كورونا وسؤال المستقبل

0 960

يمر العالم من أزمة وبائية غير مسبوقة في العصر الحديث، فمنذ أزمة الانفلونزا الإسبانية لم يعش العالم ظروفا صحية مشابهة. نحن اليوم أمام عدو خفي يأخد الأرواح والمقاولات ويزعزع الاستقرار ويرهن نستقبل العالم، فكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في حالتنا الوبائية هذه، تشبه إلى حد كبير المؤشرات التي تسجل في زمن الحروب. والمفاهيم الاقتصادية الأكثر تداولا الآن هي : ركود وانكماش وانهيار وتدهور…

لكن هل الحل بيدنا أم أن الموضوع أصبح خارج السيطرة!؟
الجواب هو نعم، فنحن نملك الدواء اللوم لكسر سلسلة انتشار الوباء(corona chain)، وهو المكوت في البيوت. وهنا يسجل الاقتصاد مقاربة علمية غير مسبوقة، فبتعطيل النشاط الاقتصادي والجلوس في البيوت سنتمكن من حماية نظامنا الاقتصادي، كيف ذلك!؟

مثلا في حالة المغرب، كلما التزمنا بالعزلة الصحية كلما كان أجل التوقف (standby time) الاقتصادي منحصرا وضئيلا، حيث أنه بإمكاننا العودة للنشاط الاقتصادي بعد سبعة وعشرين يوما، أما عكس ذلك فمن شأنه توجيه بلادنا لا قدر الله إلى واحدة من أسوء السنوات الاقتصادية في تاريخنا بالنظر الإمكانية الكبيرة للانكماش (recession) (نسبة نمو سلبية) بفعل توقف أنشطة اقتصادية حيوية كقطاع السياحة والخدمات والأنشطة التجارية والمالية.

إن دواء الفيروس الآن هو المكون بالبيوت والعمل عن بعد (télétravail)، خاصة وأن العلوم الاقتصادية تؤكد أنه بعد الأزمات الوبائية، يسجل الاقتصاد انتعاشا غير مسبوق، وتقدما وازدهارا من شأنه الحد من الآثار السابقة للكوارث الصحية. والاقتصاد الوطني اليوم، يحتاج للثقة والتضامن خاصة وأن السلطات قامت بتدابير وإجراءات غير مسبوقة لحمايتنا وحماية قوتنا اليومي، بجانب وضع صندوق مرصد لأمور خصوصية خاص بمحاربة الوباء، وهذه التجربة تؤسس لمسار علمي ملهم يمكن تسميته ب social blended finance.

لقد انهارت الأسواق المالية العالمية، وانهارت أسعار النفط. وهي مناسبة لمراجعة اعدادات (paramètres) الاقتصاد العالمي، من أجل وضع نظام عالمي جديد ومتكافئ الفرص على مستوى التنمية، يجعل من التعاون الدولي والتضامن عنوان لنموذجه الاقتصادي، فقد تبين أن العالم تنقصه المناعة التنموية وتغيب عنه فرص التآزر التنموي مما يعرضنا جميعا لنفس المصير الذي يمكن أن يكون في المستقبل نهاية البشرية.

إن أهم سؤال يجب الإجابة عنه مستقبلا هو كيف يمكننا وضع نظام عالمي لتقوية مناعة البشرية، على المستويات الصحية والتنموية والمالية والتجارية والاقتصادية، لأن زمن الفيروسات الفتاكة حتما لن ينتهي عند كورونا، بل من السهل استشراف أجيال جديدة من الأوبئة القاتلة للبشرية.

إن الرهان اليوم هو بروز جيل جديد من مستويات التضامن بالعالم، جيل مطبوع بالأخلاقيات (éthiques) البعيدة عن جشع الرأسمالية ومحدودية الإشتراكية، جيل الأخلاقيات هي فرصتنا للحفاظ على البشرية، فعكس ذلك سيكون مصيرنا الزوال.

الدكتور نجيب الصومعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.