ذكرى فضية بمواقف ذهبية
لم تكن الذكرى الفضية لاعتلاء العرش، مناسبة عادية، ولا يمكنها أن تكون كذلك، بالرغم من ابتعاد جلالة الملك، تواضعا وتأففا، عن بيان حصيلة حُكم مشرفة ومشرقة، وفي شتى المجالات، عبر اختيار “الماء” الموضوع الرئيسي لخطاب العرش، بما يعنيه من اهتمام بالغ بالإشكالات المرتبطة به، ووضعها في أولوية الأولويات، في منطق للاستمرار في البناء والتشييد، أما بيان الحصيلة فقد سارت بذكرها الركبان…ويشهد بها الأعداء…والحق والفضل ما شهدت به الأعداء…
رمزية الذكرى…لا بد من شيئ كبير يبصمها، يؤرخها، يعطيها تميزا قياسا باحتفالات سابقة…فاختار جلالته، بحلمه وعطفه، وأريحيته…أن ينهي تفاصيل ملف، عات فيه القوم، والقوم هنا قد يكونوا أهل الدار أيضا، استغلالا وتوظيفا، بسياسوية مقيتة، وبحث عن موقع متوهم، ومجد بلا بطولة…عبر تزوير الحقائق والركوب على معاناة إنسانية…فقرر جلالته، أن يضع حدا لعقوبة حبسية أو سجنية لصحفيين ومدونيين…توبعوا بجرائم “الحق العام”، وليس لرأي أبدوه أو موقف تبنوه. فرحب الجميع، في الداخل والخارج، بشجاعة الموقف، وإنسانية دوافعه، وشرف الرسالة التي يحملها…قد يوقفني سائل، وماذا عن ردود البعض التبخيسية، التي نسبت الفضل لها، ورأت الكأس نصفه الفارغ؟ فأجيب، ومتى كان لهؤلاء موقف إيجابي من أي مسألة أو مبادرة اتخذتها الدولة، إنهم يصطفون معارضين لها قبل أن تبدي رأيها، ويناصرون الأعداء، دون حجة…مجرد نكاية في الوطن…والوطن منهم براء…فمن وصلت به خساسة تقديم الورود لخصم في كرة القدم، لا تنتظر منه شيئا…أَبمثل هذا السَفَه والجبن، تبنى “الوطنية” وتؤسس “المعارضة”…
أبواق الخارج، أُخرست لهول المفاجأة، رفعت التحدي عاليا، حين شككت في إمكانية حلحلة الملف، أو إيجاد “صيغة مشرفة”، تنهي استغلاله وتوظيفه…أحدهم دون أنه سيعلق على الموضوع، عشية صدور “النبأ العظيم”، لكن لسانه، أخرسه الحق، وأيام مرت على ذلك، دون أن “نسمع له ركزا”…أما الأخرون، فاختاروا “سياسة الهروب إلى الأمام”، متسائلين ماذا عن “معتقلي أحداث الحسيمة”، وماذا عن “ملف محمد زيان”؟ سؤال مشروع، ولكن، يقتضي ذلك قبلا، أن يتم الترحيب بالمبادرة، حتى يعطى انطباع بفهمها واستيعابها، أما إذا كان الاعتقاد، والترويج بأن “الضغط” هو الذي ولد حلا، فما عليهم إلا أن يعيدوا المراهنة عليه…رجاء، نصيحة من غيورة، اتركوا الحكمة والعقل والتعقل، لكي تتمم مهامها التاريخية، وأبعدوا عنها التشويش والتحريض والتلبيس…مع وعينا أن لا مصلحة لكم في إغلاق الموضوع، لأنه “أصل تجاري”، وعوائده لا تُعد ولا تحصى…
لم يجف الحبر الذي حرر به بلاغ وزارة العدل، المبشر “بالنبأ العظيم”، حتى تُليت على مسامعنا رسالة الرئيس ماكرون…يعلن فيها عن عودة فرنسا إلى جادة الحق، وإلى حكم التاريخ، وإلى واقع الجغرافيا…أخذت فرنسا وقتا طويلا، تابعت تغيرات الموقف الكبيرة من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا…ترددت في التخلي عن مقاطعتها القديمة، عن امتدادها ما وراء البحر…لكنها فعلت ذلك أخيرا، وتكفيرا لها، وهي العارفة والصانعة لجزء كبير من تفاصيل الملف، أخذت على عاتقها، العمل والتصرف، وفق هذا الموقف الجديد، في المحافل الدولية…صدمة كبيرة في “الجوار”…ذات الأجوبة…تنديد، سحب للسفير، والاستمرار في معاكسة الوحدة الترابية للمملكة، وبناء الفضاء المغاربي…لكن الطوق يزداد، ودائرة الحق والاعتراف تتسع، والسيادة على الأرض أصبحا مكسبا بعد أن أزيلت غشاوة الدعاية المغرضة وتأثير المال الفاسد…
ذكرى فضية، يُرصعها موقفين ذهبيين، يزيدان من لحمة الوطن، ويدعمان سيادته، ويقويان جبهته الداخلية لمواجهة كل التحديات، سُحب البساط، من صيادي الفرص…والتحق بنادي المعترفين بالسيادة، فاعل من حجم كبير، عضو بمجلس الأمن، عارف بقضايا شمال افريقيا، كما جاء في الرسالة الملكية…كل هذا حدث في صيف، استعدادا لدخول سياسي جديد…لمغرب يتطلع نحو الأفضل…لمغرب ينظر إليه العالم قاطبة…وينتظر منه ومن ملكه الهمام الشيء الكثير…عيد عرش مجيد جلالة الملك، وكل عام وأنتم بألف خير…
د. حنان أتركين
عضو مجلس النواب