ما وراء البلاغ المشترك بين العدالة و التنمية و الأصالة و المعاصرة
خليل أبو شادي
أصدر حزبا العدالة والتنمية و الأصالة و المعاصرة بلاغا يخبران فيه الرأي العام المغربي باجتماع قيادتهما يوم السبت 24 يوليوز بالمقر المركزي لحزب العدالة و التنمية، من أجل التواصل وتبادل الرأي و التشاور بشأن ما سماه البلاغ ” المستجدات التي تطبع الراهن المغربي”.
و إذا كان البلاغ الصادر عن هذا الاجتماع قد تطرق للعديد من القضايا الوطنية و الدولية التي يتفق كلا الحزبين حولها، فإن أهمية البلاغ، و ورائه اجتماع قيادتي الحزبين في هذه الظرفية السياسية، تكمن فيما يرمز إليه أكثر مما تكمن فيما عبر عنه صراحة.
فالمتتبع للتطورات الحزبية المغربية سيقرأ هذا البلاغ عبر ما يوجد بين السطور أكثر مما سيقرؤه بمنطوقه الصريح الذي جاء بمواقف وطنية مهمة إزاء القضايا الراهنة . إنه بلاغ يدعونا بلغته الأنيقة و التوافقية إلى تأويله سياسيا وفق أربع اتجاهات أساسية :
الاتجاه الأول : هو أن اجتماع قيادتي حزب العدالة و التنمية و الأصالة و المعاصرة هو قبل كل شيء انتصار للفكرة الديمقراطية التي دأب الأمين العام لحزب الأصالة و المعاصرة الأستاذ عبد اللطيف وهبي على إعلانها كإستراتيجية حزبية تعطي لقيادته للحزب مشروعية متميزة، قائمة على أن لحزبه هدف أساسي و مركزي هو المساهمة إلى جانب كل الفاعلين الحزبيين في تقديم الحلول و البدائل الكفيلة بتنمية الوطن و تحسين ظروف عيش المواطنات و المواطنين .
إنه انتصار كذالك لتوجه سياسي لقيادة بأكملها تعبر من خلاله على قوة وحدتها من أجل بناء حزب يتشكل كعرض اقتراحي وليس فقط معارضة نقدية.
الاتجاه الثاني : الذي ينطوي عليه البلاغ المشترك بين حزب الأصالة و المعاصرة و حزب العدالة و التنمية، هو أنه إعلان ضمني من قبل قيادة هذا الأخير أن ثقافتها السياسية عرفت تطورات مهمة نحو التعاطي الديمقراطي البرغماتي مع تحولات المشهد الحزبي . إنها لم تعد تلك القيادة التي ظلت توصم من قبل خصومها بالدغمائية ، بل إن لها علاقة سياسية مع الواقع الوطني ، الذي كلما تغيرت معطياته تغيرت مواقفها و سلوكياتها .
الاتجاه الثالث : الذي يمكن أن يأول به البلاغ المشترك ليوم السبت الأخير ، و هو المبني على الاتجاهين السابقين اللذان يصبان في التأكيد لكل المواطنات و المواطنين أن الواقع السياسي الحزبي المغربي لم يعد يقوم على اصطفافات مذهبية إيديولوجية مسبقة و جاهزة .بل أصبحت الإصطفافات الحزبية تتشكل أولا حسب مميزات مراحل تطور الأوضاع المغربية ، و ثانيا وفق البرامج السياسية و الحلول المقترحة لرفع التحديات التنموية التي تعرفها بلادنا .
إنها نتائج فكرة قيادة الأصالة و المعاصرة التي قدمت حزبها على أنه حزب المشروعية الدستورية و الديمقراطية من أجل مستقبل أفضل و ليس ضد هذا الحزب أو ذاك.
و بالتالي أثمرت هذه النتائج واقعا سياسيا حزبيا يحتكم إلى المرجعية الديمقراطية الوطنية .
الاتجاه الرابع : الذي تحمله طيات البلاغ المشترك بين حزب الأصالة و المعاصرة و حزب العدالة و التنمية ، هو الاتجاه الذي لا يمكن للقارئ أن لا ينتبه له أو أن يتجاهله .
فإذا كانت الاتجاهات السابقة التي يؤول بها البلاغ تشير الى واقع حزبي سياسي جديد ، أصبح قائما و يجب أخذه بعين الاعتبار ، فإن هذا الاتجاه الرابع يدعونا إلى تأويل البلاغ بما يشير إليه نحو المستقبل . فكتابة البلاغ ، و هو المشترك بين حزبين اثنين فقط ،بخلفية و حدوية وطنية بادية منفتحة على كل الأحزاب السياسية، يجعل تأويله على انه دعوة الحزبين وهما من بين الأحزاب الأساسية في المشهد الحزبي من جهة ، و كلاهما يخرجان من تجربة سياسية مختلفة عن بعضهما البعض، فحزب العدالة و التنمية خارج لتوه من تجربة حكومية دامت لمدة عشر سنوات ، و حزب الأصالة و المعاصرة خارج من تجربة المعارضة السياسية لمدة تزيد عن عشر سنوات من جهة ثانية، جعلت البلاغ يحمل تلميحا ضمنيا لإمكانية التفكير في بناء تجربة حكومية مقبلة تقوم على ائتلاف حزبي وطني عريض .خاصة إذا ما نحن استحضرنا المعالم الأساسية التي تميز الوضع المغربي الراهن . فالمؤامرات التي تدس ضد المغرب في الخارج للمس بسمعته و مصالحه المشروعة، أخرها ما بات يعرف بقضية التجسس، و الظرفية الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة التي ما انفكت المعركة ضد انتشار كوفيد-19 تخلقها، و الأفاق التنموية الواعدة التي أطلقها النموذج التنموي الجديد ، كلها عوامل أساسية تسمح بأن نفهم الخلفية الوطنية للبلاغ المشترك بين هاذين الحزبين ، على أنها إشارة جادة لإمكانية قيام حكومة وحدة وطنية بعد الاستحقاقات القادمة .
في جميع الحالات يبقى البلاغ المشترك الصادر عن اجتماع قيادتي حزب العدالة و التنمية و حزب الأصالة و المعاصرة السبت الماضي ، نقطة تحول حاسمة في المشهد الحزبي في اتجاه المزيد من صقل الديمقراطية بالتعدد البناء.