مستقبل قضية الصحراء المغربية في ضوء القرار الأمريكي الأخير
بقلم : رشيد الركراك
انتصار كبير حققته الدبلوماسية المغربية في قضية الوحدة الترابية للمملكة باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية رسميا بالسيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الصحراوية، الاعتراف الأمريكي الذي فاجأ الجميع، تبعه قرار بفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة تقوم بمهام اقتصادية وتقوية الاستثمار وتقوية الروابط التجارية وتحقيق تنمية اجتماعية للأقاليم الصحراوية.
الاعتراف الأمريكي التاريخي جاء تعزيزا لما تشهده قضية الصحراء من حراك في كافة الاتجاهات، مدعما من طرف الأغلبية العظمى للدول الإفريقية والعربية المؤيدة للوحدة الترابية للمملكة والمؤيدة لمقترح للحكم الذاتي كحل واقعي لحل مشكلة الصحراء.
إن الصحراء المغربية، ومن منطلق المرجعية التاريخية، ظلت وستبقى دائما أرضا مغربية رغم كيد الكائدين وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين؛ فالتاريخ والجغرافيا، وكذلك البشر وحتى الحجر وكل حبة رمل من رمال الصحراء وجميع الحجج القانونية عبر مئات السنين تؤكد ذلك ، فالطبيعة الجغرافية للصحراء بكل تفاصيلها تشير لا محالة إلى أن هذه الأرض هي امتداد للمغرب، وأن هذا الامتداد الطبيعي والجغرافي توازيه حتما تبعية سياسية، وهنا نستحضر خطاب جلالة الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه بمناسبة عيد العرش مارس 1977 والذي جاء فيه: “إن الصحراء هي التي أعطتنا دولة المرابطين الصحراويين وجدتي خناتة زوجة المولى إسماعيل صحراوية وأم سيدي محمد بن عبد الله صحراوية وثلاثة من أجدادي صحراويون من قبائل جنوب الصحراء عن طريق السلالة النبوية، فليست الصحراء مغربية بالأمس فقط ولا المغرب صحرواي بالأمس، وفي الحقيقة هل نحن الذين سنرجع الصحراء أم ان الصحراء هي التي سترجع إلى المغرب”.
فمما لا شك فيه أن الصحراء المغربية قد رجعت الآن للمغرب بفضل حنكة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده وبفضل فطنة وحنكة مجموعة من مستشاريه، بالإضافة طبعا إلى الديناميكية القوية التي أصحبت تنهجها الدبلوماسية المغربية ممثلة في وزارة الخارجية المغربية خصوصا والحكومة المغربية بصفة عامة، على اعتبار أن الاعتراف بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه من طرف أقوى دولة في العالم هو ثمرة جهود مكثفة استمرت لسنوات، فالديبلوماسية المغربية بهذا الإنجاز الكبير أكدت للجميع بأنها دبلوماسية رزينة ونشيطة واعية وحكيمة، استمرت لسنوات حتى وصلنا لما وصلنا إليه لكونها لعبت دورا مهما في إقناع المنظومة الدولية بعدالة القضية الوطنية، وقد توج هذا المجهود مؤخرا بالاعتراف الصريح والرسمي بسيادة المغرب على كامل تراب الصحراء على لسان رئيس أقوى دولة، تبعها الإعلان عن فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة بالصحراء لتنمية فرص الاقتصاد والأعمال في المنطقة. وقد حسم هذا الإعلان التاريخي الملف لصالح المغرب ومصداقية مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المملكة المغربية، وأن دولة مستقلة في الصحراء الغربية ليست حلاً واقعياً، وأن حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد والواقعي.
إن هذا الإعلان بالاعتراف الأمريكي تم تدوينه وتوثيقه رسميا بالسجل الفيدرالي الأمريكي، وبالتالي سنجد لا محالة مجموعة من الدول تحذو نفس حذو الولايات المتحدة الأمريكية مادام أن هذه الأخيرة هي زعيمة العالم وقوة عظمى لها تأثير كبير في المنطقة، وقد بدأت النتائج الإيجابية لهذا الاعتراف يحصدها المغرب من خلال سحب مجموعة من الدول لاعترافها بالجمهورية المزعومة والوهمية، كما أن هذا الأمر سيفتح الطريق بلا شك لتحول كبير بشمال إفريقيا، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، مما سينعكس على مؤشر التنمية البشرية سواء للمملكة المغربية أو دول شمال إفريقيا ككل.
إن القرار الأمريكي وما تبعه من سحب للاعتراف بالجهورية المزعومة سواء من طرف الدول الأفريقية وما تبع ذلك من قيام الدول العربية بفتح قنصلياتها سواء بمدينة الداخلة أو العيون يعني أن هناك جبهة عربية- إفريقية قوية سترى النور قريبا للدفاع عن مصالح وحقوق المغرب الشرعية والتاريخية في هذه القضية، فهذا القرار هو إنصاف للمغرب وسيقطع نهائيا مع من كان يدافع يوما ما عن إنشاء كيان خارج القانون، كيان وهمي كان سيهدد الاستقرار والأمن العالميين، كيان عرقل لعقود فكرة المغرب العربي والتي كانت، لولا هذا النزاع المفتعل، ستقوي دول المنطقة لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة على مستويات عديدة. ثم إن تدخل الولايات المتحدة بقرارها التاريخي هذا هو إشارة واضحة على ضرورة إنهاء هذا الصراع الذي عمر طويلا وعرقل فرص التنمية بالمنطقة، كما أن الولايات المتحدة ستعمل من خلال حلفائها بمجلس الأمن على دعم حق المغرب التاريخي على صحرائه، فمن يعتقد أن هذا القرار سقط فجأة وبأنه مجرد رد جميل للمغرب عندما اعترف بالولايات المتحدة سنة 1777 لا يفقه في السياسة الدولية شيء، فالمغرب كاستثناء للاستقرار السياسي والاجتماعي بالمنطقة يسير بخطى ثابتة نحو التقدم يحسد عليه، وهو همزة وصل بين إفريقيا وأوروبا ودول الخليج والدول العربية وله علاقات وطيدة وقوية بين كل هؤلاء، الأمر الذي تلقت إشارته مبكرا الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل هذه الأخيرة تعكف على دراسة موضوع الاعتراف الأمريكي بالصحراء المغربية وذلك في إطار سياسة رابح رابح.
إن المغرب الذي فرض نفسه في السنوات الأخيرة كدولة قوية، وورقة مهمة في سياسة التوازنات الدولية، كان ولا زال وسيظل دائما يعتبر قضية الصحراء قضيته الوطنية الأولى، وبأن هذه القضية تعتبر محدداً أساسياً لأجندة الدولة الديبلوماسية وتحالفاتها الدولية، وما الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء إلا ضربة قاسية وقاضية لأطروحة البوليساريو والجزائر، وتتويجاً لسلسلة من المحطات التي عمل فيها وطننا الحبيب بتدرج وتبصر على تعزيز وجوده فوق ترابه؛ مع ما يعنيه ذلك من فتح آفاق جديدة لتقوية الموقف المغربي في الأوساط الدولية، الأمر الذي سيزيد من عزلة خصوم الوحدة الترابية، وسيسهم في مواجهة وكشف مؤامراتهم الخسيسة التي تهدف إلى إثارة التشويش، فالمغرب الآن أكد من جديد أنه في صحرائه وبأن الصحراء في مغربها وبأن المغاربة لن يفرطوا في حبة رمل من أرض أجدادهم.