التحولات الكبرى لعالم ما بعد كورونا

2 920
 

عدي الهيبة

 الحقيقة الحتمية الوحيدة التي نعيشها اليوم هي أن هذا العالم سيتغير ولن يعود كما كان، فكل تفاصيله على وشك الانهيار وإعادة البناء، لذلك فإنه من باب المجازفة العلمية والفكرية طرح أي خلاصات نهائية أو استنتاجات قطعية لواقع عالمي مضطرب يعيش على إيقاع موجات من التحولات والانقلابات المعرفية والاقتصادية والقطائع الإبستمولوجية، فكل ما يمكن أن يطرحه الاجتهاد البشري اليوم يستدعي الإنطلاق من  فرضيات واحتمالات، ويجب على العالم انتظار اختفاء فيروسcorona 19، وصناعة الأدوية المضادة له وطرحها بالسوق الدولية لكي تتحقق.

إذا كيف سيكون العالم بعد القضاء على فيروس كورونا، هل سيكون عالما أقل حروبا وأكثر إنسانية، أم عالما أقل إنفتاحا وأقل عدلا وأقل حرية واقل إنسانية….

 هل ستعيد الحكومات والأنظمة السياسية التي هزمها الفيروس النظر في أولوياتها واختياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلاقاتها الدولية؟

 هل يمكن اعتبار هزيمة أمريكا أمام الفيروس إعلان مباشر  بإنتقال مركز العالم وقيادته من أمريكا إلى الصين؟

وهل ستكون عوامل العزلة الإقتصادية المفروضة والإجراءات الصحية الصارمة وسياسة غلق الحدود من عوامل بروز وعودة القوميات والسلطوية الى الديمقراطيات التقليدية؟

وهل يشكل عودة نظام دولة الرعاية الإجتماعية إلى العديد من الدول التي تعيش لحظات الإنتقالات الديمقراطية فرصة تاريخية للإنتقال السريع إلى الديمقراطية الحقيقية عبر ضمان الحقوق والحريات التي تتأسس عليها منظومة الديمقراطية الإجتماعية ونظام الرعاية الإجتماعية الذي أصبح خيارا عالميا لا رجعة فيها.

بسبب تفشي وباء كورونا عبر أرجاء العالم تحول الشعار الشهير لآدم سميث “دعه يمر، دعه يعمل (Laissez passer, Laissez faire)  إلى شعار آخر أكثر مأساوية “إبقى في بيتك، ومُتْ في بيتك”  (rester chez sois, mourir chez soi). . وجعل اكبر عواصم العالم مدنا أشباحا فارغة، بعد أن كانت فضاءات تعج بالحياة والنشاط الإنساني بكل أوجهه وأشكاله، ولعل من مكر التاريخ أن يتحول النظام الرأسمالي كنظام إقتصادي إلى أفضل بيئة حاضنة لفيروس كورونا مستفيدا من أسواقها وإمتيازاتها وتسهيلاتها وسلعها العابرة للجغرافيا وللشعوب وللأفراد، فقد ظهر الفيروس لأول مرة في الصين ثم إنتشار بعد أسابيع قليلة في كل بقاع العالم، فسياسة دعه يعمل دعه يمر تشمل حتى الفيروسات.

   وأمام الأزمة الوبائية الخطيرة لهدا الفيروس، إنهارت أقوى الأنظمة الصحية في العالم )فرنسا، اسبانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ايطاليا، بريطانيا(، ووضعت أنظمتها الإقتصادية والإجتماعية موضع ضعف وشك وعجز خطير سيجعلها تعيد التفكير في مقومات وأسس أنظمتها الصحية والاجتماعية وسياساتها العمومية في مجال الرعاية الإجتماعية، كما أن هاته الأزمة الوبائية ستكون سببا في بروز أسئلة سياسية عميقة مرتبطة بفعالية الإختيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية لعدد كبير من الدول والحكومات التي عجزت عن محاصرة الوباء، وكذلك التي نجحت نسبيا في تجنب النتائج الكارثية،  لذلك فإن الفيروس القاتل جعل الإنسانية  في حالة من الشك واللايقين شملت جملة من الحقائق وبعض المسلمات العلمية، وكذلك فعالية الأنظمة الإقتصادية والقيم الإجتماعية، ونظم العلاقات الدولية وقوانين الحياة الدولية، وأولويات السياسات العمومية، والقرار السياسي لجل الأنظمة السياسية.

وأصبح العالم أمام إختبارات حقيقية، مرتبطة بالعجز المؤسساتي وإنهيار قيم التضامن الدولي وهشاشة المؤسسات الدولية والإقليمية الاتحاد الأوربي، الأمم المتحدة، حلف الناتو، دول التعاون الخليجي، مجموعة العشرين وهي كلها مؤشرات تحيل إلى نهاية الصيغة الأولى للعولمة في شكلها الأمريكي وإنتقالها إلى الصين كمركز جديد للعالم والقوة، وهو تغيير بدأ بالفعل قبل ظهور الفيروس غير أنه تحقق بالشكل الواضح مع الحديث عن نجاح الصين في السيطرة على القضاء على الفيروس وفشل المنظومة الأمريكية بشكل دريع في ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

2 تعليقات
  1. السباعي مصطفى يقول

    تحليل منطقي يستحق القراءة منذ زمن بعيد و بالضبط منذ مهزلة المؤتمر لم نرى منشورات بهذا الكمية من التحليل و التدقيق مزيدًا من التألق و العطاء للشباب البامي الحقيقي

  2. عزالدين عداد يقول

    مقال مهم يطرح تساؤلات جوهرية، تحياتي الأخ والصديق الهيبة.
    السؤال الآخر والآني هو كيف يمكننا كفاعلين سياسين مساهمين في بناء الدولة، أن نتفاعل ميدانيًا وعلى مستوى خطابنا السياسي ونجعل من المحنة الوبائية فرصة عظيمة لتوطيد وتقوية أواصر الأمة المغربية العريقة؟