ماذا يجري في سوق البترول الآن .. وأي كساد ينتظر الولايات المتحدة الأمريكية؟

0 852

أسماء علالي

لما كنت أكتب سابقا، منذ بداية أزمة كورونا، عن انهيار أسواق المال وتداعيات هذا الانهيار على مماليك البترودولار وعلى الفرصة الاستثنائية للاقتصاد المغربي، ولما قلت أن الصين تقترب أن تشتري أمريكا بدراهم معدودات. هناك من اعتبرني منظرة وهناك من اعتبرني أنهل تدويناتي من الخيال العلمي وهناك الكثير من الذين مروا على تدويناتي مرور الكرام ولم يعيروها الكثير من الاهتمام.

ما وقع اليوم في أسواق البترول، وانهيار سعر البترول، هو حدث تاريخي بكل المقاييس، فتداول سعر البترول لشهر ماي 2020 إلى مستوى سلبي وتداوله بسعر أقل من مستوى الصفر، أعتبره حدثا تاريخيا ونقطة تحول عظمى في تاريخ الأسواق المالية، وانفجارا في الشريان الأكبر الذي يوصل أمريكا بالأوكسجين ..

قبل أن نسترسل في الشرح، دعونا نوضح نقطتين رئيسيتين:

إن ما يتداول في البورصة، ينقسم إلى جزأين، الجزء الأول هو أسعار السلع الآن وغالبا ما يسمى بعقود cash، وهي الثمن الذي يؤديه المشتري الحقيقي للسلع التي يتسلمها الآن، وهي أقرب ما يكون للأسعار الحقيقية والطبيعية، لأنها غالبا تتعلق بمعاملات تجارية حقيقية.

أما الجزء الثاني، وهو ما يسمى العقود المستقبلية فهي أسعار السلع التي سوف يتم تسليمها مستقبلا ويمكن أن يتجاوز أمد التسليم فيها 4 سنوات، وهذه العقود غالبا ما تتعرض للمضاربات في أسواق المال والمتاجرة فيها تتجاوز 95% من المعاملات الإجمالية لأسواق المال بالرغم من أنها لا تتعدى أن تكون مجرد مضاربات على الأسعار وتوقعات بارتفاع الأسعار في المستقبل أو توقعات بانخفاضها، ولكنها، بالرغم من كونها معاملات وهمية ولا علاقة لها بالمعاملات الحقيقية، فهي تحدد بشكل كبير أسعار المواد في أسواق المال.

وما حصل للتو في سعر العقود المستقبلية وخاصة سعر بترول ماي 2020، يعتبر أول انفجار للبالون المالي الأمريكي المليء بالهواء ( explosion de la bulle d’air) .. إنه انهيار نظام المضاربة في الأسعار ومواجهة مباشرة بين الأسعار الحقيقية والأسعار المالية الوهمية .. مواجهة مباشرة بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد الوهمي.

المضاربون الذين راهنوا على مبيعات البترول لشهر ماي 2020، سيجدون أنفسهم في ورطة كبيرة، إذ أنهم على بعد 10 أيام فقط من حلول شهر ماي، وهم لا زالوا ملتزمين بعقود شراء كميات هائلة من البترول، ويجدون أنفسهم مرغمين ليس فقط بأداء ثمنها كاملا، بل مرغمين بتسلمها ونقلها، وتخزينها.

ورطة عظمى …

فمن جهة، المضاربون غالبا هم فقط من الخبراء الماليين الجالسين وراء مكاتب داخل أبناك كبرى، و لا خبرة لديهم إطلاقا في البترول أو في التخزين أو في النقل، ومن جهة أخرى، فشراء البترول في شهر ماي في الوقت الذي لا زال العالم كله في حجر صحي ولا وجود لأي أمل من ناحية الطلب على البترول، ورطة كبيرة، حيت أن المضاربين سيشترون سلعة لا زبون لها يلوح في الأفق.

لذلك وجد المضاربون أنفسهم مضطرين إلى المضاربة في عقود البترول لشهر ماي 2020، والتخلص منها بأي ثمن قبل حلول شهر ماي، وإلا فما ينتظرهم فهو كارثة عظمى. ولن أستغرب إذا ما تسببت الكارثة في انهيار أبناك عظمى ومؤسسات مالية ضخمة، وهذا سيضرب في العمق قلب النظام المالي الأمريكي.

ورطة عقود البترول ماي 2020، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الأمريكية بفعل الحجر الصحي، ستكون الضربة القاضية للنظام المالي الأمريكي وكل الأنظمة التي تدور مباشرة في فلكه.

لما تحدثت عن الصين، وكونها تقف على بعد خطوات فقط من شراء أمريكا بأبخس الأثمنة، فعن هذا السيناريو كنت أتحدث، عندما تنهار الأسواق الأمريكية وتنفجر الفقاعة الوهمية وتتداول السوق الأمريكية بأبخس الأثمنة، وتتقدم الصين حينئذ كمنقذ، فتضرب عصفورين بحجر .. و ضاما !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.