عبد اللطيف وهبي يكتب: المعارضة في زمن “الكورونا”؟

4 1٬778

أصبحت العلاقة وطيدة اليوم بين كورونا والسياسة..
بل بات من الضروري، مع هذ الوباء، أن نطرح السؤال: أيهما يتحكم في الآخر؟
أو بصيغة أدق، كانت موضوع تساؤل طرحه علي أحد الصحفيين: “أي نوع من المعارضة ستقوم بها مستقبلا؟
وفعلا أي رقابة سنقوم بها في الوقت الذي لا يبحث فيه الإنسان والدول والحكومات سوى عن الحياة والنجاة من “كورونا.

وكيف يمكننا أن نفكر بشكل سوي في ظل هذا الزلزال الصحي الصادم اقتصاديا لنقوم بمعارضة سليمة؟
قبل الجائحة، كنت أعتقد أن الحكومة تتحكم في كل مفاصل الحياة اليومية للمواطن، وأنها مسؤولة مسؤولية مباشرة عنها ومازلت كذلك،

ومن موقعي هذا في المعارضة أراقب أداء الحكومة عن كل إجراء وفي كل لحظة.
أما الآن، وقد فقدت الحكومة سلطتها على الطبيعة، بعدما كادت أن تفقد سيطرتها على أرقام الاقتصاد؛ فأي معارضة ستكون أجدى لأي حكومة بعد اليوم؟

فأصبح البعض منهكين، يعيشون في عالم يبدو منهارا فاقدين لرؤية مستقبلية لدرجة الجمود ونحن نتتبع كيف تحولت العولمة وقوتها الاقتصادية إلى حالة من الضعف المبتذل.

أكثر من هذا لقد باتوا تحت تأثير الصدمة يلعنون الحياة التي جربوها خلال أيام كورونا، ونحن نأمل أن نعيشها بشكل أفضل بعد الوباء الفاتل.

ثم صرنا نسائل أنفسنا: في ظل أية سياسة سنعيش مستقبلا؟
والعالم يبدو شبه منهار اقتصاديا ومفكك سياسيا، وستصبح معه كل دولة تفكر في ذاتها ولذاتها فقط، وسينتشر لا محالة البخل والشح في العلاقات بين دول العالم.

وطبعا سيكون المآل في العلاقات بين الدول بهذا البعد الدرامي: لا تعاون ثنائي أو ثلاثي بعد اليوم ولا تبادل في الأفكار ولا دعم بالأموال.

الكل سيحاول أن ينجو بجلده من أزمة الاقتصاد العالمي التي ستنتج عن هذه الأزمة واحتياجات الصحة التي اجتاحت كوكب الأرض لنسمع عن اقتصاد الصحة كجزء من سيادة الدولة.

وهذا معناه أننا سنكتشف حتما بعد اليوم عالما جديدا، بدأ البعض يرسم معالمه وابتدأ في التشكل حين فشل العالم حاليا حتى في إحكام إقفال الحدود على الصين لمحاصرة الوباء.

وعندما عجزت العولمة، تاركة حدود العالم مفتوحة، فجأة قررت أن تقفلها لكن بعد أن تسرب الفيروس.
لقد استشرف نابليون خبر الفيروس الصيني وهو يقول “عندما تستيقظ الصين يهتز العالم”.
ولم يستيقظ من الصين حتى الآن سوى فيروس صغير فاتحا الطريق لتنين اقتصادي كبير.
في ظل هذه الإكراهات العالمية التي ستنعكس لا محالة على بلادنا، كيف يمكننا أن نمارس المعارضة بشكل عقلاني وواقعي وبدون فيروسات؟

بالتأكيد سنطالب باحترام الدستور والمجادلة في افتتاح البرلمان وبالديمقراطية كشكليات وأجهزة وتواريخ محددة في الدستور وحضور رمزي.

لكن أي شعارات سنرفعها داخل هذا البرلمان؟ وكيف سنفكر؟ وأية رقابة سنصنع وأفواهنا مغلقة من دخول الفيروس؟
هل سنحاسب رئيس الحكومة على جائحة كورونا أم سنحاسب ذلك الفيروس الصغير “كورونا” نفسه أم أننا سنوجه الاتهام لذلك التنين الضخم الذي اسمه الصين؟

ثم كيف سنحاسب الحكومة ونحن نطالبها اليوم بأن تضع كل أموالها في جبهة الصراع ضد هذا الوباء ما دمنا نريد فقط أن يبقى الوطن ولا نريد أن نرى دموعا على خد امرأة تبكي أهلها أو نرى طفلة تبكي رحيل والديها بسبب الكورونا؟

فهل علينا أن نعارض قدرنا أم نعارض الذي أتى من الشرق حتى بدون استئذان حاملا معه كمامات بثقلها الاقتصادي؟
وأية معارضة سنمارس في ظل لحظة تاريخية حرجة يحتاج فيها الوطن إلى التوافق ويحتاج إلى الوحدة القوية التي لا تمييز فيها بين صوت المعارضة أو صوت الأغلبية؟.

لأنه لا صوت يعلو اليوم فوق صوت الوطن ولأن الوطن هو أغلى ما نملك.

لذلك كله؛ ستبقى جميع الأسئلة، المطروحة علينا حول ما سنفعله في المستقبل، مؤلمة ومؤرقة في لحظة صراع الوطن من أجل البقاء أو لحظة ألم مواطن يتجرع الأزمة في قمة جبروت البشر،؟

إنها فعلا لحظة بتنا معها عاجزين فيها حتى عن عناق بعضنا البعض، وبتنا نواجه ذلك الفيروس الغريب الذي يوزع الموت في صمت بأسلوب خفي.

بل إن هذا الفيروس منعنا حتى من تبادل السلام فيما بيننا كشعب بعدما منعهم من الصلاة في المساجد وزواج العرسان في الاحتفالات وأصبحنا في صلواتنا نلعن الفيروس وننسى الشيطان.

فإن شعبنا أصبح اليوم مطالبا بخوض معركة البقاء في مواجهة هذه الجرثومة الصغيرة التي صنعتها حضارة متوحشة أصرت على أن تغير حياتنا رأسا على عقب.

لكنها يقينا لن تستطيع هزم تاريخنا أو هزم قدراتنا التي بنيناها طيلة قرون خلت.
هي حتما أزمة، لكنها ليست نهاية العالم. فالمغرب بشموخه لن تهز أركانه جرثومة عابرة أكيد ستصبح لا محالة جزءا من الماضي بعد بضعة أيام بعد أن قاومها المغاربة بكل شيء وحتى بسخريتهم اللاذعة.
وهذا الشموخ المغربي هو الذي يجعلنا نتطلع اليوم الى المستقبل وإلى ما بعد كورونا وإلى التفكير الجدي في بناء وطن يتسع لجميع أبنائه.

كما أن هذا الشموخ المغربي هو الذي يجعلنا نتطلع أيضا الى انفراج صحي أكبر من خلال التفاتة ملكية تعزز ما راكمته بلادنا من مكتسبات هامة في مجال الحقوق والحريات وتطوي أيضا ملفات لسنا اليوم في حاجة إليها.


عبد اللطيف وهبي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

4 تعليقات
  1. بشرى يقول

    روووعة
    اسلوب المد والجزر يأخد المتلقي الى عمق النص وغياهبه ثم يطفو به ليستنشق نسيم الامل ويتطلع.لافق بر امان حيت يامل ان ترسو على مرافئه سفينة الحرية محملة باطواق النجاة كم هو متعب ان يعاني وتتقاذفه امواج عاتية ليصل بر المان ويجد الثقب قد نخرته اسماك القرش ونفقت على سطحها الحيتان.

    نص يمتزج فيه الابداع الادبي والمخيال الفني باسلوب الواقعية ولغة الذكاء الاجتماعي.
    لم اكن اعلم ان السيد الامين العام انه بالاضافة الى حنكته في المجال القانوني ودهائه، هو ايضا ضليع في نسج نصوص الأدب السياسي ويصبح نصه هذا مرجعا للتاريخ الاوبئة وثاتيرها على الانظمة السياسية في العالم.

  2. ريفي ورياغلي يقول

    المعارضة والأغلبية تسعى إلى خدمة الوطن والمواطن ، كل بآلياته ومجهوده وابتكاره للحلول..
    اليوم ماتبقى في عمر الحكومة يجب أن ينكب على اعادة بناء اقتصاد وطني متماسك قوامه التضامن وخفض الضرائب وتوجيه الاستثمار الى النهوض بقطاع الصحة والتعليم.
    الامين العام المحترم لحزب التراكتور نطالبك كمواطنيين بالتركيز على مفهوم الاقتصاد الصحي من خلال سن تشريعات وقوانين تخرج هذا النموذج الى العلن لكي تعم فائدته على الوطن.

  3. هشام ناجي يقول

    هذا “الزلزال الصحي” على حد تعبيركم وحد الأغلبية والمعارضة وأرغم جميع القوى الفاعلة في هذا الوطن العزيز بسلك سياسة التوافق والوحدة ضمانا لإنجاح خطة إنقاذ الوطن والمواطنين..
    صحيح أنه لاشيء يعلو اليوم فوق صوت الوطن

  4. سمير يقول

    الظرفية تقتضي الإلتزام بإجراءات الطوارئ الصحية ولو أنها باتت مدخلا للتباعد الاجتماعي..