هل الحكومة المغربية غير معنية بمنطوق الفصل 13 من الدستور وأي دور للمجلس الوطني لحقوق الإنسان؟

0 3٬131

أيوب الغانْمية

يقول منتيسكيو في كتابه الشهير وهي إحدى العبارات البليغة التي غيرت مجرى بعض الحقوق والحريات وعلاقتها بالسياسة.
“تقوم الحرية السياسية على السلامة أو على الرأي الذي يكون لدى الإنسان حول سلامته على الأقل.
وأكثر ماتهاجم هذه السلامة في التهم العامة أو الخاصة، ولذا تتوقف حرية ابن الوطن على صلاح القوانين الجزائية خاصةً. ”
كتاب روح القوانين -مونتيسكيو- / الصفحة 272 .

إننا هنا لسنا بصدد مناقشة الحريات ومفهوم الحرية من عدمه ولسنا أيضا بصدد مناقشة أصول الحقوق والحريات لأنها باتت من أمور الواقع لا التنظير ويكفي العودة للأدبيات الحقوقية قبل العهود الدولية والدساتير الدولتية التي كرست نظريات وأبحاث جهابذة الفلاسفة الحقوقيين والفكر الحقوقي.

ففي ظل التطورات التي يشهدها العالم والوطن على حدٍ سواء في مجال الحقوق والحريات خرجت لنا الحكومة المغربية ببدعة قانونية ورِدة حقوقية لم يسبق لها مثيل والحديث هنا عن بعض مواد مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة والتي تضمنت خرق سافر لمجال حقوق الإنسان والحريات العامة ولن نركز عليها في هذا المقال بقدر ما سنركز على بعض الأمور المتعلقة بصناعة التشريع.

بالرجوع إلى الفصل 13 من دستور 2011 نجده ينص على أنه “تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.”
من خلال هذا الفصل يتضح جليا أن الحكومة غيبت بل ضربت بهذا الفصل عرض الحائط عندما ناقشت مضامين المشروع بشكل سري وصادقت عليه في مجلسها الحكومي دون الحاجة إلى إشراك مختلف الهيآت الحقوقية خصوصا خصوصا وأن الأمر يتعلق بالحقوق والحريات، أليست القوانين مِرآةً للسياسات العمومية وضمانات أساسية للحقوق والحريات !!

يُحلينا هذا مباشرة إلى الدور الذي يلعبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالأساس بالحقوق والحريات، حيث بالرجوع إلى الفصل 161 من الدستور نجده ينص على أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.”
أين إحالة الحكومة لهذا المشروع على المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أليس المجلس الوطني لحقوق الإنسان هيأة استشارية يؤخذ برأيها عند الإقتضاء؟ خصوصا وأن الأمر يتعلق بكبح شكل من أشكال الإحتجاج وهي من أبرز الصور التعبير عن الرأي المكفول دوليا ودولتيا.
إن ماقامت به الحكومة يُعتبر من سمات الاستغلال التشريعي الذي يجعل من الإحالة على المجالس الاستشارية أمراً اختياريا.

إننا أمام فرضية واحدة لاتقبل النظير وهي حماية أصحاب المصالح الخاصة وذوي النفوذ التجاري بالبلد.
وإن مايؤكد ذلك علاوة على عدم الإحالة مُذكرة السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقة مع البرلمان والتي تتضمن مواقف ليست بالجديدة في مجال الحقوق والحريات ثم إعادته لصياغة بعض فقرات ونصوص المشروع مُعتقدا أن المهتم بالمجال الحقوقي سيخفى عليه مابين السطور !!!! ثم مازاد الطين بلة تدوينته الأخيرة عبر صفحته الرسمية التي جاء فيها بأن المشروع ستتم مراجعته بناءً على ملاحظات السادة الوزراء داخل الحكومة والحال أنه تمت المصادقة عليه في 19 مارس المنصرم!!!!!

ونعود في الخِتام للتركيز على المجلس الوطني لحقوق الإنسان وسكوته في ظل هذه الخروقات وندعوه لتفعيل منطوق المادة 10 من القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان القاضية بتمكنيه من التدخل بكيفية عاجلة كلما تعلق الأمر بحالة من حالة التوتر التي قد تفضي إلى انتهاك حق من حقوق الانسان بصفة فردية أو جماعية.
وإذا كان دور المجلس في هذه المادة دور الوسيط والمُصلح ليس إلا، فإن الأمر يحيلنا عندما يتعلق الأمر بالتشريع إلى ضرورة تعديل بعض مقتضيات هذا القانون المتعلق بالمجلس وجعل التدخل إلزامي في التشريعات الحكومية ذات الصلة بمجال الحقوق والحريات عن طريق الإحالة الحكومية.

إنه وفي ظل مايقع من خروقات سافرة في مجال الحقوق والحريات من جانب المُشرع الحكومي بات دافعا لسن قانون يقضي بإلزامية الإحالة من طرف الحكومة على الهيآت الاستشارية المتعلقة بمجال حقوق الإنسان ونخص بالذكر هنا المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع إلزامية الأخذ برأيه في التشريعات التي تهم الحقوق والحريات ومن ثم الإحالة على البرلمان، فمن دون هذه المَسطرة سنكون أمام قوانين مصلحية لا تراعى فيها مبادئ الحقوق والحريات.

أيوب الغانْمية
باحث في القانون / ناشط حقوقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.