في الحاجة لبناء المواطن

0 1٬373

رشيد الركراك

إن استقرار المجتمع وسعيه نحو التطور الإيجابي والتقدم، لن يتأتى إلا من خلال بناء المواطن المغربي وبناء شخصيته بناء مدروسا بشكل دقيق لا مجال فيه لأي هفوة أو خطأ، ومن هذا المنطلق ينبغي التأكيد على أن بناء المواطن الصالح لن يتأتى إلا من خلال إيماننا القوي بأن الوطن هو نحن، وبأننا نحن جميعا من نشكل النواة الحقيقية لهذا الوطن.

ولعل هذا البناء، أي بناء المواطن وبناء الإنسان، هو بناء أصعب بكثير من بناء الاقتصاد وبناء العمران، وبناء كل المشاريع الكبرى، وهو البناء الذي تتحمل مســـؤوليته كل الجهات الرسمية وغير الرسمية أيضا، أي الحكومة أساسا ثم الأسرة والجمعيات والأحزاب والنقابات كذلك، فالوطن يســـتحق البـــذل والعـــطـــاء والتضحية من طرف الجميع بلا تـوقف، قصد تحقيق الرقي الشامل والإقلاع الكامل.

لقد استطاع المغرب، منذ فجر الاستقلال، أن يفتح العديد من أوراش الإصلاح، وأن يضع العديد من الخطط الاستراتيجية التي أهلته إلى كسب وضع متقدم جدا ضمن مصاف الدول السائرة في طريق النمو، لكنه ظل يعرف مجموعة من الإكراهات التي حالت دون تحويل المجهودات المبذولة إلى فرص حقيقة للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، فمعدل البطالة بالمغرب حسب الدراسة التي أعلنت عنها مؤخرا المندوبية السامية للتخطيط، ارتفع خلال الفصل الثاني من سنة 2020، بـ 4,2 نقطة، منتقلا من 8.1 في المائة إلى 12.3 في المائة.
أما نسبة معدل النمو الاقتصادي، فقد تراجع إلى أكثر من 2,7 في المائة حسب تقرير البنك الدولي؛ في حين أن عجز الميزانية قد يصل إلى أكثر من 4 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي حسب توقعات بنك المغرب. هذا دون أن ندخل في التفاصيل الأخرى لمعدل الهشاشة والأمية والهدر المدرسي وتوفير العلاج الصحي…إلخ؛ فهل يعي المواطن المغربي أين نسير؟ وهل يدرك هذا المواطن ما الذي ينتظرنا في السنوات المقبلة؟

مناسبة الحديث عن ضرورة بناء المواطن، هو ما وقع مؤخرا من أحداث شغب ليلة عاشوراء بمدينة الرباط وببعض أحياء المدن الصغيرة، بسبب سلوكات متهورة لبعض الشباب الذين عمدوا إلى إشعال النيران في العجلات المطاطية وسط الأزقة والشارع، وشرعوا في تفجير مفرقعات نارية سببت في فوضى هائلة ونتجت عنها أضرارا مهمة للأملاك العامة والخاصة.
كما أن الدافع إلى الحديث عن إلزامية تجندنا جميعا لبناء المواطن هو الخطاب الأخير لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب، حيث نبه جلالته المواطنين إلى ضرورة التحلي بسلوك المواطنة الحقة، وأعرب بوضوح عن تخوفه من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، وكذا الرجوع إلى الحجر الصحي الشامل، بآثاره النفسية والاجتماعية والاقتصادية، إذ أكد جلالته، بنبرة الحريص على المصلحة الفضلى لشعبه الوفي خاصة بعدما لاحظ تدهورا كبيرا للوضع الصحي بالمغرب وارتفاعا غير مسبوق لمؤشر عدد الإصابات بالوباء نتيجة للامبالاة المواطنين رغم المجهودات الجبارة التي قامت بها الدولة، (أكد) “بأنه بدون سلوك وطني مثالي ومسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، ولا رفع تحدي محاربة هذا الوباء “.

إن بناء المواطن المغربي هي مسؤولية الجميع، فالأحزاب السياسية، التي يقع عليها جزء هام من هذه المسؤولية، عليها أن تعود من جديد للدور الريادي الذي كانت تقوم به قبل سنوات وتخلت عنه الآن لأسباب لا يعرفها أحد، وعليها أن تقدم للدولة مقترحات قابلة للتنزيل بشأن تكوين الإنسان المغربي، ونفس الشيء بالنسبة للمجتمع المدني خصوصا الجمعيات التي تحصل على دعم مالي من مؤسسات الدولة والجماعات الترابية، حيث على هذه الأخيرة أن تساهم بصدق في التنمية البشرية لاسيما على مستوى بناء مهارات الأشخاص على صعيد التنشئة والتربية والأخلاق، وبناء أجيال محبة ومقدرة لأهمية الفن والجمال بشتى تلاوينهما، ونابذة للعنف بمختلف أشكاله.

لا أحد يستطيع أن ينكر المنهج الحكيم الذي يتبعه جلالة الملك لبناء دولة عصرية قوية، هذا المنهج الذي يجعل المغرب مثالا يحتذى به على الصعيدين الإقليمي والقاري في منطقة تعرف العديد من الاضطرابات، وهي ميزة قوية يتفرد بها وطننا العزيز دون غيره، ميزة تجعل المملكة المغربية بحق رائدة في القارة السمراء. لكن يجب التنبيه إلى أن كل هذا المجهود سيصطدم بمجموعة من العقبات وسيذهب أدراج الرياح في غياب تنشئة المواطن على الاتصاف بالوعي والمسؤولية والمواطنة الحقيقية؛ وبالتالي ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى اضطلاع الجميع بمهامه ومسؤولياته في تأطير وبناء المواطن الفاعل والمساهم في رقي وتطور وطنه.

رشيد الركراك

مقرر الأمانة المحلية للحزب بالعرائش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.