المغرب وفرنسا :استراتيجية توازن المصالح
عرفت العلاقات المغربية الفرنسية ديناميكية متجددة في السنوات الأخيرة، قفزت الى أوجها بعد قرار فرنسا الأخير بالاعتراف بمغربية الصحراء ودعمها لمبادرة الحكم الذاتي، كأساس وحيد لحل دائم للقضية الوطنية، والتأكيد الواضح والثابت لخطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في عام 2007 كحل وحيد وأوحد لحل النزاع المفتعل. هذا الاعتراف يعكس دعم فرنسا لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مما يعزز افاق التعاون الثنائي وخاصة الاقتصادي و السياسي بينهما. كما سينعكس ايجابا في سبيل تقوية العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، كل هذه الدينامية ستفتح آفاقا جديدة للاستثمارات وتعزيز مشاريع استراتيجية مشتركة، مستندة إلى أساس اقتصادي ينسجم مع التحولات الاستراتيجية الدولية، خاصة استراتيجية توازن المصالح.
وهكذا، فان استراتيجية توازن المصالح هي آلية مرنة للوصول الى القدرة على الاقناع والتأثير في القوى الدولية في ظل البيئة الاستراتيجية السائدة حاليا ، وكذا في ظل عالم ذكي ومتسارع ومتحرك ومتغير حسب أهمية المصالح وتوازناتها مع مصالح الدول الشريكة، بعد أن أصبحت معادلة القوة الناعمة والطاقات المتجددة في صلب استراتيجيات معظم الدول.
وفي هذا الاطار، تأتي زيارة ماكرون رفقة وفد رفيع المستوى يضم وزراء ورجال أعمال، سواء من القطاعات الإنتاجية العمومية أو من القطاع الخاص وهو ما يتمظهر بقوة في مشاريع التعاون القطاعي، والتي ستشكل لا محالة فرصة سانحة وجادة للتوقيع على اتفاقية إطار وشراكات استثنائية تصب في مصلحة البلدين، منها ما هو اقتصادي صناعي وثقافي، وتؤكد بجلاء جدية هذا التواصل المباشر والحوار المبني على المصالح المشتركة المؤكدة، والتي تؤسس لأرضية صلبة تحقق الغايات الاستراتيجية لكلا البلدين.
والجدير بالذكر، أن فرنسا تعتبر من أبرز الشركاء الاستراتيجين التقليديين للمغرب، إذ يسجل البلدان تداخلاً عميقاً على مستوى الاستثمارات، خاصة في مجالات البنى التحتية، والصناعة الثقافية، والقطاع المالي، والطاقات المتجددة، حيث يجد كل من المغرب وفرنسا في العلاقة الثنائية مجالاً لتعزيز القوة الاقتصادية المشتركة، وتعزيز النمو من خلال خلق منافع متبادلة.
وقد أوجد هذا التفاعل السياسي الاقتصادي تفهماً كبيرا واستجابة من كلا الطرفين من أجل تنزيل حزمة من المشاريع في إطار ثنائية رابح رابح. وذلك راجع بالخصوص لموقع المغرب الجيو/استراتيجي المتميز باعتباره نقطة عبور للاستثمارات الأوروبية والأميركية نحو القارة الإفريقية، ودوره الاستراتيجي في حوار جنوب جنوب.
إن المغرب ومنذ مرحلة ما بعد كورونا ركز على تنويع شراكاته مع مختلف الفاعلين سواء التقليديين أو الفاعلين الجدد في الحقل الدولي وارتكز في عقيدة سياسته الخارجية على مرتكزين الأول قضية الصحراء بينما المركز الثاني مبني على توازن المصالح بندية مع باقي الفاعلين بالإضافة إلى تثمين عناصر القوة في سبيل تحقيق هذا التوازن .وهو مايظهر في هذا التحول الجاري حاليا بين المغرب وفرنسا الذي تم معه فتح افاق جديدة لتكريس تعاون استراتيجي بعيد المدى .
لا يسمح المجال هنا للحديث عن محددات هذا التوجه الجديد للمغرب إزاء فرنسا؛ لكن بوسعنا القول إن المحددات الكبرى في ذلك هي محددات سياسية اقتصادية وتجارية من جهة، وثقافية اجتماعية من جهة أخرى، تذكيها طبيعة العلاقات التاريخية المتينة بين البلدين والعمل أكثر على تنويع الشركاء وإبداع ميكانيزمات جديدة ومحفزة لجلبهم، وكل ذلك في إطار استراتيجية توازن المصالح.
الدكتور احمد طوالة