أتغلاست: الغاية من إصدار تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومناقشتها هي التنبيه لما يعتري الفعل العمومي من تحديات والإسهام في معالجتها
أكد النائب البرلماني سعيد أتغلاست، أن الغاية المثلى من إصدار التقارير السنوية لمؤسسة المجلس الأعلى للحسابات، ومناقشتها في مجلس النواب، هي التنبيه إلى ما يمكن أن يعتري الفعل العمومي من تحديات، والإسهام الجماعي في معالجتها من خلال توصيات وجيهة، أخذا بعين الاعتبار الفلسفة الكامنة وراء فكرة تقييم السياسات العمومية، ألا وهي التعلم الجماعي.
وقال النائب البرلماني في مداخلة له بمناسبة مناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2023-2024، اليوم الثلاثاء 11 فبراير 2025، إن “المغرب يعيش في ظل وضعيةٍ تتّسم بالإجهاد المائي، نتيجةً لتوالي سنوات الجفاف، واستمرار السلوكيات والممارسات نفسها على مستوى الأفراد والجماعات، وكأننا نعرفُ رخاءً مائيا، والحال أن الوضع شديد الخطورة، ويتعيّن تضافر الجهود لمواجهته بحزم ويقظة، حيث يكفي التأمل في أن نسبة الفرد من المياه الطبيعية بالمغرب، قد انتقلت من 2560 متر مكعب سنة 1960، إلى 606 متر مكعب خلال سنة 2024”.
وثمن النائب البرلماني الرؤية الاستباقية لجلالة الملك، حفظه الله، بخصوص هذا الموضوع، واهتمامه الموصول بمختلف التحديات التي يطرحها حالا ومستقبلا، “حيث نقدّر تخصيص جلالته خطاب العرش لسنة 2024 لهذا الموضوع الحيوي، كما سبقه ترؤس جلالته لجلسات عمل متواترة حوله”.
وأكد النائب البرلماني على ضرورة تنزيل التدابير الواردة في البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 بصرامة ووفق الآجال المحددة، خصوصا على مستوى استكمال برنامج بناء السدود، وبرمجة بناء سدود جديدة، والتسريع بإنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية، خصوصا من حوض واد لاو واللكوس، إلى حوض أم الربيع، مرورا بأحواض سبو وأبي رقراق، الأمر الذي سيمكّن من الاستفادة من مليار متر مكعب من المياه التي كانت تضيع في البحر، فضلا عن التسريع بإنجاز محطات تحلية مياه البحر، والذي يستهدف تعبئة أكثر من 1,7 مليار متر مكعب سنويا، داعينَ إلى التعاطي مع هذا الموضوع الحساس بما يليق به من جدية ومسؤولية، من خلال اتخاذ ما يلزم من إجراءات، واستمرار اليقظة المؤسساتية.
وأشار النائب البرلماني إلى أن القانون- الإطار رقـم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار يعتبر تنزيلا حقيقيا لإرادة حكومية صلبة، وهو ما تعبّر عنه حصيلة اجتماعات اللجنة الوطنية للاستثمارات، التي عقدت، إلى حدود 29 يناير 2025، سبعة اجتماعات، نَتَجَ عنها الموافقة على 191 مشروعا، بغلاف مالي ضخم يلامس 326 مليار درهم، وهو رقم غير مسبوق، الأمر الذي سيسمح بتوفير أكثر من 150.000 منصب شغل.
وحسب النائب البرلماني فمراجعة الإطار القانوني للمراكز الجهوية للاستثمار، يمثل استمرارا لنهج التحفيز والتعبئة الجماعية، بهدف تقليص الفوارق المجالية على المستوى الاستثماري، وجعل مدن المملكة تَسِيرُ بالسرعة الاستثمارية نفسها، مشيراً إلى أن تحفيز الاستثمار يتطلّب اعتماد حزمة متكاملة من الإجراءات، مثمنا المجهود الحكومي المتواصل الرامي إلى تبسيط الإجراءات الإدارية المتصلة بالمجال الاستثماري، من خلال تقليص 22 وثيقة مطلوبة من المستثمرين، وتعزيز الشفافية الاقتصادية عبر مراجعة القانون المنظم لحرية الأسعار والمنافسة، وتحسين الولوج إلى العقار والمناطق الصناعية، من خلال توفير عقار صناعي إضافي يقدّر بـ 3700 هكتار، فضلا عن تطوير مسالك جديدة للحصول على التمويل ورقمنتها، ناهيكَ عن تحسين الولوج إلى الطلبيات العمومية عن طريق رقمنة الصفقات العمومية.
واعتبر النائب البرلماني أن تحفيز الاستثمار يتعيّن أن يتم بخطىً موازية في مجال إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات الضريبية المحفزة، معتبراً في هذا الصدد أن القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، والقانون رقم 82.20 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، يُعتبران خطوة على قدر كبير من الأهمية في تحقيق المقاصد التي يتأسس عليها هذا الإصلاح المهيكِل، والمتمثلة أساسا في استمرارية المرفق العمومي، وتحقيق المنافسة الحرة والشفافية، وتحقيق استقلالية المؤسسات والمقاولات العمومية على مستوى التسيير بمنطق التدبير القائم على النتائج، مما يستدعي التسريع باستكمال الإصلاح الحقيقي للمؤسسات والمقاولات العمومية.
وقال النائب البرلماني، إن التنزيل المتدرج للإصلاح الجبائي، يمثل الأثر الإيجابي على مسار تحقيق العدالة الضريبية واستدامة الموارد المالية، وهي مناسبة نثمن فيها الإجراءات المتخذة على مستوى تخفيف العبء الجبائي على أصحاب الأجور والدخول المعتبرة في حكمها والمتقاعدين، بما يجسّد بالملموس تنزيل مقتضيات الدولة الاجتماعية، بحيث لـم تبق حبيسة الشعارات الفارغة، بل صارت حقائق تسير على أرض الواقع، من خلال رفع الشريحة الأولى من الدخل السنوي المعفاة من الضريبة من 30.000 درهم إلى 40.000 درهم، وذلك بهدف تمكين الأجور التي تقل عن 6.000 درهم من الإعفاء، فضلا عن مراجعة الشرائح الأخرى للجدول، الأمر الذي كان من نتائجه تخفيض السعر الهامشي من 38% إلى 37%، أي بنقطة واحدة، وهو ما حسّن من القدرة الشرائية المواطنين.
وفرصت التكنولوجيات الحديثة إيقاعًا حياتيا متسارعًا، حيث أضحى الولوج إلى الخدمات العمومية رهينًا بالرقمنة، ولطالـمـا “استبشرنا في الفريق بتخصيص وزارة بهذا الاسم في الهندسة الحكومية الحالية، لذلك فإن التقدم في ورش الرقمنة بإجراءات ملموسة ووفق آجال محددة، من شأنه تأمينُ انتقال المغرب إلى مصاف الدول التي تعتمد الرقمنة أسلوبــاً في التدبير، وهو الأمر الذي من شأنه ترشيد النفقات، واقتصاد الطاقة، والحفاظ على البيئة”، وهو ما يمثل الغايات الكبرى للاستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030″، التي من شأنها جعل المغرب قطبا رقميا لتسريع التنمية الشاملة، مثمنين الجهود التي يقوم بها القطاع الحكومي الوصي بخطىً واثقة وإجراءات ملموسة.
واعتبر النائب أتغلاست أن القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية يمثل ثورة هادئة في مجال الإدارة العمومية، من خلال مقتضياته الرامية إلى جعل الإدارة أكثر جاذبية وتجاوبا مع تطلعات المواطنين، داعيا إلى مزيدٍ من المجهود في إعفاء المواطنين من عبء التنقل إلى الإدارات لإنجاز وثائق إدارية يمكن الحصول عليها من البيت بضغطة زر واحدة.
وذكر اتغلاست بما كشف عنه الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، من نسبٍ مقلقة جدا بخصوص الأمية في بلادنا، حيث انتقلت من 32.2% سنة 2014، إلى 24.8% سنة 2024، الأمر الذي يكشف أن الطريق مازال طويلا وشاقا لمواجهة هذا التحدي المصيري، مثمناً كذلك الأهمية القصوى التي تولـيها الحكومة لموضوع محاربة الأمية، والمجهود المبذول على مستوى التقائية السياسات العمومية في هذا الموضوع، من خلال تعبئة كل القطاعات الحكومية المتدخلة، معتبرا أن الاستعمال الجيد للتكنولوجيات الحديثة، وتكثيف حملات التوعية والتحسيس، بتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، سيكون له أثر كبير في معالجة معضلة الأمية، التي لا يمكن تصوّر أي نهضة شاملة أو تنمية حقيقية، في ظل استمرار الأرقام المعلنة أعلاه.
خديجة الرحالي