الجـامعة المغـربية وتحـديات ما بعـد جائحة “كورونا”

0 1٬207

فتاح اخياط

يئن العالم اليوم تحت وطأة جائحة عالمية بسبب فيروس “كورونا”، اتخذت شكل وباء عابر للقارات حيث أن الرقعة الجغرافية والبشرية التي انتشر فيها هذا الوباء عن طريق الملاحة الجوية والبحرية وتنقل الاشخاص بين الدول ،لم يسبق أن شهدت الإنسانية مثيلا لها، من حيث سرعة الانتشار وسعة النطاق، وهو ما ألحق أضرارا عدة بالاقتصاديات المحلية للدول جراء تفشي هذا الفيروس، والاقتصاد الوطني ليس في منأى عن هذه الكارثة، والدولة اليوم لا يمكن أن تتعاطى مع الأزمة في شموليتها وتتغلب على الفيروس بجهد أحادي محض، بل إن التعاطي مع الضرورات المستجدة الاَن ينبغي أن يصاحبه وضع رؤية وبرنامج لتعاون بين كل مكونات المجتمع لمواجهة الأزمة.

و تبقى الجامعة المغربية كمؤسسة اجتماعية نظرا لمهامها العلمية والتربوية والثقافية والاقتصادية والسياسية المتعددة، معنية بشكل كبير، ليس لأن مسؤولية تطوير البحث العلمي تقع على عاتقها بالدرجة الأولى، وإنما لمدى قدرتها على التعاطي واستيعاب كل المتغيرات التي يعرفها محيطها السوسيو-اقتصادي جراء هذا الوباء وباعتبارها مساهما أساسيا في اقتراح الحلول لمختلف الإكراهات والمشاكل التي تعوق مسيرة النمو والتقدم. كذلك لما تتوفر عليه من طاقات وأطر وكفاءات قادرة على إيجاد ابتكار اَليات اشتغال تمكنها من المساهمة بشكل فعال في مثل هاته الظرفيات الطارئة والمباغتة رغم شح الإمكانيات التي تتوفر عليها و الإكراهات البنيوية التي تجعل من محاولة عولمة المعرفة والتعليم الجامعي العمومي الوطني بما يواكب الشروط المجتمعية العالمية بعيدة المنال إن لم نقل من المستحيلات.

و إلى حدود الساعة وفي ظل الإجراءات الاحترازية والحجر الصحي وتوقف الدراسة بمختلف المؤسسات الجامعية إلى إشعار آخر، استطاعت الجامعة المغربية أن توفر الدروس عن بعد للطلبة حتى تتم مرافقتهم وتوجيههم وهو ما سيقيهم شر الإحساس بالعزلة والتيهان، وذلك باستغلال كل المنصات الرقمية العالمية المتاحة والإعلام العمومي وكل ما توفره تكنولوجيا الاتصال والتواصل من إمكانات هائلة ومتنوعة في هذا الصدد. و كذا يجب أن لا ننسى المبادرات النبيلة لبعض الجامعات من خلال خلقها لخلايا سيكولوجية تتكون من أساتذة علم النفس وأخصائيين في العلاج النفسي من أجل الاستماع والدعم النفسي للمواطنات والمواطنين ومساعدتهم على التكيف مع نمط الحياة الجديد الذي فرضته جائحة كورونا. هذه المبادرة هو تجسيد بالملموس للدور المواطناتي للجامعة المغربية في علاقتها وانفتاحها على محيطها المجتمعي.

إلا أن التحدي القادم للجامعة المغربية هو “جامعة” ما بعد كورونا و هنا أود أن أتساءل عن السبل والكيفيات التي يمكن بها للجامعة المغربية أن تؤدي دور المؤثر في تغيير محيطها السوسيو-اقتصادي بكل جرأة و تجرد واستقلالية، والخروج من موقع المؤثر فيه من الجو السياسي والاجتماعي المتأزم المحيط بها و الذي كان من نتائجه استمرار أزمة الجامعة المغربية في تفاعلها مع المحيط الداخلي الوطني وهجرة أدمغتها نحو الجامعات العالمية ذو البنيات الاستقبالية الواعدة والمتطورة وهو ما قزم جهودها وأفرغها من أدوارها ومسؤولياتها التي كانت ستكون فاصلة ومحددة وذو أهمية بالغة في نقل المجتمع المغربي إلى مصاف الدول المتقدمة.

و رغم التجارب والإنجازات المتواضعة التي راكمتها الجامعة المغربية في مجال تطوير البحث العلمي في علاقته بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي، فإنه لا يخفى علينا أن المشاكل والمعيقات التي تعترض سبيل تطويره بدءاً من الميزانيات الهزيلة المرصدة له، إضافة إلى عدد من الأساتذة الباحثين مقارنة بالتعداد السكاني للمغرب، وكذا فعل العزلة الممارس على الجامعة من طرف النسيج الصناعي والإقتصادي الوطني.

إذن فمقاربة واقع البحث العلمي ومدى تأثيره في محيطه الاقتصادي والصناعي يدفعنا للبحث أولاً، في بنية وعي القيمين على صياغة برامج الإصلاح وتنزيل السياسات ذات الصلة بالبحث العلمي إذ لا يمكن لهذا الأخير (أي البحث العلمي) أن يكون فاعلا و ريادي في التأسيس للتنمية وصناعة التطور دون الحسم في مشروع الدولة التي نريد، هل هي دولة صناعية أم دولة فلاحية أم مشروع دولة آخر.

المطروح اليوم هو تقديم إجابات واضحة و صريحة على هذه الأسئلة و الإشكالات، من خلال الإقدام على إصلاح شمولي شجاع لمنظومة التعليم العالي العمومي، يقوم على إعادة قراءة وتفكيك الوضع القاتم الذي تعيشه الجامعة المغربية اليوم وفق منظور مغاير لحيثيات مرحلة تأسيسها إبان فترة الاستقلال، وهو ما سيشكل مدخلاً لتواضح تاريخي شامل بين الجامعة المغربية والدولة (السلطة) و من ثمة المجتمع بشكل نهائي و كامل، وكل هذا سيفضي لامحالة إلى إخراج الجامعة والبحث العلمي إلى مسار تنمية وتحديث الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.