدولية التي تفيد بأن 0.9% من سكان العالم يملكون 43.9% من ثروة العالم، وأن 82% من الثروة الناتجة سنة 2017 ذهبت إلى جيوب 1% فقط، وأن 42 شخصا من أغنياء العالم يملكون ما يملكه 3.7 مليار نسمة، وبذلك فالاقتصاد العالمي يلد لنا مليارديرا كل يومين، أما اقتصادنا الوطني فربما يجدد ولادة نفس الملياردير يوميا.
أما البطالة على المستوى العالمي، فتسير في منحى تصاعدي حاد بعدما بلغ عدد العاطلين مع تفشي فيروس كورونا حوالي 177.3 مليون شخص، وينتشر في العالم اليوم حوالي 821.6 مليون جائع، وحوالي 256.1 مليون من هؤلاء يوجدون في إفريقيا وحدها، أما الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي فيبلغون 2 مليار شخص.
إن هذا الوضع العالمي يخفي بداخله وضعا أكثر سوءا في النظام الاقتصادي، حيث أن هذا النظام أصبح في خدمة الرأسمال أكبر من النمو الاقتصادي، مما يكرس عدم المساواة في توزيع الثروة. وأما إذا فككنا هذه الأرقام فسنجد أن القرى أكثر تضررا من الحواضر، وأن الدول الإفريقية أكثر معاناة من دول الشمال، وبضغط هذا الفيروس على الشمال والجنوب ستعرف الكثير من الدول “رغم توفرها على الإمكانيات كدول الخليج” ضغطا اقتصاديا أكبر، فهي تستورد 90% من المواد الغذائية بقيمة تجاوزت 50 مليار دولار في السنة الفارطة، هذه الشعوب التي تملك الكثير من الأموال واليوم مع تداعيات هذا الوباء أصبحت تملك الكثير من الوقت ومن الفراغ كذلك، ولكن ليس لها الحق في استثماره في السفر بسبب حصار كورونا، ويبدو أنها ستتحمل هذه السنة قيظ حرارة صيفها الذي كانت تفر منه إلى برودة المنتجعات الغربية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية القوة الاقتصادية الأولى في العالم، فقد أصبحت رهينة اليوم لتداعيات الفيروس، وأصبح اقتصادها يعاني من وضع صعب داخل أغلب الولايات، تعالت معه الأصوات منادية بضرورة تدخل الحكومة المركزية سواء بدعم الشركات، أو بتحمل الضغط الاجتماعي. فهنري كيسنجر، أحد أشهر الدبلوماسيين الأمريكيين، والذي كان يتحدث عن الاستثناء الأمريكي، يبدو أنه أصبح ينادي بإطلاق مشروع مارشال جديد، ولكن هذه المرة لإنقاذ أمريكا، فالكثير من الأمريكيين أصبحوا يشكون في قوة اقتصادهم ومتانته، بل منهم من لم يعد يفرق بين ما يقع في أمريكا وما يتابعه في الدول الأخرى عبر وسائل الإعلام، فباتت الدولة القوية التي تملك 800 قاعدة عسكرية في 70 دولة غير قادرة على هزم ومحاصرة مجرد فيروس.
وفي ظل هذه الأزمة، نعيش في المغرب وضعا لا يختلف عما يعيشه المجتمع الدولي، والذي يزيد من حدته ما قمنا به من اختيارات ضعيفة في إدارة الاقتصاد، فأصبحنا أمام وضع اقتصادي جد مقلق، توقفت فيه حوالي 57% من مجموع المقاولات عن النشاط، أي حوالي 142 ألف مقاولة مهددة بالإفلاس، منها 135 ألف علقت نشاطها مؤقتا، و6300 أقفلت بشكل نهائي، منها 42% مقاولات صغرى، و 26% متوسطة، و2% من المقاولات الكبرى، وأقفلت أبواب 89% من مشاريع الإيواء والمطاعم، و76% من مشاريع النسيج والجلد، و73% من مشاريع التعدين والميكانيك، و 60% من قطاع البناء، وفقدنا حوالي 726 ألف منصب شغل، وغيرها من الأرقام المفجعة التي صدمتنا بها المندوبية السامية للتخطيط.
وفي خضم هذا الوضع الاقتصادي المرعب، وأمام تحدي المعطى الصحي الذي يفرض علينا المزيد من الالتزام بالحجر الصحي بشكل عام، حتى نتمكن من الخروج من وضع الوباء في أسرع وقت ممكن، حتى تتحرك من جديد عجلة الإنتاج، بات همنا الكبير مركز في السؤال التالي: هل تستطيع موارد صندوق مواجهة الجائحة، وذكاء الحكومة الذي نشك فيه طبعا تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية إذا طال هذا الوباء؟ هذا هو السؤال الذي يقلقنا ويشغلنا، أما الحكومة فربما انشغالاتها وأولوياتها غير انشغالاتنا وأولوياتنا، ذلك أنه في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية التي تتطلب إجراءات اقتصادية جريئة تفاجئنا بطرح مشروع قانون يكمم أفواه المواطنين ويحرمهم من إبداء أي رأي نقدي اتجاه منتوجات “شركات القطاع الخاص”، الذي يبدو أن انتقادها سيصبح مسا خطيرا بثابت جديد غير منصوص عليه في الدستور.