المالكي والخطأ القاتل
خرجت علينا بعض الكتابات الإعلامية “المعارضة”، بافتتاحية باسم حزب نحترمه كثيرا، ونقدر عاليا تاريخه ورجالاته، تتضمن الكثير من المغالطات المرتبطة بتقرير المهمة البرلمانية الاستطلاعية التي أحدثتها لجنة الخارجية بمجلس النواب، خلال الولاية التشريعية السابقة 2016/2021، حول الأطفال والنساء المغاربة العالقين بسوريا والعراق، والتي نشرت ضمن قسم داخل كتاب حديث الصدور، عن دار النشر “المعاصرة”.
ولأن فريقنا كان مبادرا بإحداث هذه اللجنة وأحد المسهمين في العمل الجماعي الهام الذي تركته، لم نكن نرغب الدخول في هذا السجال، وذلك احتراما وتوقيرا للعمل الجبار الذي قامت به هذه اللجنة البرلمانية النوعية داخل المنطقة العربية وفي مختلف برلمانات العالم، غير أننا ملزمين بالرد، لخدمة الحقيقة أولا، ولإثراء النقاش القانوني والدستوري والمجتمعي في هذا الموضوع، لاسيما وأنه يتعلق بحقوق الأطفال والنساء المغاربة.
وفي هذا السياق، أشير إلى أن “تقرير لجنة المهمة الاستطلاعية” تم التنصيص عليه بالبند العريض وباللون الأحمر على صدر الصفحة الأولى للكتاب ب “ملحق” تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بمهمة استطلاع أحوال المغاربة العالقين ببؤر التوتر كسوريا والعراق، والملاحق أو المراجع كما هو متعارف عليها علميا وعالميا هي متعددة في المنشورات والكتب، وهي إما نصوص قانونية أو مقتطفات من كتب تتم الإشارة إلى مصدرها من باب الأمانة وعدم السطو على عمل الغير. وأما رفض الإشارة الواضحة للمراجع لا يعد سوى رفض مبطن لتيسير الوصول إلى المعلومة، أو التعتيم من حيث لا يدري الإنسان على مجهودات نواب الأمة وغيرهم، وهذا نقاش آخر. والدليل على أن نشر هو أن الكتاب تضمن الإشارة أكثر من مرة على أن هذا العمل هو ثمرة اجتهاد لجميع أعضاء اللجنة، وأن الغاية من نشره هي تسهيل المعرفة، والتعريف بالجهود التي يقوم بها نواب الأمة، أو تحديدا جاء نشره (من موقع أهمية العمل الجبار الذي يقوم به ممثلو الأمة في الكثير من القضايا دون أن يسلط الضوء بالشكل الكافي والموضوعي عليه، ارتأينا نشر تقرير اللجنة البرلمانية التي تكلفت بمهمة استطلاع اوضاع الاطفال المغاربة في مناطق التوتر كسوريا و العراق. إذ يفيد هذا التقرير في الاطلاع على ما تقوم به مؤسسة مجلس النواب من مجهودات للعب أدوار إيجابية تحد من معاناة هؤلاء الاطفال وعائلاتهم..) الصفحتين 9 و10 من الكتاب.
وفي كنه الموضوع الذي أراد البعض أن يمتطيه سياسيا، أو سياسويا، فقط لأنه استحلى نصيبا من الكعكة الحكومية بعيدا عن ديمقراطية صناديق الاقتراع، فهو يتعلق بأطفال ونساء مغاربة عالقين في نزاع دولي، هم مواطنين مغاربة في وضع لا يُحسدون عليه، ومن مسؤولية الدولة والمجتمع ونواب الأمة والأحزاب الوطنية الشعبية وكل القوى الحية، حماية المواطنين الأبرياء والضحايا خاصة الأطفال والنساء، ومعاقبة المتورطين في صيانة تامة لأمن الوطن.
لذلك، وللتاريخ وللأمانة، فإنه لأسباب لازلنا لا نعلمها، فقد رفض رئيس مجلس النواب آنذاك الاتحادي الحبيب المالكي، تكوين هذه اللجنة لعدة شهور، لأسباب واهية، تارة بادعاء الخوف من استغلال هذا الموضوع في الانتخابات، وتارة أخرى لكون هؤلاء المواطنين ليسوا أصحاب أولوية عند السيد الرئيس الذي يمثل القوات الشعبية، فبعد الطلب الأول الذي تقدم به نواب الأمة بتاريخ 6 يناير 2020 ولقي رفضا شرسا وغير مفهوم من رئيس مجلس النواب، وتمسك أصحاب الطلب به ولم تقبل الرئاسة الطلب حتى تاريخ 29 شتنبر 2020 أي بعد تسعة أشهر من المراوغة لأسباب واهية.
ولذاكرة بعض الكتبة القصيرة، فإنه بعد الانتهاء من نص التقرير تمت مناقشته في اللجنة المعنية، والتي عبر رئيسها وجل أعضائها عن تقديرهم العالي لهذا العمل وعن افتخارهم بكون لجنتهم “الخارجية” هي من نالت شرف الاستطلاع في هذا الموضوع الإنساني الدقيق، وصادقت عليه بفخر واعتزاز، ورفعت نص التقرير للسيد رئيس مجلس النواب من أجل إدراجه في مناقشة داخل الجلسة العامة، غير أنه مرة أخرى تلكأ ورفض لأسباب سيكشفها التاريخ. الأمر الذي جعل كل من رئيس اللجنة والمقرر سليمان العمراني يعقدان ندوة صحفية بمقر مجلس النواب باعتبار التقرير عمل لنواب الأمة وليس بمقر الأحزاب السياسية، وكانت مفتوحة في وجه جميع وسائل الإعلام الوطنية والدولية، وسلمت لهم نسخا من التقرير ولبعض الأكاديميين والجامعات والسياسيين لتعميم الفائدة والحق في المعلومة، وتم نشره من طرف الصحافة الوطنية والدولية.
أما الادعاء بكون الهدف من توثيق الكتاب هو الاتجار المادي، فنقول لهؤلاء الذين عميت بصيرتهم، بالله عليكم أي ربح مادي في كتاب تكفلت دار للنشر بطبعه على نفقتها بتكلفة 70 درهم للنسخة، وتبيعه ب 60 درهم، أي بخسارة 10 دراهم عن كل نسخة، من منطلق إيمان دار النشر بضرورة، أولا تيسير المعلومة ووضع مضمون التقرير لفائدة الطلبة والباحثين وأغلبهم من الطبقات المتوسطة، وثانيا للتعريف بالمجهود الجبار الذي قام به ممثلو الأمة بجميع ألوانهم السياسية، وبسبب آخر لا يعلمه إلا أولي الأبصار والبصيرة وهو أن هذا العمل الذي ثم توثيقه ونشره وإيصاله للرأي العام، لا يعد سوى الخطوة الأولى داخل درب الألف ميل التي يحتاجها ملف نساء وأطفال المغاربة الضحايا في العراق وسوريا باعتباره من أكثر الملفات الإنسانية غموضا وصعوبة ومعاناة.
الأصالة والمعاصرة.