السنة الأمازيغية.. احتفاء بالهوية وتجديد للصلة بالأرض

0 2٬321

في كل عام، يحتفي المغاربة بالسنة الأمازيغية، احتفالًا لا يقتصر على كونه مناسبة رمزية، بل يمثل لحظة للعودة إلى الجذور والهوية، واستحضار الارتباط العميق بين الإنسان والأرض. هذا الحدث الثقافي، الذي يمتد جذوره عبر آلاف السنين، يعبر عن روح “تامغرابيت”، تلك الهوية الوطنية التي تجمع بين التاريخ والتنوع لتشكل ركيزة أساسية لبناء مغرب حديث ومتجذر في حضارته.

الأمازيغية.. هوية متجذرة في عمق التاريخ

الأمازيغية ليست مجرد لغة أو ثقافة، بل هي العمود الفقري للهوية المغربية، وشاهد على حضارة ضاربة بجذورها في عمق الزمن. تعكس هذه المناسبة اعترافًا بمساهمات الحضارة الأمازيغية في تشكيل الشخصية المغربية، فهي لم تكن فقط وعاءً للغة، بل كانت الأساس الذي وحد المغاربة عبر العصور، من الممالك المورية إلى الدولة العلوية.

الاحتفال بالسنة الأمازيغية يعكس هذا العمق التاريخي، إذ ترتبط بداية التقويم الأمازيغي بحدث زراعي يحمل رمزية عميقة: انتصار الإنسان على الطبيعة وبدء دورة حياة جديدة. وقد أصبح هذا الحدث تقليدًا شعبيًا يجمع المغاربة حول قيم العمل، التعايش، والتواصل مع الأرض.

السنة الأمازيغية.. رمز الوحدة والتنوع

في المغرب، يعبر الاحتفال بالسنة الأمازيغية عن مفهوم الوحدة في التنوع، حيث تشكل الأمازيغية القاعدة الثقافية التي تصب فيها مختلف روافد الهوية المغربية. وبالرغم من تعدد اللغات والعادات، تظل الأمازيغية إطارًا جامعًا يعزز اللحمة الوطنية ويذكرنا بجذورنا المشتركة.

اللغة الأمازيغية، سواء كُتبت أو تحدثت، تحمل في طياتها قصص المقاومة والإبداع والتكيف، وتجسد روح الشعب المغربي عبر القرون. وحتى الدارجة المغربية، التي تبدو للبعض عربية، تحمل بنية لغوية أمازيغية واضحة، مما يؤكد أن الأمازيغية ليست مكونًا منفصلًا، بل جوهر الثقافة المغربية.
استعادة الهوية وتعزيز الفخر الوطني

لم يكن الاحتفاء بالسنة الأمازيغية دائمًا بهذا الزخم. ففي عقود مضت، عانت الأمازيغية من التهميش بفعل سياسات كانت ترى في الهويات المحلية تهديدًا للتوجهات القومية المستوردة. إلا أن مع تولي الملك محمد السادس العرش، بدأت مرحلة جديدة من المصالحة الثقافية والتاريخية. خطاب أجدير عام 2001 كان لحظة فارقة أعادت للأمازيغية مكانتها، وأكدت على ضرورة النهوض بها باعتبارها ركيزة أساسية للهوية الوطنية.

اعتماد الأمازيغية كلغة رسمية في دستور 2011 لم يكن مجرد اعتراف رسمي، بل خطوة عملية نحو تعزيز الفخر الوطني وترسيخ مفهوم تامغرابيت كهوية جامعة. أصبحت الأمازيغية الآن جزءًا من المناهج الدراسية، مما يعزز الوعي الثقافي بين الأجيال الشابة، ويعيد ربط المغاربة بجذورهم العميقة.

السنة الأمازيغية.. فرصة للتنمية الثقافية والاقتصادية

الاحتفال بالسنة الأمازيغية لا يقتصر على الجانب الرمزي، بل يحمل أيضًا بُعدًا تنمويًا. يمثل هذا اليوم فرصة لإبراز التراث الثقافي المغربي المتنوع، من الموسيقى التقليدية إلى الأزياء الأمازيغية والحرف اليدوية. كما يمكن أن يكون هذا الاحتفال منصة للترويج للسياحة الثقافية، حيث يأتي الزوار من داخل المغرب وخارجه للاستمتاع بهذا الحدث الفريد.

علاوة على ذلك، فإن إبراز الهوية الأمازيغية يعزز من مكانة المغرب على الصعيد الدولي كبلد متنوع ومتجذر في تاريخه، مما يجذب اهتمام المستثمرين الذين يرون في الاستقرار الثقافي ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي.
رسالة المستقبل

احتفالنا بالسنة الأمازيغية ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو فرصة لتعزيز الالتزام بمشروع وطني يجعل من التنوع الثقافي ركيزة للتقدم والاستقرار. ولتحقيق ذلك، نوجه توصيات تنبع من رؤيتنا الوطنية، تتمثل فيما يلي:

1. تعزيز مكانة الأمازيغية في كل المجالات: يجب أن تتجاوز الجهود الطابع الرمزي إلى سياسات فعلية تدمج الأمازيغية في التعليم، الإدارة، والإعلام، مع تسريع تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية على أرض الواقع، بما يعكس مكانتها الحقيقية كمكون أساسي للهوية المغربية.

2. تشجيع التنمية الثقافية والاقتصادية في المناطق الأمازيغية: عبر خلق مشاريع تنموية تعتمد على استثمار التراث الأمازيغي في السياحة الثقافية والصناعات التقليدية، وضمان استفادة هذه المناطق من البنية التحتية والخدمات بشكل عادل.

3. تعميق الحوار حول الهوية الوطنية: العمل على خلق فضاءات حوار تشاركي بين مختلف مكونات المجتمع لتعزيز الفهم المتبادل حول الأمازيغية كقضية وطنية جامعة، مع تفادي التوجهات التي تخلق استقطابات غير ضرورية.

4. استثمار الشباب في الترويج للأمازيغية: دعم مبادرات الشباب الإبداعية في مجالات الفن، الأدب، والإعلام التي تبرز الوجه الحديث للأمازيغية وتسهم في تعزيز الفخر بالهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة.

5. توحيد الجهود الحزبية في هذا الملف: على حزب الأصالة والمعاصرة أن يلعب دورًا رياديًا في النهوض بهذا الملف من خلال نهج سياسة حوار شاملة مع مناضليه ومختلف القوى الحية، بهدف بلورة رؤية موحدة وقابلة للتنفيذ.

ونحن في اللجنة الأمازيغية للحزب، نجدد التزامنا الكامل بتسخير كل الإمكانيات والطاقات المتاحة لتحقيق هذا الطموح. سنواصل العمل بلا كلل لتفعيل هذه التوصيات على أرض الواقع، ودفع عجلة التنمية الثقافية والاجتماعية بما يعزز من تماسك الوطن واستقراره.

رسالتنا اليوم هي رسالة أمل وإصرار، تعكس إيماننا الراسخ بمستقبل مشرق لمغرب يعتز بتاريخه، يحتضن تنوعه، ويؤسس لمشروع وطني قوي يعكس طموحات كل المغاربة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس.

الاحتفاء بالسنة الأمازيغية ليس مجرد بداية عام جديد، بل هو تجديد للالتزام بالحفاظ على هويتنا الوطنية التي تجمع بين الأصالة والتنوع. إنها لحظة للاعتزاز بإرثنا الثقافي العريق واستلهام القوة من تاريخنا لبناء مستقبل أفضل. الأمازيغية ليست فقط ماضٍ مضيء، بل هي حاضر ومستقبل يحمل في طياته طموحات أجيال مغربية تؤمن بـ”تامغرابيت” كهوية جامعة وركيزة للتنمية والوحدة الوطنية.

إننا، في حزب الأصالة والمعاصرة، ندرك أهمية هذا الإرث الثقافي، ونجدد العهد على تكثيف جهودنا للحفاظ عليه من خلال نهج سياسة الحوار والتشارك مع مناضلينا وكل القوى الحية في المجتمع. وفي اللجنة الأمازيغية، نؤكد استعدادنا لتسخير كل الإمكانيات والجهود لتحقيق هذا الهدف النبيل وتعزيز مكانة الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة.

ختامًا، نتوجه بأسمى عبارات التهاني إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي يرعى بكل حكمة وحنكة مسيرة الوحدة الوطنية والتعدد الثقافي. ونسأل الله أن يجعل هذا العام الأمازيغي الجديد عامًا حافلًا بالخير والنماء للمغرب والمغاربة كافة. كل عام وأنتم بخير.
ⴰⵙⴳⴳⵯⴰⵙ ⴷ ⴰⵎⴻⴳⴳⴰⵣ

رشيد بوهدوز
رئيس اللجنة الأمازيغية بحزب الأصالة والمعاصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.