المنصوري …. القوة الناعمة أو عندما تُنصَف المرأة المغربية

0 6٬761

مبارك بدري

يقف حزب الأصالة والمعاصرة على بعد أقل من سنة ونصف من الانتخابات التشريعية لسنة 2026، في أحسن وضع، تحت قيادة فاطمة الزهراء المنصوري، منسقة القيادة الجماعية، التي نجحت في رفع عدة تحديات.

مقارنة مع هذا التوقيت من الاستحقاق التشريعي السابق لسنة 2021، عاش حزب الأصالة فترات صعبة تراوحت بين التشكيك والتبخيس، بحكم مناخ داخلي لم يكن مثاليا بالمطلق، لكن إرادة التحدي مكنته من كسب ثقة قطاعات واسعة من الناخبين المغاربة.

أنجز الحزب في تلك الظروف، انتقالا سلسا، بين وضعية مخيبة أعقبت انتخابات سنة 2016، وانتخابات 2021. في ظل القيادة الجماعية التي تصحح أعطاب الحزب، يحق لفاطمة الزهراء المنصوري، أن تفخر بحصيلتها على الواجهتين، واجهة التدبير اليومي للحزب، وتدبير قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، الذي تشرف عليه، بالموازاة مع ترأسها لجماعة مراكش، عاصمة السياحة المغربية.

على مستوى التدبير الحزبي، حزب الأصالة والمعاصرة، يعالج يوميا اعطابه التنظيمية، ولا ينكرها، وهو ما يبرر أن منسوب مشاكل الحزب وقضاياه، حاضرة بقوة في المشهد العمومي قياسا لباقي الأحزاب. حركية البيت الداخلي للحزب، هي ما تفسر بروز بعض الأحداث التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، والتي تعطي الانطباع أن باقي الأحزاب لا تعاني منها، والواقع أن الجمود والشلل لا ينتج أي مشاكل أو صدامات.

ليس عيبا أن يعاني أي حزب من مشاكل قد يصفها البعض بـ” الفضائح” ولكنها في الأصل انعكاس طبيعي لتدافع مستمر، وتقاطع لطموحات متضاربة، تنتهي بتدبير عقلاني، يجسد مقولة البقاء للأصلح.

تدريجيا نجحت فاطمة الزهراء المنصوري منذ توليها، قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، وفق صيغة جماعية، اعتمدت كخيار مختلف التطلعات المعبر عنها، كعنوان لمرحلة جديدة، تستوعب دروس الماضي القريب.

في هذه المحطة تَعبُر المنصوري بحزب الأصالة والمعاصرة، من نفق الاضطراب والتوتر، إلى آفاق تنظيمية أرحب، انتصرت فيها روح الانتماء على الأنانية السياسية التي تسيطر في مواقف معينة، وكانت صيغة القيادة الجماعية، إبداعا خالصا للحزب، بما يتيح له أن يواصل الطريق دون معيقات تنظيمية، وفي هذا المستوى تبرز كاريزما قيادة نسائية متميزة، رغم كل المناورات، والضربات التي سعت لنسف هذه القيادة، انتصارا للذات والأنا التي لا مكان لها في السياسة، التي تمارس بصيغة الجمع.

هذه الحنكة هي ذاتها التي ترافق فاطمة الزهراء المنصوري في تدبيرها للقطاع الوزاري الذي عينت على رأسه من طرف جلالة المك محمد السادس حفظه الله، في حكومة عزيز أخنوش. فبعد انقضاء ثلاث سنوات من عمر الزمن الحكومي، لا أحد ينكر أن المنصوري، تتعاطي بفعالية مع إشكالات قطاع مثقل بالتراكمات، ومضغوط بانتظارات كثيرة، بحكم الهاجس الاجتماعي لهذا القطاع، والتقاطعات التي تحكمه، من خلال الانفتاح على المتدخلين، وبالتنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية بمجال السكنى والتعمير، وتواصل دائم مع السلطات العمومية على مستوى الجهات والأقاليم والجماعات الترابية، وبرهانات وأهداف واقعية وقابلة للتنفيذ.

ويحسب للمنصوري، ومن موقعها القيادي، في التحالف الحكومي، أنها أظهرت نضجا كبيرا في تدبير محطة التعديل الحكومي، من خلال الدفع بطاقات الحزب لإعطاء نفس جديد للتشكيلة الحكومية، بما في ذلك ترشيح الحزب لأديب بن إبراهيم كاتبا للدولة في الإسكان، وتسريع تفويض الاختصاص المسند له، عَكًسَ انسجاما وتناغما كبيرا في تدبير حقيبة هامة في الهندسة الحكومية، وهو ذات المنطق الذي يفسر توجهها نحو قيادة جماعية للحزب، مع أن الإجماع على شخصها كقائدة للحزب خلال المؤتمر الأخير، كان موضوع إجماع، لكنها اختارت نهج القيادة الجماعية ترجيحا لمصلحة الحزب و التنظيم.

كما كان لفاطمة الزهراء المنصوري، شرف تنزيل برنامج الدعم الملكي المباشر للسكن، عبر تدبيرها لهذا الملف، بما يُمكِّن عموم المغاربة من الاستفادة من الدعم العمومي لامتلاك السكن، وفق شروط ميسرة، حقق في سنته الأولى نتائج باهرة، تتحدث عنها الأرقام المسجلة.

ما تحقق في قطاع السكنى والتعمير، جزء بسيط من بصمات منسقة القيادة الجماعية للحزب، في الحصيلة المشرفة للحكومة في عدد من القطاعات والمجالات، رغم الصعوبات والاكراهات والتحديات الدولية.
هذه الحنكة ترافق فاطمة الزهراء المنصوري في تدبير شؤون جماعة مراكش واحدة من أبرز التجمعات الحضرية في المغرب، ذات الهوية السياحية، والمؤشرات التنموية الواعدة.

جماعة مراكش في ظل رئاسة المنصوري لها، تعتبر من الجماعات ذات المؤشرات التنموية المشجعة والايجابية، من خلال التدبير التشاركي والاستباقي لحاجيات ومطالب ساكنة المدينة الحمراء.

قد يبدو الوقت مبكرا لتقييم حصيلة المنصوري على كافة المستويات الحزبية، الوزارية، والمحلية في ظل تقاطع هذه المسؤوليات الجسيمة، لكن من الضروري الوقوف عند عدد من المؤشرات، لتأكيد استحقاق القيادة النسوية الإشادة والتنويه الذي تستحقه. وهنا لا بد من التنويه بدعمها للقطاعات الشبابية الذي تجسد من خلال حضورها لقاءات الجامعة الصيفية كرسالة لشبيبة الحزب، وحرصها على التواصل المباشر والدائم، على هامش ملتقى بوزنيقة الذي عقد في شتنبر الماضي.

ما أنجز خلال حقبة وولاية المنصوري على رأس الحزب، الوزارة، والجماعة يمثل في الواقع، نموذجا لما يمكن أن يقدمه حزب الأصالة والمعاصرة لخدمة المشروع التنموي الوطني، وإسهاما مقدرا، بعيدا عن التجاذبات والشعبوية التي لا تقدم ولا تؤخر، بقدر ما تؤدي إلى هدر الزمن السياسي والتنموي.
وقد شكل إعداد ميثاق أخلاقيات الحزب، خطوة هامة على مستوى الارتقاء بالعمل النضالي، بعيدا عن الانزلاقات التي تسيء للأشخاص والمؤسسات، وتشكل عنصر تشويش على الحياة الحزبية الداخلية، وتؤدي إلى تنفير المواطن من العمل السياسي، وذلك من أجل فرض ثقافة سياسية تقطع مع كل الانحرافات التي صاحبت العمل السياسي في الحياة الحزبية الوطنية.
من موقعها على رأس حزب الأصالة والمعاصرة، نجحت المنصوري في إعطاء إشارات قوية، على حيوية الحزب وجديته، سواء من خلال جاذبيته على مستوى الاستقطاب، أو ديناميته على المستوى التنظيمي، والأهم من ذلك الحيوية الديمقراطية المتجسدة في تدوير المناصب، وإعطاء الأمل للمناضلين بتملك التنظيم الذي أحدث ثورة على مستوى انتخاب قيادته، وتشجيع المرأة، وتشبيب القيادة والقواعد، واستقطاب الشباب وتأطيرهم في إطار هيئات موازية لبعث الروح في تنظيم شبابي يتجاوز ما تحقق في النسخة الأولى من أجل ممارسة شبابية توازي التحولات المجتمعية، و باستحضار واع لتوجهات شباب مغرب الألفية الثالثة.

في ظل هذه المؤشرات، من حق فاطمة الزهراء المنصوري أن تتطلع لرئاسة الحكومة المقبلة، وتعزيز حضور الحزب في المشهد السياسي الوطني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.