ندوة البام: نجاح القوانين الانتخابية في ارتباطها برفع تمثيلية النساء رهين بمستوى “تنزيلها” والاحتضان المجتمعي لها
نظمــــــــت، نساء الأصالة والمعاصرة، بمناسبة الاحتفاء باليوم الأممي لحقوق المرأة، ندوة وطنية عن بعد، يوم الخميس 18 مارس الجاري، حول موضوع: “تمثيلية المرأة في القوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات”.
الندوة أطرتها كل من عضو الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة- عضوة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، الدكتورة زهور الوهابي، بمعية أستاذة القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط- الكاتبة العامة لمنتدى المواطنة، الدكتورة رقية أشمال. وسيرت أشغالها عضو المجلس لحزب الأصالة والمعاصرة، السيدة نادية بوزندفة.
بوزندفة وفي معرض تقديمها لأشغال الندوة، قالت إن الحدث يأتي في سياق وطني، مدني، سياسي ومجتمعي خاص جدا من جهة، كما يندرج في سياق التفاعل مع المطالب الدائمة للقوى الحية والحركات النسائية التي تنشد الرفع من تمثيلية النساء، استجابة للمنطلقات والمرجعيات الدولية والوطنية وعلى رأسها دستور 2011 في ديباجته وفصوله (6، 19، 30 ..) التي تؤكد على ضرورة تبني المناصفـــة بالنسبة للنساء.
ومن جهة أخرى، تضيف بوزندفة، فإن الندوة تنظم تفاعلا مع المؤشرات الضعيفــــة المرتبطة بتمثيلية النساء في المجالس المنتخبة، بحيث أن هناك إحصائيات، على سبيل المثال، لا الحصر، فنسبة النساء الممثلات في مجلس النواب تشكل فقط 20,5 في المائة، وعلى مستوى مجلس المستشارين تبلغ النسبة 11,66 في المائة .. إذن، فالنقاش اليوم تشريعيا منصب حول مراجعة وتحيين القوانين المؤطرة للعمليات الانتخابية، وذلك عبر طرح مشاريع قوانين على طاولة النقاش كالقانونين 21-4 و 5-21 إلخ.
عضو الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة، زهور الوهابي، ثمنت تنظيم الندوة معتبرة أنها فرصة تتيح توسيع النقاش، خصوصا في شهر مارس من كل سنة بالتزامن مع الاحتفاء العالمي والوطني بالعديد من المناسبات ذات الارتباط بالشأن النسائي، وعبرت المتحدثة غن تفاؤلها في أن يتوسع النطاق الزمني لهذا النقاش وألا يظل محصورا وموسميا. وقالت الوهابي إن هناك دينامية على مستوى تقييم النتائج التي تحققها في هذا النطاق من طرف المنظمات المجتمعية وبالخصوص المنظمات النسائية المشتغلة من داخل الأحزاب السياسية، كما أن هذا النقاش يتزامن مع سياق وطني متسم بالاستحقاقات المقبلة المرتقبة شهر أكتوبر 2021، وهي المحطة التي فتحت الباب أم نقاش عام حول جملة من النصوص التنظيمية والقوانين المؤطرة للانتخابات.
وأبرزت الوهابي أنه في خضم هذا النقاش حول “الإطار القانوني” للانتخابات، يطفو إلى السطح نقاش آخر يتعلق بتمثيلية النساء في ظل هاته القوانين ومدى ملائمة ما تم التصويت عليه مع المواثيق الدولية وباقي النصوص ذات الصلة المصادق عليها من طرف المغرب، وإلى أي حد تحترم هذه القوانين مضامين نص دستور 2011 (الفصول (6، 19، 30 ..) لتحقيق المساواة والمناصفة المنشودتين.
واعتبرت المتحدثة أن القوانين الانتخابية المصادق عليها مؤخرا حملت بين طياتها مقتضيات جد إيجابية من شأنها المساهمة في رفع تمثيلية النساء على مستوى البرلمان وكذا باقي صنوف المجلس الترابية (جهويا، إقليميا ومحليا)، وللإشارة فإنه، ولأول مرة، سيتم التنصيص بشكل واضح وصريح على عضوية النساء للمجالس الإقليمية وهذا يشكل مكسبا كبيرا جدا للنساء.
إلى ذلك، أشارت الوهابي إلى أن الحركة النسائية خلقت نقاشا مهما، حيث انتقل الحديث من المطالبة بالثلث على مستوى التمثيلية وصولا إلى المناصفة، حيث يتم اليوم التأسيس لمسار مهم بتراكمات ولكنه يتضمن إيجابيات كثيرة. بالمقابل سجلت المتحدثة غياب ذلك التكتل النسائي اليوم كما كان الحال سابقا وبلادنا تعيش خضم مناقشة عدد من القوانين الهامة (مدونة الأسرة، قانون الجنسية ..)، بحيث شكل التكتل المذكور قوة اقتراحية حقيقية ودافعا من أجل الوصول إلى ما يمكن تسميته اليوم ب “المكتسبات”.
عضو الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة أضافت أن الأحزاب السياسية تنتظرها مهام أكبر من أجل المساهمة في تحقيق المزيد من المكتسبات بالنسبة للنساء، خصوصا وأنه لم يكن هناك نقاش كبير داخل الأحزاب بخصوص الشأن المتعلق بتمثيلية النساء من داخل القوانين المؤطرة للانتخابات. وإجمالا، ذكرت الوهابي أن النساء استطعن “عدديا” تحقيق الولوج إلى المؤسسات المنتخبة، في انتظار الوصول “تأثيريا” فيما يتعلق بالفعل السياسي والتدبيري بهاته المؤسسات.
وفي نفس الوقت، نوهت الوهابي بالجهود التي بذلتها الأحزاب السياسية لتحقيق مبدأ أساسي متمثل في “المناصفة” للرفع من تمثيلية النساء وفق إطار تسود فيها عملية احترام مجموعة من الشروط ذات الصلة. وطرحت المتحدثـــة السؤال: أي نساء نريد على مستوى الجماعات الترابية؟ وداخل قبة البرلمان؟، بالمقابل، أشارت الوهابي إلى أن التمثيلية الحقيقية للنساء في بعدها الواسع والكبير لم تنل حظه من النقاش ولا الوقت الكافي بسبب مجموعة من الأسباب المجتمعية، وهو الأمر الذي أعاق عملية الوصول إلى امرأة “قوية سياسيا”. وأضافت قائلة: “للأسف الشديد، هناك ضعف على مستوى الحضور والتمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة، ويتعمق الوضع أكثر في العالم القروي، حيث الكثير من المستشارات الجماعيات وراء “الرجل المستشار” وكثيرات منهن لا يستوعبن مهامهن الحقيقية.
بالمقابل، أشارت المتحدثة إلى كون المــــرأة المغربية تعيش إكراهات متعددة فيما يتعلق بخوض “الانتخابات المحلية” وهو واقع يفرض نفسه، لكن الأهم هو أن تحظى المرأة بثقة الحزب الذي تنتمي إليه ويمنح لها الثقة والتزكية، وقبل ذلك تقوية التنشئة الاجتماعية والتمكين التعليمي للنساء. فالقوانين مهمة جدا ولها موقعها في تجويد تموقع النساء ورفع تمثيليتهن في المجالس المنتخبة، ولكن هناك حاجة ملحة أساسية إلى حاضنة مجتمعية قادرة على احتواء نساء قادرات ومتمكنات وممثلات بالشكل المطلوب ومستوعبات لأدوارهن في أفضل الظروف.
النساء يحملن على عاتقن مسؤولية كبيرة تتمثل في الوصول إلى تنزيل أسس مساواة حقيقة ومناصفة تتجاوب مع الطموحات. وفي الجانب الآخر، الطموح هو أن تصل أحزابنا إلى مستوى تثق من خلاله في النساء وتمنحهن الفرصة من أجل أن يترافعن عن قضايا المواطنات والمواطنين، وخلق فعل متميز سواء داخل المجالس المنتخبة، أو حتى على مستوى الأحزاب نفسها وضمنها حزب الأصالة والمعاصرة حامل المشروع المجتمعي الكبير، فذلك سينتج لنا واقعا جديدا عنوانه “نساء نخبة”، تسترسل الوهابي.
من موقعها، اعتبرت الدكتورة رقية أشمال، أن النقاش كان محموما قبيل وضع النصوص القانونية المؤطرة للانتخابات، ولكأن النساء المشتغلات في الأحزاب والمجتمع المدني المترافعات عن قضايا النساء، (لكأنهن) أﹸخذن بحماس اللحظة وأسدل النقاش حول هاته التيمة حيث الحديث عن المستجدات وتقييم هاته المشاريع القانونية المطروحة أمام الغرفتين، هل يلبي أو يوازي الطموحات المرتبطة بالنساء؟.
وقالت أشمال إن النقاش كان فيه قضايا أخرى غير تقييم “ماذا حققت النساء”؟، وفي نفس الإطار نوهت المتحدثة بحرفية واستباقية نساء الأصالة والمعاصرة في تقييم القوانين وليس الوقوف عند نقطة “الفرح اللحظي” بما تم تحقيقه. وأضافت بالقول: “إن الحديث عن تمثيلية المرأة من خلال القوانين الانتخابية الحالية، ونحن على بعد 10 سنوات من الممارسة الدستورية، وهنا يطرح السؤال إلى أي حد استطاعت القوانين الحالية أن توطن لهذا البعد الدستوري الحامل لفلسفة المناصفة؟”.
وفي هذا الإطار، قالت أشمال إن المغرب استفادت من مناخ ديمقراطي، وبالمقابل عبرت المتحدثة عن خيبتها وهي تراقب عن كثب كيف صيغت القوانين التنظيمية وذلك بسبب أن فيها تراجع كبير على مستوى النفس الديمقراطي، كما أن كل هذه القوانين تتضمن مفردة واحدة وهي فعل “يسعى”، وهذا الأخير لغويا يحيل على محاولة بذل الجهد، بمعنى أنها قوانين لا يحضر فيها عنصر “الإلزام”.
وأشارت أشمال إلى التزامات المغرب على مستوى أهداف الألفية ومصادقته على عدد من المواثيق الدولية، بالإضافة إلى محاولة إضفاء الطابع الدستوري على النصوص القانونية، في حين أن هناك مستوى ثان مرتبط بنضالات داخلية بقيادة عدد من الديناميات المدنية من قلب المؤسسة التشريعية ومن خارجها عبر الأحزاب التي تؤمن بالمناصفة فكرا وممارسة.
ولفتت المتحدثة الانتباه إلى ما تضمنته المادة الأولى من القانون 21-4 لمجلس النواب من رفع لعدد النساء الممثلات، بينما القانون التنظيمي السابق 11-27 والذي يشير إلى أن لائحة الترشيح تشتمل على جزئين يتضمن الجزء الأول منها أسماء 60 مترشحة مع بيان ترتيبهن .. إذن النقطة المضيئة في هذا القانون (11-27) هي أن ذلك الجزء الثاني الذي كان يخص الشباب تحدث عن مترشحين من الجنسين، بحيث أن المسألة لم تكن فقط حكرا على الذكور. وحزب الأصالة والمعاصرة حقق السبق في هذا الإطار، بحيث أنه جعل من هذه اللائحة نافذة وبوابة على عدد من الشابات، وهو ما شكل توسيعا لمشاركة “الشابات” على مستوى الاستفادة.
القانون، ولأول مرة في تاريخ مجلس النواب، التنصيص على مسألة مشاركة النساء في التدبير وفي التسيير وفي الوجود على مستوى هياكل القبة التشريعية، بمعنى أصبحت لهن مواطئ القدم في التسيير، أي هناك انتقال من “التأثيث” إلى المشاركة الفعلية في القرار. وسجلت أشمال ملاحظة تتعلق بقانون الأحزاب، فالمذكرات التي تم رفعها من طرف هذه الأخيرة من أجل بلورة دستور 2011 لم تكن على مستوى القوانين الأساسية المرتبطة بالأحزاب، أي أن مضامين المذكرات ظل مرة أخرى محصورا في “السعي” عوض “الإلزامية”.
الكاتبة العامة لمنتدى المواطنة أبرزت مسترسلة أن دراسة القوانين لا يمكن أن تكون “ميكانيكية” لأن تخضع لمناخ عام يضم فاعلين، وتجويد أي نقاش مرتبط بمدى المناخ الديمقراطي الذي نعيش فيه ومدى إيماننا كمغاربة بالمناصفة والمساواة، فتطوير القوانين ومدى تفعيلها مرتبط بهذا الأمر (الإيمان بالمناصفة والمساواة). وفي نفس الإطار، فإن المطلوب اليوم ممن يتحمل مسؤولية في المجالس المنتخبة امرأة كانت أم رجلا، أن يتوفر فيه أمران أساسيان وهما: “الأخلاق” و”الكفاءة” (القرب من المواطنات والمواطنين)، وبلادنا في حاجة اليوم إلى “منتخب” قادر على رفع أصوات المغاربة بأمانة.
أشمال شددت على أن الرهان الحالي يتطلب من الأحزاب السياسية على مستوى المعايير الواجب توافرها في النساء الممثلة مراعاة عاملين أو بالأحرى معيارين، حيث أن أولهما يسير في اتجاه الفلسفة العامة المؤطرة للقوانين المغربية التي تشتغل على بعد تخليق الحياة العامة، إذن هذا النقاش على المستوى العمومي يجب أن يتجه أيضا إلى الأحزاب التي تنفصلنا عنا مجتمعيا. وأضافت قائلة: “يجب أن نكون منصفين ونقر بأن رفع التمثيلية النسائية رفع من مستوى النقاش داخل البرلمان خاصة فيما يتعلق بالسياسات العمومية، ولا بد من أن نؤكد كون النساء اللواتي وصلن إلى المجالس المنتخبة لم يحققن هذه المكتسبات “ركوبا على ظهر الشباب”.
وسجلت المتحدثة منسوب التواصل الجيد الذي أبانت عنه المرأة المنتخبة في التفاعل مع قضايا المواطنين عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي .. إلخ. واعتبرت أن رهان نجاح القوانين يكمن في تنزيلها الفعلي (تطبيقها)، وهي قوانين لا تتم بمعزل عن الواقع السياسي العام ببلادنا، وهي مرتبطة أيضا بالدمقرطة وطنيا، وإذا كان النص الدستوري ل 2011 قد حقق خطوات جد متقدمة فإن ذهنية المشرع المغربي ظلت رهينة مرحلة ما قبل دستور 2011.
مـــــراد بنعلي