النموذج التنموي المغربي وآفاقه المستقبلية

0 1٬129

بعيدا عن السفسطة والعدمية التي أصبحت لازمة لكثير من الردود والانتقادات للجنة النموذج التنموي، لا من حيث التشكيل ولا من حيث الكفاءات في علاقتها مع الموضوع، أو من حيث منهجية الاشتغال، لا أريد أن أدلي بدلوي في هذا الباب ولا حتى مناقشته، باعتباره موضوعا شكليا لا يمس الجوهر في شيء.

كفاعل في التنمية وخبير في المجال منذ أكثر من عشرين سنة في المغرب وفي بلدان أخرى، استبشرت خيرا بتعيين جلالة الملك لهذه اللجنة، وبتعيين كفاءة وطنية على رأسها مثل السيد شكيب بنموسى، ليست لدي أية مؤاخذات على كفاءة الرجل ولا على تكوينه العالي جدا، ولا على خبرته، فالرجل تقلد مواقع مسؤولية عديدة وأبان عن حنكته ووطنيته، كل هذا لن يغير من واقع الأمر شيئا فيما يخص منهجية وطريقة اشتغال اللجنة، والتي سيكون لها أثر كبير على نتائج العمل ومخرجاته والتي ينتظرها المغاربة بفارغ الصبر.

من الأكيد جدا أن تفحص الشخصيات المكونة للجنة كل على حدة، وبغض النظر عن المؤاخذات حول تمثيليتها لجميع مشارب المجتمع، يبين أن أعضاء اللجنة هم كفاءات وطنية من مستوى رفيع كل في تخصصه، لكن السؤال المطروح، هو: هل تجميع كفاءات من تخصصات ومجالات مختلفة، وحده كفيل بضمان إنتاج عمل للجنة سيكون في مستوى انتظارات المغرب واَفاقه المستقبلية؟ أعتقد أن الجواب يستلزم الاطلاع على طرق ومناهج اشتغال اللجنة، التي ستؤدي حتما إلى تصور معين، لكن مدى كون التصور يستجيب لتطلعات المغاربة في مستقبل أفضل هو شيء أخر.

من خلال تتبعي كمواطن غيور على بلده وكأحد العارفين بالميدان على الجلسات العديدة التي عقدتها اللجنة، بدا لي أن المنهجية المعتمدة، وقد أكون خاطئا، تنبني على تشريح الحالة الراهنة للقطاعات المختلفة، ومحاولة إيجاد حلول بديلة عبر آلية شجرة المشاكل والحلول، ولمن لا يعرف منهجية التشخيص هاته عليه البحث عنها في محركات البحث، ويتعلق الأمر بمنهجية متداولة منذ ستينيات القرن الماضي، استعملتها المنظمات الدولية، كالبنك الدولي والأمم المتحدة في مجالات عديدة، في محاولة للبحث عن حلول للمشاكل الراهنة بمنهجية تشاركية، هذه المنهجية أثبتت فشلها في حل المشاكل بل الأكثر من ذلك راكمت حلولا تحولت إلى مشاكل لازلنا نحاول حلها اليوم.

اقتراح نموذج تنموي، لا يمر بالضرورة عبر تحليل الوضع الراهن بمشاكله الكثيرة والمعقدة، وعبر اقتراح حلول وبدائل قد لا تصمد طويلا أما التغيرات المتسارعة للمحيط العام والمنظومة الدولية.

من كان يعتقد قبل عشر سنوات أنه بإمكان ساكنة أمية في أعالي جبال المغرب العميق، أن تتواصل بتقنيات السكايب والميسنجر والواتساب، وتتواصل بالعالم الافتراضي عبر الفايسبوك والتويتر والسناب شات والعديدة من وسائط التواصل الاجتماعي. إذا اعتمدنا تقنية تحليل الوضع بالمنهجية السالفة الذكر، كل ما كان سيطالب به مواطن بسيط في أعالي الجبال لن يتعدى الماء والكهرباء، وطريقا معبدا ومستوصفا ومدرسة. من كان قبل عشر سنوات يتخيل أنه في سنة ألفين وعشرين 2020 سنكون أمام وباء عالمي سيفرض تحولا نوعيا من أجل العيش والتطبيب والدراسة وتلبية الحاجات اليومية. أظن انه لا لا برنامج من البرامج القطاعية، ولا برامج الجماعات المحلية، استطاع توقع هذا الوضع إطلاقا، وإلا كنا اليوم في وضع مريح أمام هذا الوباء، وربما كنا في صدارة الدول المتقدمة.

لا أريد أن أعطي دروسا، لأحد، ولكن من موقعي كفاعل في التنمية المحلية، وكمواطن، أراني ملزما بالتعبير عن رأيي الذي لا يلزم أحدا… فالوضع لا يحتاج إلى تشخيص وطرح حلول ترقيعية، لأننا سنكون أمام تأبيد للوضع الراهن، ويوما ما سينفجر هذا الوضع ولن تكون لدينا إمكانيات للسيطرة عليه، ولا أحد في هذا البلد الآمن يريد ذلك.

مسألة النموذج التنموي، في نهاية المطاف، وبغض النظر عن المشاكل القطاعية، هي مسألة رؤية استشرافية، تنبني على تصورات واختيارات للمغرب المنشود، والبرامج المؤسساتية القطاعية، يجب أن تكون برامج نابعة من رؤية استراتيجية بعيدة المدى لبلد بأكمله، وغير ذلك سيكون مجرد تقارير بآلاف الصفحات ستوضع في رفوف ومجلدات ولن يقرأها أحد، وسنكون قد فوتنا فرصة تاريخية للسير قدما وتغيير السياسات العمومية من أجل وطن يتسع للجميع، يستطيع أن يستقطب الكفاءات، ويعتني بصحة وتكوين مواطنيه بدل تركهم يركبون قوارب الموت، ويحمدون الله على الوصول لضفة أخرى مهما كانت سيئة.

عبد العزيز الكروى
عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.