المكتب السياسي وفرضيات الطوارئ

0 1٬751

نور الدين أشحشاح

في الأحوال العادية يتعين تطبيق القوانين بحذافيرها، ويساءل ويحاسب على أساسها، لأنها ببساطة وضعت وشرعت للحالات العادية. لكن في الأحوال الاستثنائية يتم الاحتكام إلى ما يفرضه الاستثناء من قواعد ومبادئ، تتناسب مع ظروفه وما يتطلبه استمرار الوظائف الحيوية للمؤسسة أو الجماعة، سواء تعلق الأمر بالدولة أو بالحزب أو غيره.

فكما هو واضح من تتبع سيرورة اشتغال الدولة المغربية في ظل الظرفية الحالية، فقد أعلنت عن حالة الطوارئ الصحية، وهي حالة سمحت لها باتخاذ تدابير مواجهة الجائحة وتجنب انتشارها واتخاذ مختلف الإجراءات التي يتطلبها تجاوز انعكاساتها.

ومن الواضح أن مفهوم حالة الطوارئ الصحية لم يسبق توظيفه في النظام القانوني المغربي، فلقد ابتكر لأول مرة أو اقتبس، عندما قدرت الدولة أن ليس هناك مدعاة للإعلان عن حالة الاستثناء ولا عن حالة الحصار اللتان ينص عليهما الدستور، بالنظر إلى عدم تحقق شروطهما. ولقد سمح ذلك للدولة بالتصرف.

لقد كانت القرارات التي اتخذت، على أساس الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية، ستكون غير شرعية لو أنها اتخذت في الأحوال العادية، ومن جملتها تقييد الكثير من الحريات، والمنع من ممارسة الكثير من الحقوق، كالحق في ارتياد المدارس وحريات الاجتماع والتجمع والتظاهر، والكثير من الحقوق ذات الطبيعة الاقتصادية والمدنية والسياسية التي عطلت.

الإعلان عن الظروف الاستثنائية تستوجب عادة تجميد العمل بالقوانين التي تمت صياغتها للحالات العادية، وهو ما حصل في الأمثلة السالفة، لكن الأهم من هذا هو أنها تحمل حلولا قانونية وإجابات على مختلف الفراغات الممكن مصادفتها خلال الممارسة العملية، وذلك لقيامها على منطق مقاصدي بسيط، مفاده جلب المنافع ودفع المضار، لذلك من الطبيعي أن نشاهد الدول تتعامل مع المشاكل والمستجدات التي تفرضها جائحة كورونا بحسب ما تطلبه من فعل ورد الفعل، وهي في الغالب قائمة على تقدير ظرفي لمدى نفعية الإجراء أو مدى ضرورته لدفع الضرر.

الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية يمس الكثير من الحريات العامة، وينصرف ويمتد أثره إلى الكثير من الهيئات السياسية والمدنية، التي أصبحت مشمولة بالمنع من عقد التجمعات والاجتماعات، فالكثير من الأحزاب السياسية وجدت نفسها غير قادرة على عقد اجتماعاتها، وهذا الانضباط الذي أبانت عنه، يشمل هياكلها الوطنية والجهوية والإقليمية والمحلية، لقد أصبح انعقادها بموجب قانون حالة الطوارئ الصحية محظورا، لكنها في ذات الوقت مطالبة بمواكبة الدولة وأداء أدوارها داخل المؤسسات الدستورية وخارجها في انسجام تام مع مقتضيات حالة الطوارئ المذكورة.

حالة حزب الأصالة والمعاصرة بارزة، حيث بعد انتخابه لأمينه العام خلال المؤتمر الوطني، تعذر على مجلسه الوطني الانعقاد لاستكمال انتخاب أعضاء المكتب السياسي، علما أن عددا مهما من هذه التشكيلة قد أصبحوا أعضاء منذ المصادقة على القانون الأساسي.

وتعذر الانعقاد كان وما يزال لأسباب قاهرة، خارجة عن إرادة رئيسة المجلس الوطني وإرادة الأمين العام، وقد أجمع الكل على أنها ظرفية خاصة لا يستطيع معها أحد أن يتصرف وفق ما يتوقع منه في الحالات العادية.

ويعرف الجميع أن المكتب السياسي وفق النظام الأساسي للحزب أسندت له الكثير من الاختصاصات، لكن الذي يجب أن يفهم جيدا هو أن الاختصاصات ليست حقوقا لأعضاء المكتب السياسي، فالحق لصيق بالإنسان فرادى أو جماعات، لكن الاختصاص مرتبط بالمؤسسات والوضعيات، فهذه الاختصاصات هي في آخر المطاف أدوار يجب أن يؤديها الحزب، سواء وجد المكتب السياسي أم لم يوجد، ولا يمكن أن يتوقف اشتغال الحزب وأداء أدواره بسبب عدم انتخاب البقية من أعضاء المكتب السياسي، مثلما لا يمكن أن تتوقف الدولة لأن البرلمان في عطلة، أو لأن الانتخابات لم تتم كما حدث في إحدى الدول بالنسبة للانتخابات المحلية، فهذه المؤسسات تصبح مطالبة بالاشتغال بما هو متوفر لديها من موارد.

ويجب أن نعرف بإتباع نفس البناء أن الأمين العام للحزب في سياق اشتغاله لا يمارس حقوقا، بل يمارس اختصاصا، والاختصاص هو ما يفرض القانون القيام به عند تولي مهمة أو مسؤولية، وإذا كانت اختصاصاته محددة بشكل دقيق في القانون الأساسي، فإن حالة الطوارئ التي فرضت وضعا استثنائيا من نتائجه تعذر استكمال المكتب السياسي في كامل تشكيلته، تفرض أيضا انتقال كافة اختصاصات المكتب السياسي، عند افتراض انعدامه، إلى الأمين العام للحزب، وهو اختصاص ينبني على مقتضيات الوضع الاستثنائي، ولكنه يتأسس أيضا على البند الرابع من بنود المادة 106 من النظام الأساسي التي تنص على ما يلي:

“تتمثل اختصاصات الأمین العام بالإضافة إلى نصوص أخرى من هذا النظام الأساسي في:

… السهر على السیر العادي والتدبير اليومي والإداري لشؤون الحزب؛ …”

وإذا كان هذا الانتقال للاختصاص فرضه الوضع الاستثنائي الذي تسبب في الشغور المؤسساتي داخل الحزب، فإن القانونيين يعرفون جيدا قاعدة “الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة”، حيث يمكن للأمين العام سواء في هذا الوضع أو في أي وضع قاهر أو استثنائي تسبب في مثل هذا الشغور، الاشتغال وفق هذه القاعدة، حيث من واجب الهيئات الحزبية أداء ما يتطلبه منها الظرف، شريطة إخضاع القرارات التي تم اتخاذها للمصادقة عليها من قبل الهيئة التي حل محلها، وعلى سبيل المقارنة فذلك ما ستقوم به الحكومة بعرضها للمراسيم بقوانين التي اتخذها على البرلمان بمجرد عودته إلى الانعقاد.

إن ما تمت الإشارة إليه أعلاه قائم على فرضية انعدام المكتب السياسي، بينما الحالة التي نتواجد في إطارها هي حالة عدم استكمال المكتب السياسي لتشكيلته، حيث سبقت الإشارة إلى أن عددا من الأعضاء اكتسبوا فعلا عضويتهم به بالصفة، لذلك وجب الاعتراف بما هو موجود فعلا في الواقع وهو أن المكتب السياسي قائم وغير منعدم، حيث يعتبر موجودا ومكونا من أعضائه بالصفة، وذلك إلى حين انتخاب باقي تشكيلته. فممارسة مهام العضوية بالصفة غير متوقفة على تحقق العضوية بالانتخاب.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة تقاس على حالة شغور المقاعد بالمكتب السياسي، حيث يستمر المكتب السياسي قائما بأعضائه إلى حين انعقاد المجلس الوطني المقبل، حيث تنص المادة المائة من النظام الأساسي للحزب في بندها الرابع على ما يلي: “عند حدوث أي شغور في عضوية المكتب السياسي يملأ في دورة المجلس الوطني الموالية لحدوثه وفق نمط الاقتراع الفردي أو اللائحي حسب عدد المقاعد الشاغرة”؛

وفي جميع الأحوال فإن حالة الطوارئ التي تمر منها البلاد لها أحكامها، وهي تفرض في الحالة التي بين أيدينا أن اشتغال المكتب السياسي بكامل تشكيلته لن يتم إلا عند عودة الحالة العادية التي يستقيم معها انعقاد المجلس الوطني، ولان الحزب يتعين عليه أداء أدواره داخل المؤسسات الدستورية وخارجها، فإن المكتب السياسي ينبغي أن ينعقد بما توفر من أعضائه، وعلى أساس عددهم يحتسب نصاب الانعقاد وتتحدد الأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرارات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.