هل ” كورونا ” نتاج ” لنظرية المؤامرة”

0 1٬128

د.فتاح أخياط

و نحن, نراقب المنحنيات البيانية, التصاعدية تارة و التنازلية تارة أخرى لتطور الحالة الوبائية “كوفيد 19” عبر العالم, نحصي عدد الوفيات و المصابين و المتعافين جراءه, متنقلين من قناة فضائية إلى أخرى, نبحث عن بصيص أمل وسط هذا الكم الهائل من السواد و الظلمة, التي خلفها هذا الوباء المرعب. نصادف و نتلفق أخبارا حول مؤامرة ما, سماها البعض “حرب باردة كامنة” بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و حلفائهما. حيث إعتبرت الصين أن ظهور الفيروس بمدينة ووهان كان بسبب حضور 300 رياضي عسكري أمريكي للمشاركة في دورة الألعاب العسكرية الدولية في المدينة, وهو سبب نقل الفيروس إليها و أنه كان موجها لضرب كيانها الإقتصادي و الصناعي. رد الأمريكيين كان سريعا, و أول الردود جاءت على لسان الرئيس الأمريكي ترامب, عندما وصف فيروس كورونا بالفيروس الصيني و أتم و قال أن من المؤكد أن العالم يدفع ثمنا غاليا لما فعله الصينيون.

العلم كانت له وجهة نظره الخاصة. فالمختصين و الأطباء حاولوا تبديد “نظرية المؤامرة”, وحصر هذا الوباء في كل ما هو بيولوجي و علمي. إلا أنهم ووجهوا على نحو أنهم صنفوا هم أيضا ضمن نظرية المؤامرة و أنهم سخروا لخدمة أجندة جهة على حساب جهة أخرى. و هو ما جعل من وقع هاته المجهودات ذات الصبغة العلمية, لا تأثير لها على سيكولوجية الفرد. على قول أستاذ علم النفس بجامعة Bristol ستيفان ليونداوسكي ” أن أي دليل يضعف نظرية المؤامرة يفسر على أنه يدعمها”. يعني أن نظرية المؤامرة تحمل الناس على نبذ العلوم. من جهتها تؤكد كاري دوغلاس, عالمة النفس بجامعة Kent البريطانية في إحدى بحوثها, أن بعض الأفراد لديهم نزعة فطرية و تكاد تكون نرجسية للتفرد و التميز. و قد يتحقق هذا التميز عندما يشعر الفرد أن لديه معلومات نادرة أو تفسيرات سرية لبعض الأحداث العالمية. و هذا ما نلاحظه بالفعل في في ظل الإنفجار المطرد لوسائل التواصل الإجتماعي, حيث يمكن لأي كان أن يتحدث للعموم, ليصير مصدرا موثوقا للمعلومة التي تروج لنظرية المؤامرة.

إن سرعة إنتشار الفيروس و سوء تقديرات المسؤولين في الدول الصناعية الكبرى, للسيناريوهات المحتملة في مواجهة هذا الوباء في مراحله الأولى, و ما ستؤول إليه الأوضاع في العالم من جراء ذلك, عقدت من الأمور لدى هذه الدول, فكان السبيل الأني و الوحيد لطمأنة شعوبها و التخفيف من وطأة هذه الجائحة, على صحتهم النفسية و العقلية و صونا لكيانها الريادي في العالم. هو تفسير هذه المسألة المعقدة على أساس نظرية المؤامرة, و هي تصريف لظاهرة إجتماعية, تعكس حالة الشعور بالعجز في مواجهة الواقع و فهمه و العجز عن التفاعل معه و تغييره.

و من وجهة نظر خاصة, إذا إستعملنا مصطلح المؤامرة في السياق الجيوسياسي العالمي, فإننا يجب أن نعتقد بأن السياسات الخارجية للدول لا تعترف بالأخلاق و تستبيح إستعمال كل الوسائل المشروعة و غير المشروعة و خصوصا إذا تعلق الأمر بالدفاع عن الأمن القومي و المصالح الإقتصادية و توسعة النفوذ على المناطق الغنية بالثروات الطبيعية, فهي في الأخير إرادات قوة, و الذي ينجح فيها ليس هو الأحسن نية, بل الأكثر مكرا و ذكاءا و الأقدر على التأمر, وقد نخلص إلى أن السياسات الخارجية للدول هي في جلها سلسلة مؤامرات. و حتى الدول التي لم تستطع النهوض و اللحاق بركب الدول المتقدمة, لم يكن من المستغرب أن يتجدر في وعيها السياسي بأن كل العالم يتأمر عليها.

إن القواسم المشتركة الكبرى اليوم بين الأفراد على إختلاف مرجعياتهم العقائدية و العرقية و الجغرافية و الثقافية, و التي هي المدخل الأساسي لمفهوم المشترك الإنساني , تدفعنا إلى قراءة الأحداث بعمق و وعي و محاولة إستخلاص الدروس و العبر مما يعيشه العالم حاليا بسبب جائحة كورونا. فإستغلال المشترك الإنساني, يغني التفكير الإنساني و يوفر له السند الفلسفي النظري, للمضي قدما نحو مواطنة عالمية في أفق التكامل و التعاضد بين الأفراد, عوض الإرتداد و الإرتماء إلى قاع الإعتقادات الغامضة الناتجة عن نظرية المؤامرة. لأنه, إذا كان الرهان اليوم هو الإيمان بوجود مجال للتعايش الكوني, فقط ينبغي إكتشافه و بناؤه بعيدا عن “نظرية المؤامرة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.