الفقر والهشاشة وسؤال الفعل السياسي

0 223

عندما نتكلم عن الفعل السياسي فإننا نتكلم عن التغيير الذي يطرأ على المجتمع ليس فقط على مستوى البنيات والمؤسسات بل وأيضا على مستوى الوعي الجمعي الذي يصل إليه الافراد داخل مجتمعهم، ويعتبر تفشي الفقر والتخلف من المؤشرات التي تسهم في انحدار تنمية المجتمعات، فلا يمكننا الحديث عن التنمية والعيش الكريم ولازال الفرد يفكر بمنطق الربح الآنيّ، كما أنه لا يمكننا الحديث عن التغيير والارتقاء في ظل وجود فعل سياسي يستغل تخلف وفقر الأفراد للوصول إلى أهدافه السياسة وبعد ذلك يصبح هؤلاء الأفراد غير مرئيين.

إن تغيير أي مجتمع وإصلاحه يبدأ من تغيير تصوراته بداية بأنساق العلاقات والروابط التي تجمع بين الفعل السياسي والأفراد في وضعية هشاشة، بدءا بتغيير تمثلات الأفراد وسلوكهم تجاه الفاعل السياسي، ولابد من الوصول إلى القطيعة مع الممارسات التي تجعل من الفقير شخصا منهزما وضحية في انتظار من يمد له يد المساعدة، وجعله مشاركا في سيرورة تحسين حياته ولما لا أن تأتي الحلول من عنده فهو أدرى بواقعه المعاش.

ففي أحيان كثيرة نجد أن المساعدة الاجتماعية للفرد تعلمه الخنوع وعدم البحث عن حلول بديلة ومستدامة لوضعه الهش، فالمساعدة المقدمة ليست حماية للفرد الفقير بل حماية لمن يستغل هذا الفقر، وأن ما يتلقاه هذا الفرد من مساعدة من الآخرين يجعله ينتمي إلى فئة المحتاج، والتي على ضوئها تتحدد هويته وتصبح وصما له، ومن الشائع أن المحتاج أو الفقير هو من يعتمد على الآخرين “الاعتماد او الاتكال أو الاستناد”.

إن دخل الأفراد ليس هو الطريقة الوحيدة لتحديد انتماء الفرد لفئة الفقراء، بل أصبح هذا المفهوم أوسع من ذلك، فالفقير هو كل فرد لم يعد في استطاعته الحفاظ على انتمائه لفئة معينة، من خلال عجزه عن تجسيد قيم وسلوكيات وثقافة تلك الفئة التي ينتمي إليها، مثل عدم قدرته على تتبع نفس نهجها الاستهلاكي أو عجزه عن ارتداء نفس الملابس أو تناول نفس الأطعمة، وتعد قيم ومعايير الجماعة وثقافتها الاستهلاكية، بمثابة محددات لفقر الأفراد، فكل من لم يسعه الحفاظ على نفس القيم المادية والرمزية للمجتمع الذي ينتمي إليه يصبح خارج انتمائه الاجتماعي فينحدر لدائرة المحتاج للمساعدة، ويمكن اعتبار الفقر هو عدم قدرة الفرد على تحقيق أهدافه في الحياة، وأن لكل طبقة اجتماعية حاجيات نوعية ليس لديها القدرة على الوصول إليها وبالتالي فتمثلنا للفقر لابد أن يتغير، فلكل طبقة فئة لا تستطيع إشباع احتياجاتها وبالتالي فالفقر يتجاوز المنطق المادي إلى ما هو ثقافي وما هو نفسي وربما ما هو معرفي.

إن الممارسة السياسية التي تنبني على مبدأ التغيير لابد لها أن تتجاوز تلك الرؤية الدونية للفقراء، وتعتمد على مبدأ التعاون والتشاور لإيجاد حلول لاحتياجات كل فئة، فلكل طبقة فقراؤها، فوضع الهشاشة الذي يعيشه الفرد داخل مجتمعه يشير إلى فقدان الحماية والأمن والاعتراف به داخل مجتمعه، والفرد غير المستقر وغير المؤهل يصبح في سياق التغيرات المتسارعة عرضة لأخطار مستقبلية وهذا يستدعي منا الرجوع إلى دور الفاعل السياسي ومدى أهميته في استشراف المستقبل، من خلال ترسيخ قيم الاعتراف بالآخر والقطيعة مع سياسة الاستبعاد الاجتماعي التي تجعل من الفرد غير مرئي فقط لكونه في وضع غير مستقر، بل ويصبح مرئيا فقط عند الحاجة إليه.

بقلم: فاطمة الزهراء اكبور
مساعدة اجتماعية بمحكمة الاستئناف باكادير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.