مدونة الأسرة بين الحداثة والأصالة: نحو تعزيز مكانة المرأة وضمان حقوقها

0 203

أثار النقاش حول مستجدات مدونة الأسرة جدلا واسعا في الأوساط المغربية، وهو جدل يعكس صراعا بين تيارين متناقضين. فمن جهة، يدعو تيار إلى تحديث القوانين بما يواكب التحولات الاجتماعية ويضمن العدالة والمساواة، ومن جهة أخرى، يتمسك تيار آخر بالقيم التقليدية المستمدة من الخطاب الأخلاقي الكلاسيكي.

هذا النقاش يبرز عمق التناقض بين الفكر الذكوري الذي يختزل دور المرأة في التبعية للرجل، وبين الواقع الذي يشهد على الدور الريادي الذي تؤديه النساء في مختلف مجالات الحياة.

في المخيال التقليدي، تصور المرأة كشخص تابع للرجل، معزول عن مواقع اتخاذ القرار، ولكن الواقع المغربي يشهد تحولا جذريا في أدوار النساء داخل الأسرة والمجتمع. فقد أثبتت المرأة حضورها القوي في مجالات متعددة، بدءا من دورها الأساسي في التربية، حيث تتحمل المسؤولية الكبرى في بناء الجيل القادم، إلى مساهمتها الفاعلة في التعليم والتوعية الثقافية والمجتمعية.

على المستوى الاقتصادي، أصبحت المرأة عنصرا فاعلا في تدبير الشؤون المالية للأسرة. ففي ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية، ازدادت مشاركة النساء في سوق العمل الرسمي وغير الرسمي. لم تعد المرأة مجرد داعمة داخل الأسرة، بل شريكا كاملا يساهم في تحقيق الاستقرار المادي وتنمية الأسرة. هذه التغيرات دفعت أيضا إلى إعادة النظر في تقسيم العمل داخل الأسرة، حيث بدأ نمط جديد من التعاون بين الزوجين يظهر، مما يعكس تطور الثقافة الأسرية نحو مزيد من التوازن والمساواة.

هذه التحولات واكبتها تشريعات أعطت للمرأة حقها الكامل و انصفتها اجتماعيا بما يتوافق مع مبدأ العدالة الاجتماعية و مواجهة التمييز الجندري و ذلك من خلال إصلاحات جد مهمة في مدونة الأسرة ساهمت في تعزيز الحماية القانونية والاجتماعية للنساء، وخاصة في مواجهة التمييز والعنف الأسري. و وضعت أسس من أجل تحقيق توازن عادل بين مسؤوليات الرجل والمرأة داخل الأسرة، بما يضمن استقرارها وسيرها على أسس تشاركية.

الحديث عن إصلاح مدونة الأسرة لا يعني التخلي عن القيم الأخلاقية الكلاسيكية التي تشكل جزءا من الهوية المغربية. بل على العكس، فإن التحدي يكمن في إعادة تفسير هذه القيم بشكل يعزز من مكانة المرأة وحقوقها دون الإضرار بالهوية الثقافية. القيم الأخلاقية ليست معيقة للحداثة، بل يمكن أن تكون دافعا لها إذا أعيدت صياغتها في ضوء مبادئ المساواة والعدالة.

إن تعزيز مكانة المرأة داخل الأسرة والمجتمع ليس مجرد قضية حقوقية، بل هو ضرورة ملحة لتحقيق التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة. التوفيق بين الحداثة والأصالة في إطار قانوني عادل ومتوازن يمثل خطوة أساسية نحو بناء مجتمع متوازن وعادل، يعطي لكل فرد فيه حقه الكامل في المساهمة في تطوره وازدهاره.

احمد لحبابي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.