كورونـا..إعـلان رسمـي عن فشـل الفاعــل الترابــي
حليم صلاح الدين *
هذا المقال هو بمثابة فاتحة لتحليل معمق لدور الفاعل الترابي ومبادراته في ظل أزمة فيروس كورونا ”كوفيد 19” بالمغرب.
لقد رسم الدستور المغربي 2011 للتنظيم الترابي اللامركزي القائم على الجهوية المتقدمة كأحد مرتكزات الدمقرطة و التحديث ببلادنا، وهو ما يظهر جليا بالباب التاسع من وثيقتنا الدستورية التي أفردت اثني عشر فصلا للجهات و الجماعات الترابية الأخرى بما يمكن هذه الوحدات الترابية من الاضطلاع بأدوار طلائعية في إعداد سياسات القرب و تنفيذها انطلاقا من السلطات التنظيمية التي تؤهلها ممارسة صلاحياتها بناء على قوانينها التنظيمية 111.14 – 112.14 – 113.12 وإذا كانت تعاقدات المغاربة الكبرى قد أهلت هذه المؤسسات الترابية بناء على مبدأي التفريغ و التدبير الحر صلاحيات واسعة وغير مسبوقة سواء لممارسة اختصاصات قانونية منبثقة من قوانين تنظيمية تعتبر بمثابة نصوص تفسيرية لمضامين فصول الدستور حسب قاعدة تراتبية القوانين أو لممارسة اجتهادات واسعة ومبتكرة لتدبير الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين في ظل جميع الظروف الطارئة مالم تتخذ السلطات الرسمية ببلادنا قرارات تحد من أدوار الفاعل الترابي.
لقد شكلت أزمة كورونا “كوفيد 19” أول امتحان حقيقي لورش الجهوية المتقدمة، مباشرة بعد الإجماع الوطني على مخرجات المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة المنعقدة بمدينة أكادير ولأن المناسبة شرط لجرد دينامية الفاعل الترابي في المبادرة لتفعيل المهام الجسيمة المنوطة به بعد مرور شهر كامل على إصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و اجراءات الإعلان عنها وكذا مرسوم رقم 2.20.293 يهم إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني ثم تمديده الى حدود 20 ماي 2020 وفق مرسوم رقم 2.20.330 وفي ضوء التذكير بالخيار الرسمي للدولة الرامي إلى نقل مشروعية تدبير الشأن المحلي من مجرد اختصاصات تخلت عليها “السلطات الحكومية المركزية ” لفائدة الجهة أو الجماعة أو العمالة والاقليم إلى الاعتراف الدستوري باصطلاح التراب حين وصف الجماعات بالترابية كمؤسسات تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المادي، إذ داك يكون القرار النابع من التراب متمتعا بمشروعية الوجود داخل حيز النفوذ ليعلن عن أحقية الفاعل الترابي في الفعل و المبادرة المحليتين تحت الرقابة الإدارية.
لقد أثار منشور وزير الداخلية الأخير القاضي بإلغاء دورات مجالس الجماعات لشهر ماي المقبل وهو ما يسري بالتبع على مجالس المقاطعات المنضوية تحت لواءها والذي تلا إعلان هذه السلطة الحكومية تمكين رؤساء المجالس الترابية وفق الدورية عدد F/1248 من ادخال تعديلات على ميزانيات الجماعات التي يرأسونها دون مداولة أو تصويت من قبل أعضاء مجالسهم استجابة لحالة الاستعجال القصوى لمواجهة تفشي فيروس كورونا بالبلد – أثار – مجموعة من الأسئلة المرتبطة بمدى قانونية هذه الدورية اعتبارا لتنصيص القوانين التظيمية لهذه المجالس على اعتبار الميزانية من المواضيع التي تتخذ مقرراتها في دورة عادية أو استثنائية إن اقتضى الحال بالأغلبية المطلقة للأعضاء المزاولين لمهامهم تشديدا للأصل الذي هو الأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها وإذ داك يحق لنا أن نتسائل عن إمكانية تعطيل العمل بقانون تنظيمي يعتبر وفق مبدأ تراتبية القوانين مفسرا للنص الدستوري بمنشور؟ وهل يمكن لمرسوم بقانون أن يعطل إعمال دورات مجالس الجماعات والتي حدد قانون تنظيمي عددها وزمن انعقادها على سبيل الحصر في أشهر فبراير وماي و أكتوبر؟
إن التفاعل مع هذه الاشكالات الواقعية و القانونية يحيلنا على البحث في سياق إصدارها وتقعيدها نافذة على أرض الواقع، وفي هذا الشأن يجدر بنا أن نلفت الانتباه إلى الملاحظات الدالة التالية:
على مستوى إلغاء دورات الجماعات الترابية
يتابع كل متتبع للشأن العمومي الوطني في هذه الفترة الاستثنائية عقد مجموعة من المؤسسات الدستورية لإجتماعات رسمية لها حجيتها القانونية و من ذلك الانعقاد الدائم للمجالس الحكومية عن بعد على الرغم من سكوت المرسوم المنظم لأشغال المجلس الحكومي عن هذه الطريقة المستجدة، اعتبارا إلى أن كل النصوص القانونية الصادرة في هذه الفترة تمت المصادقة الحكومية عليها بتقنيات التواصل عن بعد وعلى هذه الشاكلة عقد البرلمان المغربي بغرفتيه حين اجتماع اللجان الدائمة بكل من مجلس النواب والمستشارين سواء إبان فترة العطلة البرلمانية او مباشرة بعد الدخول النيابي وفق نفس الطرق والتقنيات الحديثة لتمكين النواب من ممارسة حقوقهم الرقابية على أشغال العمل الحكومي، أما ما يثير ضرورة الاستفهام هو إحالة الحكومة لمشروع قانون رقم 20.27 على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب يهم سن أحكام خاصة تتعلق بسير أشغال أجهزة إدارة شركات المساهمة وكيفية انعقاد جمعياتها العامة خلال سريان حالة الطوارئ بحيث تنص المادة الأولى منه على تمكين المجالس الإدارية لشركات المساهمة عقد مجالسها الإدارية عبر وسائل الاتصال بالصوت والصورة وأي وسيلة مماثلة وتنص المادة الثالثة منه على تمكين هذه الشركات من عقد جمعياتها العامة العادية أو الاستثنائية بنفس الوسائل التقنية المذكورة، ومعلوم أن الجمعيات العامة لشركات المساهمة يتجاوز الحضور بها مئات الأشخاص الذاتيين والاعتباريين.
تضعنا هذه الأمثلة الواقعية أمام مستوى أخر من تحليل منشور وزارة الداخلية التي كانت قادرة بكل يسر وسهولة على إحداث مكن وشروط مماثلة لتمكين الفاعل الترابي من الاضطلاع بالمهام التنموية الملقاة على عاتقه، غير أن الواقع لا يرتفع عليه فبالرجوع لتقرير رسمي لهذه الوزارة وهو المنجز من قبل المديرية العامة للجماعات الترابية تحت عنوان “اللامركزية في أرقام” نجد أنفسنا أمام فئة تفيد الأرقام الرسمية بإلزامية التحفظ وعدم انتظار الشيء الكثير من قبلها فمن مجموع 30663 مستشارة ومستشار بمجالس الجماعات لا يتوفر 4739 مستشار بما فيهم رؤساء جماعات منتخبة على أي مستوى تعليمي إذ لم يسبق لهم الولوج إلى المدرسة، ويتوفر 8792 مستشار على شهادة ابتدائية إذ بالكاد يفك شفرات القراءة أو الكتابة وهو ما معناه أن 13551 مستشارة ومستشار أي ما يناهز 43 بالمائة من المنتخبين المحليين على مستوى الجماعات لازالوا يعيشون في مغرب ما قبل الاستقلال بما يحول دون استدماج تقنيات التواصل الحديثة لعقد دورات مجالسهم الترابية فما بالنا بتحقيق أي إقلاع تنموي وفي المقابل يساءل المنافذ التي يمرون عبرها للوصول إلى مناصب تدبير الشأن العام المحلي.
في ما يهم الدورية عدد F/1248 الرامية إلى إدخال تعديلات على ميزانيات الجماعات الترابية
أصدر السيد وزير الداخلية دوريته عدد F/1248 يومه الأربعاء 25 مارس 2020 أي مباشرة بعد صدور مرسوم حالة الطوارئ الصحية يومه 23 مارس 2020 أي بعد مرور أزيد من 23 يوما على تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا بالمغرب يومه 02 مارس 2020 إذ ظلت مجالس الجماعات الترابية في حالة ذهول وهو ما تم تسجيله بانعدام مبادرات هذه الجماعات الترابية بمختلف جهات المملكة الى حدود إعلان توجه السلطة المركزية، وإذا كان من رسالة يجدر بنا إلتقاطها فإن مشروع اللامركزية ببلادنا لازال إلى حدود اليوم عصيا على التطبيق الفعلي كما سبق تأكيده من قبل HCP إذ نحتاج إلى 24 سنة للتفعيل الكامل لورش الجهوية المتقدمة، وإذا كان ورش وطني كبير أنيط به إعادة صياغة نسق وبنية الدولة يعمل بنسيج من الفاعلين الترابيين غير القادرين على إعمال اختصاصات ذاتية لقوانين تنظمهم سواء بعلة ضعف الكفاءة أو التشبث بالحياد السلبي إلى أن تصدر قرارات المركز، فهل يستحق ورش الجهوية المتقدمة كل الهالة التي اكتسبها من أجل إضعاف الفوارق وبناء الدولة الحديثة العصرية.
لنقول ختاما، هل نحن في حاجة لنموذج تنموي جديد أم أننا في حاجة لإعادة النظر في تعاقداتنا الكبرى بدستور 2011 ولاسيما نظامنا الانتخابي وقرارات المحكمة الدستورية اتجاه الأمية داخل الهيئات والمؤسسات المنتخبة التي حالة دون حكامة/نجاعة المنتوج التشريعي والمؤسساتي إننا في غنا عن برامج وطنية لمحاربة أمية المنتخب؟
* باحث في السياسات العمومية