عودة ترامب والمغرب… شراكة استراتيجية وآفاق جديدة

0 21٬302

يعد فوز دونالد ترامب بولاية جديدة كرئيس للولايات المتحدة حدثًا دوليًا مؤثرًا يعيد تشكيل الكثير من التوازنات العالمية، ويترك بصمته على السياسة الدولية. فهو الرئيس الوحيد الذي بتغريدة على تويتر يمكن أن يتسبب بانهيار عملة دولة أو يسقط أقوى شركة ناشئة في العالم بتصريح واحد، ويغير موازين القوى والخريطة الجيوسياسية لمنطقة بموقف واحد. إن شعار حملته الانتخابية “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” هو تعبير دقيق عن مرحلته، مما ينعكس إيجابيًا على أصدقاء أمريكا ويثير قلق مناهضيها ممن يروجون لخطابات المعسكرات المتهاوية. عودة ترامب تجدد فرص التعاون في العلاقات الثنائية والشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وتمنح زخمًا للعلاقات التاريخية بين البلدين، وتفتح المجال للوصول إلى معالجة نهائية لملفات هامة مثل قضية الصحراء، وتعزيز التعاون الأمني، وتوسيع الشراكة الاقتصادية.

فالمغرب يعتبر حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في شمال إفريقيا، خاصة في ظل قيادة الملك محمد السادس، حيث أظهرت سياسته الحكيمة رؤية متبصرة واستباقية جعلت من المغرب دولة منفتحة ووجهة استثمارية وشريكًا موثوقًا على الصعيد الإقليمي. ومع عودة ترامب، تتجدد الآمال في تعزيز التعاون في ملفات استراتيجية ودعم المصالح المشتركة.
في هذا المقال، نستعرض تأثيرات فوز ترامب على العلاقات المغربية الأمريكية في عهد الملك محمد السادس، مع التركيز على التعاون الأمني، الاقتصادي، والدبلوماسي في ظل التحولات الإقليمية والدولية.

العلاقات المغربية الأمريكية: تاريخ عريق وشراكة متينة

بدأت العلاقات المغربية الأمريكية منذ القرن الثامن عشر، حين أن المغرب أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة عام 1777، مما أسس لعلاقة دبلوماسية قوية ومتينة امتدت لأكثر من قرنين. تطورت هذه الشراكة عبر الزمن لتشمل مجالات حيوية كالأمن، الاقتصاد، والسياسة، ضمن إطار من الثقة المتبادلة والرؤية المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمي.

ولا تقتصر هذه الروابط على الجانب الرسمي فحسب، إذ تبرز شواهد تاريخية وحضارية تُظهر الصلات العميقة بين البلدين، ومنها المستكشف المغربي الأزموري، الذي أسهم في اكتشاف الغرب الأمريكي في القرن السادس عشر، وأيضًا بعض الأبحاث التي تناولت احتمال وجود آثار للملك الأمازيغي يوبا الثاني في الأمريكتين، مما يعزز فرضية التواصل الثقافي والحضاري عبر الأطلسي.

كما أن للرئيس دونالد ترامب بعدًا شخصيًا تمثّل في لقاء الملك الحسن الثاني قبل عقود، بصفته من رجال الأعمال البارزين، وهذا يعكس الاهتمام الأمريكي الكبير بالمغرب ويبرز مكانته كوجهة جذب لمستثمرين ورواد أعمال أمريكيين.
في عهد الملك محمد السادس، تميزت الشراكة بين البلدين بعمق أكبر بفضل الإصلاحات المتقدمة التي انتهجها المغرب، حيث تحول إلى نموذج للاستقرار والازدهار في المنطقة. وقد توطدت هذه الشراكة عبر اتفاقيات استراتيجية، أبرزها اتفاقية التجارة الحرة لعام 2006، التي لعبت دورًا رئيسيًا في تعزيز التبادل الاقتصادي، إذ فتحت الباب واسعًا للتجارة والاستثمار في قطاعات رئيسية مثل الطاقة والبنية التحتية.

إضافة إلى التعاون العسكري المتميز باستفادة المغرب من أسلحة إستراتيجية بشكل حصري، كما يظهر في مناورات “الأسد الإفريقي” السنوية، التي تُعد من أكبر التدريبات العسكرية في إفريقيا.

يعد المغرب اليوم شريكًا موثوقًا للولايات المتحدة في نشر قيم السلام ومكافحة التطرف والإرهاب، إذ يبرز كنموذج فريد في المنطقة والشرق الأوسط الكبير. تجمعه مع الولايات المتحدة رؤية مشتركة لترسيخ الأمن ودعم التنمية، مما يجعل هذه العلاقة مثالًا للتعاون المستمر والمتجدد.

الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء

في ديسمبر 2020، ومع اقتراب نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب، اتخذ قرارًا جريئًا بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية. كان هذا الاعتراف التاريخي، الذي صدر في الأيام الأخيرة من رئاسته، خطوة جريئة وغير مسبوقة تعكس شجاعة سياسية واضحة ورؤية استراتيجية لدعم حليف أساسي للولايات المتحدة. ورغم صدور القرار في توقيت حساس، إلا أن الولايات المتحدة مدركة لأبعاده وآثاره الإيجابية في تعزيز استقرار المنطقة فقد اكدت الإدارة الأمريكية اللاحقة هذا الإعتراف، وبهذا تم ترسيخ مكانة المغرب كلاعب مهم وشريك موثوق لها.

فتح هذا الاعتراف الباب لتعزيز الموقف المغربي عالميًا، حيث شهدت الساحة الدولية تفاعلاً واسعًا مع هذا القرار، إذ شجع العديد من الدول على إعادة تقييم مواقفها تجاه قضية الصحراء المغربية. وكان تأثير القرار الأمريكي بمثابة كرة الثلج التي دفعت القوى العالمية لمراجعة سياساتها تجاه هذه القضية. ومن بين أبرز تلك المواقف، إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا دعمه العلني لسيادة المغرب، وهو تحول ملحوظ في السياسة الأوروبية يعكس قوة المغرب الدبلوماسية المتزايدة. ورغم أن فرنسا كانت من بين الدول التي تحافظ على موقف إيجابي تجاه المغرب بحكم العلاقات التاريخية، إلا أن هذا الدعم العلني أضاف وزناً إقليمياً ودولياً مهماً لصالح المغرب.

كما أتاح الاعتراف الأمريكي للمغرب غطاءً دبلوماسيًا قوياً لتوسيع نطاق تحالفاته وتعزيز شراكاته الاقتصادية. فمثلا حينما قررت الجزائر وقف الغاز عن المغرب، فقد كان موقف إسبانيا كمثال على هذا التغير في السياسات، إذ تحدت مدريد التهديدات الجزائرية بقطع الغاز عنها إن قامت بإمداد المغرب به، وقررت تزويده بالغاز بدعم أمريكي، مما يظهر مدى الالتزام الأوروبي بدعم استقرار المغرب وتأييده في قضاياه الاستراتيجية.

المغرب في مرحلة ترامب المقبلة

مع عودة ترامب إلى الرئاسة، يتطلع المغرب إلى استكمال هذا الزخم الدبلوماسي والاقتصادي، إذ أن عودته قد تحمل معها آفاقًا جديدة لدعم أكثر صراحة لقضية الصحراء. ويأمل المغرب في تفعيل التزامات أمريكية إضافية تعزز من الاعترافات الدولية وتوسيع دائرة الدعم للموقف المغربي، والعمل على طي هذا الملف بصفة نهائية، مما يفتح المجال لفرص أكبر للتنمية الاقتصادية والاستثمارات في الأقاليم الجنوبية، ما يعزز الاستقرار في المنطقة ويوفر بيئة مواتية لتحقيق مزيد من التعاون السياسي والاقتصادي.

وتتجدد الآمال في أن يستفيد المغرب من كونه الشريك الأبرز للولايات المتحدة في القارة الإفريقية، حيث يرى الحزب الجمهوري وترامب في تحالفاتهما بُعدًا جيواستراتيجيًا وإيديولوجيًا. ويُعد المغرب، بحكم استقراره السياسي ودوره الفاعل في شمال إفريقيا، الدولة الأكثر تأهيلاً للاستفادة من هذه السياسة، ليصبح له موقع حيوي ومؤثر في رسم المشهد الجديد لإفريقيا والمتوسط، فمكانة المغرب الجغرافية، في مفترق طرق بين إفريقيا وأوروبا، عامل جذب رئيسي للولايات المتحدة، خاصة في ظل التحديات الإقليمية التي تتطلب شراكات قوية ومرنة. وبفضل هذا الموقع، يمكن للمغرب أن يلعب دورًا محوريًا كمنصة استراتيجية للتعاون الأمريكي في المنطقة، ليس فقط على الصعيد الأمني بل أيضًا الاقتصادي. وولن المنتظر أن تدعم إدارة ترامب الجديدة هذا التوجه.

تزداد أهمية هذا التعاون في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في إفريقيا والشرق الأوسط. بفضل علاقاته القوية مع الولايات المتحدة والداعمين له داخل الإدارة الأمريكية، في مواجهة النفوذ المتزايد لقوى منافسة في المنطقة، من خلال شراكات اقتصادية وتجارية تتيح له أن يكون بوابة استثمارية مهمة نحو القارة الإفريقية. كما أن هذه العلاقة قد تتطور لتشمل دعم مشاريع استثمارية أمريكية في المغرب، مما يعزز من موقع المملكة كحليف اقتصادي وثيق وصديق استراتيجي للولايات المتحدة.

في هذا الإطار، يُرتقب أن تلعب اللوبيات الداعمة للمغرب دورًا فعالًا في صياغة القرارات والسياسات التي تدعم استقراره وتقدمه الاقتصادي، خاصة في الأقاليم الجنوبية. فعودة ترامب قد تؤدي إلى دعم مشاريع استثمارية حيوية، وتوفير فرص اقتصادية أوسع للمغرب، سواء عبر تطوير البنية التحتية أو تعزيز قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة والصناعة.

وبذلك، تُعد عودة ترامب إلى الرئاسة فرصة تاريخية لتعزيز مكتسبات المغرب الاستراتيجية ودعم مكانته كحليف رئيسي للولايات المتحدة في إفريقيا والمتوسط. ومن خلال استثمار هذا التعاون الوثيق، يستطيع المغرب ترسيخ دوره كقوة إقليمية مؤثرة وشريك موثوق، مما يمهد الطريق لبناء مستقبل مزدهر ومستقر للمنطقة، ويعزز من قدرة المملكة على مواكبة التحولات العالمية بكل مرونة وقوة.

وبفضل هذا التأثير السياسي، سيستمر المغرب في تعزيز استقلاليته ومرونته الدبلوماسية، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من معادلة الاستقرار الإقليمي. من هنا، تبدو مرحلة ترامب المقبلة واعدة للمغرب، الذي سيعزز من مكانته كقوة إقليمية تتمتع بوزن استراتيجي واقتصادي، وقادرة على قيادة التعاون الإقليمي بما يتماشى مع رؤية الولايات المتحدة لحلفائها الرئيسيين في المنطقة.

رشيد بوهدوز
عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.