اللعبة الملتبسة للقاسم الانتخابي

0 1٬052

خالد فتحي

يثير القاسم الانتخابي سجالا حادا بين الأحزاب وحتى في صفوف مناضلي أو منتسبي الحزب الواحد (الأصالة والمعاصرة)، بين من يعتبر أن الأساس الديمقراطي للانتخاب اللائحي يقتضي احتساب القاسم الانتخابي باعتبار الأصوات الصحيحة فقط، ومن يرى ضرورة إدخال إصلاح تتطلبه الحالة المغربية متمثل في اعتماد المسجلين لتحديد القاسم الانتخابي تفاديا للوقوع في فخ الحزب الواحد أو الحزب المهيمن أو حتى الثنائية الحزبية المصطنعة وبالتالي إنعاش التعددية السياسية وأعطاها دفقة حياة جديدة.

ليس بوسع النقاش أمام الرأي العام بين رؤساء الأحزاب حول هذه النقطة سوى أن يلبس لبوسا تقنيا أو قانونيا تشريعيا وحتى دستوريا، ولكنهم في العمق يعرفون أنه نقاش سياسي يتعلق بإجراء غير محايد سيحدد إلى مدى بعيد وربما حاسم نتائج الانتخابات المقبلة، وطبقا لذلك طبيعة الخريطة السياسية والحكومة القادمتين، ولذلك يشحذون مفرداتهم ويعبئون مذكراتهم ومداخلاتهم بالحجج والاجتهادات المدعمة لمراميهم الانتخابية.

في الصورة يبدو الحزب الأغلبي حزب العدالة والتنمية في مواجهة مفتوحة مع كل الطيف السياسي لدرجة يتصور المتابعون معها للشأن السياسي أن الحزب يتعرض لمؤامرة واضحة لتقليص وزنه النيابي في الولاية المقبلة، ولم لا التخطيط لحرمانه بشكل مؤكد من قيادة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي. لكن الأمور ليست دائما كما تبدو لنا، فإذا جمعنا كل شظايا الصورة، وحدقنا جيدا، ورتبنا الأحداث منذ قبول أو ضلوع الحزب في إعفاء أمينه العام السابق بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، نجد أن هذا الحزب أو جزءا منه على الأقل هو من أثار أخيرا مسألة تقليص ترشيحاته في الانتخابات القادمة في جس منه للنبض وللجو العام ولنوايا السلطة تجاهه، ولكن أيضا في استعراض من طرفه للقوة الانتخابية التي تجعله يفكر حتى في الاستعلاء الممزوج بالرأفة بخصومه من الفرقاء الآخرين الذين يصورهم على أنهم عاجزون لا يقوون على مضاهاته في الميدان. ولذلك هو “يتطوع” ويتورع عن سحقهم بل ويضرب صفحا عن بعض الدوائر لهم.

هذه المسألة بالذات التي كانت قد أثارت الكثير من النقع داخل الحزب وفي وسائل الإعلام، والتي انتهى الحزب بالتخلي عن نقاشها بعدما ظهر له انها لا تحظى بإجماع وقد تتسبب في تصدع داخله، وأنها ربما ستثير استياء ونقمة المناضلين، هي نفسها التي تعود في شكل آخر تحت مسمى القاسم الانتخابي. لأن تقليص الترشيح أو اعتماد قاسم انتخابي مبني على المسجلين سيؤديان في النهاية إلى نفس النتيجة التي سعى إليها فريق من الحزب الأغلبي بتلقائية، أي تحجيم النفوذ الانتخابي للحزب والنقص من الحصاد المتوقع أو المتخيل للمقاعد النيابية من طرفه. وبذلك تكون كل الطرق كما نرى لا تقود إلى روما هذه المرة بل تقود إلى تقليص مقاعد العدالة والتنمية في الاستحقاقات القادمة.

ولذلك نظن وبعض الظن مجازفة وخبث أن مشهدين اثنين محتملين قد مهدا قبلا للصورة المعروضة أمامنا اليوم.

الأول: وهو أن يكون جزء من النخبة السياسية المنافسة للحزب الإسلامي قد التقط الإشارة وأحس هذا الوهن لدى الحزب الحاكم في اكتساح الانتخابات مرة أخرى لأسباب يعلمها هو والراسخون في السياسة، فيحاول بأسلوب آخر أن ينجز لهم هذه الأمنية….. أمنية الانكماش قليلا أو أمنية التحجيم الذاتي بأن يطرحها للنقاش في ساحة الأحزاب أي في المشاورات الخاصة بالانتخابات وبالتالي تعود الفكرة المصادرة إلى البحث من جديد مرتدية ثوب استبدال طريقة احتساب القاسم الانتخابي.

الثاني: أن يكون جانب من الحزب الأغلبي ينهج سياسة لم آمر بها ولم تسؤني، فهو يريد فعلا أن يعتمد القاسم الانتخابي الجديد بهدف تحقيق هذا التراجع في نتائج الحزب، ولكن يجب أن يظهر الحزب في مظهر المضطر وليس في مظهر المبادر تلقائيا لتحجيم نفسه.

في النهاية ليست القضية قضية قاسم انتخابي، بل قضية لعبة سياسية ملتبسة يعرف كل موقعه والمطلوب منه فيها بما في ذلك الحزب الأغلبي الذي يحدد للآخرين كيف يجب أن يحجم دون أن يفقد بكارته أمام الرأي العام. ليس القاسم الانتخابي في الحقيقة سوى الشوط الثاني لمباراة التقليص الذاتي وربما في هذا الشوط سيسجل الهدف بأرجل الأحزاب المنافسة للبيجيدي، وهو نفس الهدف الذي يرجوه أيضا البيجيدي أو جزء منه في أعماق نفسه الذي له تقدير للسياق الإقليمي والعالمي. الفرق فقط في أنه سيترك للآخرين توقيع الإصابة في مرماه عوض أن يسجل هو في مرماه. فمثل هذه الأهداف أو النيران الصديقة تجلب حسرة وغضب المشجعين عفوا المناضلين على أداء الفريق الكروي وفي هذه الحالة على أداء القيادة الملتحية. القاسم الانتخابي ليس سوى مجرد كاميرا خفية يمثل فيها الكل بما في ذلك من سيزعم أنه ضحية.

نمط الاقتراع وتفاصيله شأن نيابي خاص يخضع لتوافقات وحتى تمالأت الأحزاب. إذ يمكن قانونيا أن تتفق أحزاب معينة على قانون يخدم مصلحتها ويقطع الطريق على أحزاب أخرى منافسة وتغير مقتضيات في القانون الانتخابي إذا ما ضمنت الأغلبية لمقترحاتها. وهناك وقائع كثيرة في تجارب الدول وقع فيها تحالف أحزاب ضد أخرى عبر بوابة نمط الاقتراع.

وأخيرا لسنا نجد في القانون المقارن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، ولذلك سيتعلق الأمر بتقليد جديد ينبغي تقعيده فقهيا.
إن مقاطعة الانتخابات موقف انتخابي أيضا، واعتماد عدد المسجلين يأخذ بعين الاعتبار هذا الموقف، لكن هذا الاجتهاد سوف لن يخلو من آثار جانبية منها المعرفة المسبقة بالقاسم الانتخابي قبل إجراء الانتخابات، غياب التشويق وعنصر المفاجأة، عدم خروج الحكومة مباشرة من صندوق الاقتراع بل من مفاوضات الأحزاب مما يجعلنا نقفز من الديمقراطية المباشرة إلى الديمقراطية بواسطة الأحزاب، ويدفع نحو بلقنة الخريطة السياسية. ولكن لا شيء أوتوماتيكي بين نمط الاقتراع وتفاصيله والمشهد الحزبي والسياسي. فالأنظمة الانتخابية ترسم توجها ومنح للانتخابات ولا تفرضه. هناك من الفقهاء من يعتبرون أن هدف النظام الانتخابي ليس تحقيق العدالة الانتخابية بل تحقيق الاستقرار والفعالية والمصلحة بما تقتضيه المرحلة السياسية برهاناتها الوطنية والإقليمية والدولية. وأظن هذا هو المخاض الذي شرعت فيه الانتخابات المغربية المقبلة والذي يتفق الفرقاء جميعهم ولو بشكل ضمني على أن يتم تحت يافطة القاسم الانتخابي.
عن هيسبريس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.