جيل المونديال… حتى لا نخطئ الموعد

0 8٬248

مبارك بدري

يحتاج شباب المغرب اليوم للتقدير بشكل يتناسب مع حجمه، انطلاقا من سياسات عمومية منصفة، مباشرة وتتسم بالفعالية والنجاعة في مقاربة قضاياهم.

واقعة الهروب الكبير، التي كانت منطقة الشمال مسرحا لها، عندما قرر بعض شباب المغرب اليائس ركوب أمواج الموت، في اتجاه الضفة الأخرى، حيث الفردوس الأوربي المفترض، ليست عنا ببعيدة.

صحيح أن يقظة السلطات العمومية، والأجهزة الأمنية، أحبطت، ما يمكن أن يسيء لصورة المغرب، لو نجح ذلك الطوفان البشري في عبور المتوسط سباحة، مع تقدير حجم الخسائر البشرية المفترضة، في عملية من هذا النوع تنطوي على مخاطر كبيرة.

بين يقظة السلطات العمومية والأجهزة الأمنية، وبين تفاعل السلطات الحكومية، حلقة مفقودة، يتعين علينا أن نجتهد اليوم، لردم تلك الهوة، حتى لا يقع عبء عجز السياسات الحكومية، على الأجهزة الأمنية، التي يمكن بأي حال من الأحوال، أن تتحمل تبعات بقاء انتظارات الشباب في رفوق المؤسسات الحكومية، وخارج الأجندة الرسمية.

مغرب اليوم، يتحرك شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. لا يمر يوم دون أن يتم الإعلان عن مشاريع مختلفة ومتعددة من حيث طبيعتها، ومكان توطينها. صحيح أن التركيز يهم محاور بعينها، وأجد ذلك مبررا، باعتبار أن المغرب سيكون بعد أعوام محط اهتمام العالم، حيث سنستقبل ضيوفا، وترحل أعين الملايير إلى بلادنا بمناسبة احتضان نهائيات كأس العالم لسنة 2030 مناصفة مع اسبانيا والبرتغال.

لذلك إذا صح التعبير، فجيل المونديال، يجب أن يكون الرابح الأكبر، إذا نجحت السلطات الحكومية في استثمار هذا الحدث، لإعطاء الشباب المكانة التي يستحقها، وإذا ما نجحت في تحويل هذا الحدث إلى فرصة لإدماج الشباب في هذا الزخم الاقتصادي و الديناميكية التنموية التي يعرفها المغرب.

نقصد بجيل المونديال، أطفال المغرب ويافعيه، وشبابه ذكورا وإناثا، من جيل الثورة التكنولوجية، ممن يبلغون اليوم أعمار تتراوح بين الـ 16 و الـ30 سنة. هذه الشريحة هي عماد الوطن، ومستقبله، وحتما هذه الفئة، ستشكل ملامح مغرب سنة 2050 وما بعد ذلك.

هذه الشريحة العمرية التي أعتقد أنها ستمثل النواة الصلبة في الهرم السكاني في العقود المقبلة، من المفروض، أن تكون موضوع هندسة السياسات العمومية، بما يمكنها، من تبوء مركز القيادة في الحياة العامة في كل تجلياتها، اعتمادا على ما ستستفيد منه من تكوين تربوي وعلمي، وتأطير مجتمعي في شقيه المدني والسياسي، وتشبث بالهوية المغربية، وتفانيا في خدمة الوطن والصالح العام، لا يمكن أن تترك لحال سبيلها.

صحيح أن القطاعات الحكومية تعمل كل في حدود اختصاصاتها الذاتية، من أجل تنزيل عدة سياسات موجهة لعموم المغاربة، والفئة الأكثر شبابا على وجه التحديد، لكن إعمال مقاربة النجاعة، هو الكفيل بضمان التحاق جيل المونديال بالإقلاع الذي تعرفه المملكة. ما نعيشه اليوم من فورة ظاهرة في تحديث وعصرنة البنية التحتية، وصورة المغرب العامة التي نتطلع إلى تسويقها، والتي هي اليوم في طور التشكل النهائي، يجب أن يوازيه، انشغال رسمي بالصورة التي من المفترض أن يكون عليها شبابنا.

لقد نجحت التكنولوجيا، وعصر الهواتف الذكية، في تنميط الشباب المغربي، وإذا استمر ترك هؤلاء الشباب لهواتفهم، ونزوعاتهم الجامحة، سننتهي إلى خسارة مكون هام من بنية القاعدة المجتمعية، عندما نستيقظ جميعا ذات يوم، على شباب يعيش معنا، يقطن في مدننا، ويأكل طعامنا، ويدرس في مدارسنا، لكنه يستيقظ وينام على توقيت نيويورك ودبي ونيودلهي. وبتعبير أدق، فإن من تعذر عليهم الهجرة المادية بالانتقال جسدا من الجغرافية الوطنية، إلى ما وراء البحار، حيث جنة الفردوس الأوربية، سيفعل ذلك افتراضيا، وسيجتهد حتى يجد لنفسه ما يربطه بحياة ويوميات وطقوس عواصم أوربية و أمريكية ودولية.

وإذا كان بإمكان جيل اليوم، أو جيل المونديال، ان يتخطى الحواجز، ويكسر الحدود الواقعية، بانزياح افتراضي، فإن ذلك يشكل خسارة جهد وقوة إنتاج، ومع الوقت خسارة مواطن مغربي، يتحلل تدريجيا من كل أسباب الانتماء لهذا الوطن.

وإذا كان بإمكان الشباب الباحث عن عوالم أخرى افتراضية وفضاءات أرحب، أن ينتقل بين هذه العوالم بحثا عن الذات، وقد ينجح في الوصول إلى ما يطمح إليه، فإن الوطن لا يمكن أن يكسب افتراضيا ما خسره واقعيا، وهنا تبدو المفارقة بين خيارات الوطن وخيارات الأفراد.

جيل المونديال، يواجه اليوم اختبارا صعبا، تغلفه مؤشرات أزمات متقاطعة اقتصادية اجتماعية وثقافية، ويواجه في الآن ذاته، تحدي الانتماء، حيث تطرح المفاضلة بين التمسك بالعيش في الوطن والفخر بالانتساب إليه، أو مقايضة كل ذلك بفرص أحسن، وحياة أيسر، ورفاهية ممكنة التحقق في بيئة أخرى، وفي ظل شروط ومحددات مختلفة.

ما الذين يمكن فعله؟، حتى نستطيع شد الشباب المغربي، إلى ما تمثله هذه المرحلة من فرص، وما يمثله الجمع بين تحقيق الأحلام والطموحات، وبين الوفاء للوطن، وتقدير الانتماء، كقيمة غير قابلة للمقايضة، مهما بدت المغريات مذهلة.

بلغة رومانسية وحالمة، يمكن أن نطوق الشباب بما يمثله الوطن من فرص وما يمنحه من دفء وآمال، وبين توالي الانكسارات والخيبات، وتفاقم أزمات يدفع الشباب المندفع ثمنها أكثر من أي شريحة عمرية أخرى، من الضروري أن نقر بالواقع، لا إنكاره. شباب اليوم يتفاعل مع الأفعال لا الأقوال، و اكتسب مناعة المجرب كلما تعلق الأمر بالشعارات والوعود.

ينتظر شبابنا اليوم نتائج السياسات العمومي ويتطلع لتغيير واقعه، وتغيير كل شيء حوله. شباب المغرب يفكر بمنطق الشباب الكوني، النتائج قبل الشعارات. هناك هوية شبابية تتشكل وهي اليوم تطور نفسها، وتعبر عنها عندما تجد ذلك ضروريا، وتنجح غالبا في تمرير الرسائل عندما يقتضي الموقف ذلك. لن أقول يجب أن نستمع للشباب. المطلوب أن نعمل لهم ومن اجلهم ومعهم لبناء الثقة المفقودة، والانطلاق حيث الآفاق الرحبة حتى لا نخطئ الموعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.