كيف يمكن للاقتصاد الوطني مواجهة أي إنكماش اقتصادي محتمل بعد كورونا؟

0 888

أنيس إبن القاضي

أتابع من منزلي ما يجري في العالم، وعداد الوفيات بكورونا يرتفع، ويرتفع معه منسوب الخوف من المستقبل، و”المجهول” الذي ينتظر العالم ما بعد كورونا اقتصاديا، ومعه المغرب وصار معه التفكير الاستباقي لما بعد الجائحة في المغرب ضرورة حتمية بل وضرورة بقاء.

الحفاظ على الوظائف ومحاربة الاحتكار والسوق السوداء، أعتقد أنها هي أولى أوليات الحكومة لتدبيرها لمرحلة ما بعد كورونا، خاصة مع توقعات المندوبية السامية للتخطيط التي تتنبأ بتراجع الطلب الخارجي الموجه للمغرب بنسبة 6 في المئة خلال الفصل الثاني من 2020.

من المنتظر أن ترخي الأزمة بظلالها على الشركات الأجنبية الكبرى التي لها فروع بالمغرب، التي أصبحت مراكزها الرئيسية في أوروبا تفكر بتخفيف العبئ عنها بتقليص الموارد البشرية، ما يهدد بالبطالة في قطاعات مختلفة.

أمام هذه الصعوبات التي يمكن أن تواجها الشركات الكبرى، ستكون هذه الشركات الخاسرة مضطرة لبيعها بأزهد الأسعار لإنقاذها، وبالتالي ستكون في مواجهة مشترين من منافسين في السوق همهم السيطرة على السوق وفرض قوانينهم وابتلاع هذه الشركات الخاسرة، ونخص بالذكر هنا لا للحصر قطاعات: (السيارات، المحروقات، الصيدلة، قطع الغيار..).

هنالك أيضا صناديق سيادية خارجية بدورها تبحث عن “الهمزة” واستثمار عملتها الصعبة المجمدة وتريد شراء أي شيء.
يمكن لهؤلاء المشترين الجدد أن يعيدوا هيكلة الشركات الخاسرة ويسرحوا ألاف العمال والأطر من أجل تخفيض التكلفة، وبدعوى تخفيض خط الإنتاج.

ليس أمام حكومة السيد سعد الدين العثماني سوى التدخل للحد من تداعيات هذه الأزمة المرتقبة، من خلال أن تكون الدولة هي المشتري رقم 1 لمئة في المئة من هذه الشركات في إطار شراكة مابين الدولة والقطاع الخاص، لاسيما أن هذه الشركات الكبرى حصلت على امتيازات ضريبية وأراضي شاسعة بسعر أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه زهيد.

يمكن أيضا للدولة أن تعطي لنفسها هذه الأولوية من خلال تعديل قانوني يتمثل في منح الدولة حق الشفعة في قانون الشركات (شركات المساهمة و الشركات ذات المسؤولية المحدودة و الأسهم الإسمية ) وفيما يخص الحصص (شركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات الأسهم الإسمية) التي تعيش تعسرا في أداء الديون أو في وضعية صعبة تهدد بفقدان الشغل، حيث سيكون تدخل الدولة في نظري مرحليا كمرحلة للتقويم والإنقاذ.

كما يمكن لوزارة الاقتصاد والمالية وإحصاء الإدارة أن تحدث لجنة داخل مديرية المنشآت العامة والخوصصة تكون مهمتها إحصاء الشركات المهددة بالأزمة واستباق التواصل معها قبل حدوث الأسوء، أي قبل أن تجد الحكومة نفسها وجها لوجه مع أفواج العاطلات والعاطلين.

أرقام المندوبية السامية للتخطيط وتوقعاتها تثير الخوف والتوجس من المستقبل: توقعت أن يعرف الاقتصاد الوطني انخفاضا يقدر ب 1,8٪، خلال الفصل الثاني من 2020، بسب تقلص القيمة المضافة دون الفلاحة بما يعادل النصف من وتيرة نموها، موازاة مع توقف معظم أنشطة المطاعم والفنادق، وكذا تقلص 60٪ من أنشطة النقل و 22٪ من أنشطة التجارة.

قطاع السياحة المتضرر الأكبر من هذه الجائحة، مع توقعات بفقدان أكثر من 5 ملايين سائح خلال 2020، صار من الضروري على الحكومة البحث عن حلول بعد شلل قطاع السياحة خلال الحجر الصحي، بسبب إغلاق الحدود، وليس هنالك أي حل -في نظري- سوى تشجيع السياحة الداخلية وتشجيع المغاربة على السفر داخل المغرب واكتشافه من جديد، بالرغم من أن الشغل الشاغل للمغاربة في الأزمة الحالية هي المأكل، قبل السفر والتجوال، لهذا من الضروري وضع استراتيجية جديدة لتعزيز الطلب على العرض السياحي الداخلي ووضع تخفيضات ولو على هامش الربح الذي يحققه مهنيو السياحة عادة من أجل دخولهم للدورة الاقتصادية، والاشتغال ولو بأقل الأرباح.

تدخل الدولة هنا ممكن باقتناء المؤسسات الفندقية وفق ما اقترحناه من قانون الشفعة.
السكتة القلبية التي أصابت قطاع السياحة، تأثر بها قطاع الطيران، بعد إغلاق الحدود، وصار آلاف العاملين بالقطاع شبه معطلين، ما يدعو الحكومة للتفكير في حلول تتلائم والظرفية الاقتصادية، فمن الممكن أن يتم رفع الحظر الصحي في المغرب، فعلى الأقل هذا القرار سيكون بيدنا، لكن قرارات فتح الحدود مع شركائنا بالخارج تخصهم وفي يدهم، وفي انتظار أن يفتح العالم حدود وأجوائه من الضروري أن تشتغل شركات الطيران في المغرب من خلال تشجيع الرحلات الداخلية وجعلها في متناول المغاربة بتعرفة استثنائية بغية تحريك عجلة القطاع ولو بتحقيق هامش ربح بسيط.

قطاع العقار بدوره سيعاني جراء هذه الأزمة أكثر من ما يعانيه حاليا بسبب انحسار الطلب على العقار من لدن المغاربة المقيمين بالخارج. أتوقع أن ينهار سوق العقار الفاخر وسوق السكن المتوسط، مع انتعاشة خفيفة للسكن الاقتصادي، ما يمكن أن يهدد صغار المنعشين العقاريين بالإفلاس بسبب ارتهان أغلبهم بالديون من البنوك لتمويل مشاريعهم، هنا من الضروري أن يضحي المنعشون العقاريون المتعسرون بهوامش ربحهم الكبيرة من أجل تدوير عجلة القطاع، وتمكين المغاربة من السكن وفق قدرة جيوبهم والظرفية الحالية.

القطاع البنكي بدوه يجب أن ينخرط في العملية وتيسير أسعار الفائدة ولن يتم ذلك سوى بنزول بنك المغرب بثقله في القطاع.

محفظة المغرب من العملات الصعبة، يمكن إغناؤها مستقبلا في إطار علاقات اقتصادية أكثر متانة مع شركاء المغرب في إفريقيا، لاسيما في المجال الطبي والبناء والأشغال العمومية والإلكترونيات، من خلال تصدير الخبرة المغربية في المجالات المتعلقة بالطب، الذي سيتم الاستثمار فيه أكثر في العالم، بعدما أظهر كورونا عجز البنيات الصحية في استقبال ومواكبة مرضى كوفيد-19.

لحماية المقاولات الصغرى والمتوسطة من الإفلاس نقترح على وزارة الاقتصاد والمالية التعجيل بالأداء لفائدة المقاولات على شكل مرسوم استثنائي، حتى تستفيد المقاولات التي تتعامل مع الدولة من السيولة الكافية لتغطية أجور العمال والمستخدمين للحفاظ على الوظائف والسلم الاجتماعي، وضمان بقاء الشركات على قيد الحياة.
قطاع الفلاحة والصيد البحري، عمود الاقتصاد المغربي، يمكن أن ستستفيد من تحسن الطلب الموجه نحوه وخاصة الخضر والفواكه والحوامض عقب تقلص الإنتاج في بعض الدول الأوروبية كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا بسبب نقص اليد العاملة الموسمية في الضيعات الفلاحية ويمكن أن يكون بابا لجلب العملة الصعبة في هذه الظرفية الصعبة، رغم ما يمكن أن يواجهه من قيود المراقبة المشددة على الواردات من طرف الدول الأوروبية ابتداء من أبريل 2020 خاصة للمنتوجات القابلة للتلف كالخضر والفواكه.

في هذا الصدد يمكن للمستثمرين في قطاع تصدير المنتجات الغذائية فتح قنوات جديدة لتسويق منتجاتهم داخل السوق الداخلية الوطنية وتفادي خسارات فادحة، وبالتالي الحفاظ على الوظائف والانخراط في الدورة الاقتصادية بفعالية تتيح الحفاظ على استمرار المقاولة وعلى الوظائف.

وتبقى مدة الحجر الصحي في المغرب والعالم هي المحدد الرئيسي في تقييم حجم الخسائر على الاقتصاد الوطني والعالمي، لاسيما بالنسبة شركاء المغرب كأوروبا وإفريقيا، في الوقت الذي قدر فيه العالم خسائره بسبب كورونا إلى أكثر من 4100 مليار دولار، ليظل الالتزام بالحجر الصحي وقواعد الوقاية هي الحل الوحيد للسيطرة على الوباء وبالتالي ضخ نفس جديد في الاقتصاد الوطني والعالمي في زمن ما بعد جائحة كورونا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.