الأبناك في المغرب .. نظرية دائما رابح حتى في الأزمات

0 1٬502

الخبير المحاسباتي، عبد الله زمورة

قبل بداية التسعينات، كانت الأبناك المغربية تخضع لمراقبة الدولة، بل أكثر من ذلك كانت منذ 1965 تنفذ قرارات الدولة المالية من حيث تحديد سعر الفائدة الموحد ومن حيث إلزامية تمويل بعض الأنشطة والمؤسسات الاقتصادية سواء العمومية أو الخاصة.

فتطبيق سياسة التقويم الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد الدولي في سنة 1983، وتحت ضغط هاته المؤسسات اضطر المغرب إلى بدأ تحرير السياسة النقدية سنة 1990 إلى أن أصبحت محررة كاملا سنة 1996 وأصبحت الأبناك متحررة كليا ولكل بنك سياساته وتعرفته المعاملاتية وسعر فائدة خاصة به ومقابل للتفاوض مع الزبائن، والأكثر من ذلك أصبحت للأبناك حرية الاقتراض والاستثمار خارج المغرب.

لكن، هذه الأبناك بعد التحرر، تحولت من التلميذ المجتهد الخاضع لسياسات الدولة والمنفذ لسياساتها، إلى الأستاذ المتسلط، الفارض لشروطه والمحتكر لخدمته، وقد تجلى هذا في اتباع الأبناك لسياسة ” ديما رابح” في وجه الزبناء من مؤسسات ومقاولات وأفراد.

فأقدم بنك في العالم الذي هو MBS “مونتي دي باتشي دي سيينا” في مدينة «سيينا» الإيطالية عام 1472، تأسس من أجل توفير قروض رخيصة للفقراء، يعني أن الدور الأول للأبناك هو تمويل المجتمع والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول، هذا الدور لم تعد تقوم به الأبناك المغربية منذ تحرير السياسة النقدية للمغرب وأصبحت هذه الأبناك لا تبحث سوى عن الربح أولا والربح أخيرا، و آخر همها هو التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية.

ففي غياب كامل للدولة، والتي أصبحت فقط تراقب الأمور الإدارية والنقدية التقنية عبر مؤسسة بنك المغرب، فقد استفردت الأبناك بالمقاولات والأفراد، واغتنت من مالهم بالفوائد والعمولات وحجزت أملاكهم و وضعت الكثير منهم في السجن لأسباب مختلفة.

فمن حيث المقاولات والمؤسسات الاقتصادية، فإن الأبناك المغربية تمارس الاحتكار وفرض الشروط الأحادية الجانب في غياب مراقبة الدولة، فمن أجل إقراض 100 فهي تطالب بضمانات لا تقل عن 200، وتفرض على المقاولين تقديم ضمانات شخصية كالعقارات وغالبا ما تكون مساكنهم الخاصة، والكثير من المقاولين تم تشريدهم بعد أن استنزفت أموالهم. ومن أهم مداخيل الأبناك هي العمولات التي تفرضها على المقاولات ودون مفاوضة هذه الأخيرة وهي تفرض عمولات على كل عملية رغم أن هناك خدمات مؤدى عنها نهاية كل شهر أو ثلاثة أشهر. والمقاول المسكين لا حيلة له في الاحتجاج خاصة المتواجدين في وضعية صعبة.

أما الأفراد، فكل المغاربة وبدون استثناء تعرضوا وما زالوا يتعرضون للحكرة من طرف الأبناك، ويمكن أن نجرد حالات للنصب المباشر على المواطنين وهي:

– اقتطاع مبالغ شهرية أو سنوية من أجل تأمينات وهمية وغير متفق عليها مع الزبون الذي لم يوقع أي عقد، أو تم النصب عليه عند فتح حسابه وتوقيعه على وثيقة تأمين دون علمه تزرع مع الأوراق الكثيرة التي تقدمها الأبناك للزبون.

– تطبيق سعر فائدة مخالف للمتفق عليه أو تقديم البنك للزبون سعر فائدة خارج القيمة المضافة وإيهامه أنه يضم هذه القيمة، أو يضيفون معدل ناتج عن تأمين السلف دون إخبار الزبون مسبقا بوجوده.

– عدم إغلاق الحساب رغم طلب الزبون، ويرفضون غالبا إمضاء نسخة بالتوصل بطلب الإغلاق. وغالبا بعد مرور سنوات يفاجأ الأشخاص بدعوات قضائية من أجل أداء مبالغ تصل إلى المليون سنتيم بعد إضافة المصاريف والأتعاب القضائية. رغم أن القانون يلزم الأبناك بإغلاق كل الحسابات المجمدة.

– الحجز السريع على عقارات المواطنين الغير قادرين على الأداء رغم أن جميع قروض العقارات هي مؤمنة. وغالبا، فالأبناك لا تقدم عقود التأمين للمقترضين بسبب جهلهم واهتمامهم فقط بعقد القرض وما يسمى بعقد الشراء من اجل القيام بإجراءات التسجيل والتحفيظ.

والأساليب كثيرة للاستفراد واستنزاف جيوب المغاربة أمام أنظار الدولة وفي غياب جمعيات حماية المستهلك عن المجال البنكي الذي أصبح أقوى بعد تجمعه في جمعية عملاقة.

اليوم في عز أزمة كورونا التي تهدد حياة البشرية جمعاء، فهذا لم يؤثر أو يزحزح كبد هذه “الوحوش البنكية”، بل زاد جشعها وزاد طول أنيابها لا في نهش عظم الأفراد فحسب، بل أيضا في جمع ما تبقى من رماد المقاولات في عز الأزمة. فبالنسبة للأفراد، فقد استغلت الأبناك الجائحة واستخلصت كل ديون الحسابات المجمدة بعد تحويل مؤسسة الضمان الاجتماعي لتعويضات صندوق كوفيد في الحسابات القديمة، فانقضت عليها الأبناك بدون مراعاة للظرفية الخطيرة.

تصرف خطير للوحوش المالية، هي عدم الانصياع لقرارات لجنة اليقظة التي دعت إلى تأجيل أداء أقساط الديون بدون فائدة، حيت تجاهلت الأبناك هذا الطلب الإنساني وسحبت أقساط الديون لشهر أبريل من تحويلات دعم كوفيد 19 عبر الضمان الاجتماعي، وعندما لاحظت أن حجم الأقساط غير المؤداة كبير، اضطرت للتفاوض مع الدولة لتتحمل هذه الأخيرة الفوائد، المهم أنها دائما رابحة.

بالنسبة للمقاولات، فإن الأبناك مباشرة بعد الأزمة سارعت إلى استخلاص تجاوزات حسابات المقاولات وأصبحت ترفض الكمبيالات المتوسطة الأمد وحتى القصيرة منها وأوقفت كل التزامات التمويلات للمقاولات وحتى التي بدأت في صرف أجزاء منها. ورغم خلق متنفس تمويلي للجنة اليقظة سمته “أوكسجين” بدون فائدة، لكن الأبناك مرة أخرى عادت لتفرض نسبة 4% التي تتجاوز نسبة بنك المغرب، وفرضت شروط تعجيزية على المقاولات الأكثر تضررا.

المهم أن كورونا عرت عن واقع الأبناك التي عوض أن تكون رافعة للاقتصاد بل فهي وحش ينهش الاقتصاد وهمه هو الربح ثم الربح ولا شيء غير الربح. فلهذا، يجب أن تكون أولى الخطوات الإصلاحية هي النظام المالي والمؤسسات البنكية، وضرورة العودة ولو نسبيا لتدخل ومراقبة الدولة، رغم أن ذلك أصبح صعبا بسبب توغل المؤسسات المالية الدولية داخل اقتصادات الدول النامية ومنها المغرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.