تجديد النخب السياسية وميثاق التعاقد السياسي بين الناخبين والمنتخبين

0 1٬208

ونحن نستقبل، كمواطنين ومواطنات، بكل أسف أخبارا من هنا وأخرى من هناك، تشير بعضها إلى أن شيئا ما على غير ما يرام، فأول ما نتذكره ويخطر ببالنا هو الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى شعبه الوفي، بمناسبة الذكرى الـ19 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، والذي أكد فيه جلالته مجموعة من الأمور التي يجب تنزيلها على أرض الواقع لتجاوز الصعاب وتصحيح الاختلالات ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بما يعزز الثقة والطمأنينة داخل المجتمع بل مكوناته.

لقد أكد جلالة الملك بشكل صريح أن قضايا المواطنين لا تقبل الانتظار، كما أنها لا تقبل أيضا التأجيل، وبأن الهيئات السياسية الجادة هي من تقف إلى جانب المواطنين في السراء والضراء، والمتتبع للخطب الملكية السامية يلاحظ أن جلالة الملك، دائما ما يربط نجاح المشاريع التنموية بالعامل البشري.

فهل التقطت الأحزاب السياسية الرسالة الموجهة لها من طرف عاهل البلاد، ومن ثم ستقدم للمواطنين والساكنة أحسن النخب السياسية المؤهلة لتدبير الشأن العام الوطني والمحلي؟ وهل سنرى، نحن المواطنون، وجوها جديدة في الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها خلال السنة الجارية؟

مما لا شك فيه أن تراجع مجموعة من الأحزاب السياسية عن القيام بدورها في تكوين وتأطير النخب القادرة على حمل مشعل تدبير وتسيير الشأن العام خصوصا الشباب والنساء منهم، زاد من تأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وخلق نوعا من الاحتقان في بعض المدن والمجالات الترابية (مدينة الفنيدق كمثال) وذلك راجع أساسا لعدم قدرة المنتخبين على ابتكار مشاريع جريئة وغير اعتيادية لحل المشاكل التي تعيق تأهيل مدنهم ومجالسهم الترابية وضعف قدرتهم على امتلاك رؤية متبصرة للتشخيص الدقيق لمشاكل وحداتهم الترابية وإيجاد حلول غير تقليدية لها.

إن تقصير بعض الأحزاب وليس جميعها طبعا في القيام بدورها في هذا الجانب، وتقديم مرشحين ذوي كفاءات عالية لتسيير الجهات ومجالس الأقاليم والجماعات وغيرها، جعل عاهل البلاد يصدر تعليماته السامية بضرورة وإلزامية استثمار الأحزاب السياسية في الكفاءات من خلال ربط الدعم العمومي المقدم للأحزاب بتحديث أساليب عملها والاستثمار في الكفاءات الحزبية وتشجيع التفكير والتحليل والابتكار، وهو ما سيجعل هذه الأحزاب مضطرة لتكوين نخبها وتجديد الأسماء التي تقدمها للمواطنين خلال الانتخابات المقبلة، حيث صادق المجلس الوزاري الأخير، الذي انعقد يوم الخميس 11 فبراير 2021، على مشروع قانون تنظيمي بتغيير القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية الرامي إلى تفعيل التعليمات الملكية السامية بخصوص الرفع من مبلغ الدعم العمومي الممنوح للأحزاب، قصد مواكبتها، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية.

كما حرص جلالة الملك على إعطاء المرأة الفرصة التي تستحقها من خلال التعديل الذي سيعرفه القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية والذي يهدف بالأساس إلى إقرار آلية لضمان التمثيلية النسوية فيها، عن طريق تخصيص ثلث المقاعد للنساء في كل مجلس عمالة أو إقليم، وكذا الرفع من عدد المقاعد المخصصة للنساء في المجالس الجماعية في أفق أن نصل في المستقبل القريب إلى تحقيق مبد المناصفة إنصافا لهن.

إن “النخب” التي دبرت الجماعات الترابية بمختلف أصنافها لسنوات، أو تلك التي تحملت مسؤوليات حكومية في أكثر من حكومة ومؤسسة عمومية، حان الوقت لأن ترجع للوراء، اختياريا أو إجباريا، خصوصا وأن المغاربة ينتظرون بشغف كبير تنزيل النموذج التنموي الجديد، بعد ان تعمد لجنة السيد شكيب بنموسى إلى تقديم لتقريرها النهائي بين يدي جلالة الملك خلال الأيام القليلة القادمة، وتمنح الفرصة لتداول وجوه جديدة على مناصب المسؤولية تكون لها الإمكانية والقدرة والكاريزما اللازمة من أجل تدشين مرحلة جديدة يكون فيها المغرب ضمن مصاف الدول المتقدمة، بهدف إرجاع الثقة للمواطن المغربي في مؤسساته وممثليه في المؤسسات المنتخبة.

إن المجتمع المغربي يمر بمرحلة جديدة فرضتها تحولات طارئة واستثنائية بسبب جائحة فيروس كورونا، شأنه شأن باقي دول العالم، ولأجل كل ذلك فقد حان الوقت لفسح المجال أمام جيل جديد من النخب السياسية التي تتمتع بإمكانيات فكرية وإبداعية تتماشى مع الأهداف المستقبلية التي يتم برمجتها والتخطيط لها، والتي تتضمن النموذج التنموي الجديد كجزء مهم منها.

رشيد الركراك: إطار متصرف بجماعة العرائش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.