كورونا .. طريقنا نحو إعلان السيادة الرقمية(1)
بقدر ما لهذه الجائحة العالمية من آثار سلبية على وضعنا الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا، بقدر ماهي فرصة ذهبية أمام الحكومة المغربية لالتقاط العبر وجرد النواقص وتحديد مكامن الخلل، خاصة وأننا جزء لا يتجزأ من نظام عالمي معولم.
فقد غدت أزمة كورونا اليوم بمثابة ميثاق توجيهي، حلل وضعيتنا وعدد مكامن الخلل بمنظوماتنا القائمة سياسيا، إجتماعيا، واقتصاديا، وأعلن عن حدود عمل نظم إدارتنا المغربية، مع إبراز قدرتها على التفاعل والابتكار الآني في وقت الشدائد والأزمات العارضة.
إن الهدف من هذا المقال إثارة الانتباه في هذه الفترة الخاصة جدا من تاريخ بلادنا إلى تمحيص ثلاث مستويات مركزية وعرضانية انطلاقا من إبراز حاجة بلادنا العاجلة لإعلان التحول الرقمي الوطني بما يحدث أرضية خصبة لإبراز مكانة بلادنا كدولة عربية افريقية سائرة في طريق النمو، مستعدة لخوض غمار التمكين المؤسساتي والترابي الرقمي لمختلف مواطناتها ومواطنيها ( أولا )، وإلى إبراز دور هذا التحول الرقمي على مواكبة أثار ما بعد الجائحة الأزمة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ( ثانيا )، وصولا إلى إبراز التأثير الايجابي لهذا التحول السيادي على تنظيمات الوساطة التقليدية التي تشكل في نظام الحكم ببلادنا قلب نسق العملية الديمقراطية، لما في ذلك من إمكانيات واضحة لإستشراف بداية استرداد الثقة المفقودة في هيئات ومؤسسات الدولة، واستثمار الإجماع الوطني الحاصل بين مكونات الأمة كأحد الخطوط العريضة المحددة لأفق النموذج التنموي المنشود.
لقد أعلنت بلادنا تحت إشراف مباشر لجلالة الملك محمد السادس عن أحد آليات التضامن الوطني إنطلاقا من اندماج الآليات الرقمية المتاحة لتمكين الدعم العمومي، فمبادرة تسجيل المواطنات والمواطنين المتضررين من التداعيات الاجتماعية ” لكوفيد 19″ عن طريق فتح حساب بنكي على الهاتف المحمول قصد التحويل المباشر للمساعدات المالية، سبق أن أسست له دولة الهند في باب تحديد هوية الساكنة، وإذا كان اختيار بلادنا على هذا المستوى من التطابق، فان مقاربة الصدفة هنا غير واردة أمام خيار استراتيجي سبق الإعلان عنه حين تحديد نظام السجل الاجتماعي الموحد من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، كآلية وطنية للدعم المباشر للعائلات الفقيرة، قبل المصادقة عليه من قبل البرلمان المغربي أو نشره بالجريدة الرسمية، وكالتزام أمام المنتظم الدولي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ولاسيما في باب القضاء على الفقر.
لقد عرفت بلادنا العديد من المبادرات المحمودة للسير في طريق إحداث الإدارة والاقتصاد الرقميين، فتعميم الخزينة العامة للملكة نظام الضرائب بواسطة البنوك وتبسيط الإجراءات والمساطر لدى العديد من الإدارات، من بينها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي أحدت منصة التصريح والأداء الالكترونيين، ووزارة العدل بالنسبة للولوج إلى المعلومة القضائية، والوكالة الحضرية بالنسبة للمعلومة العمرانية، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي عن طريق المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، والمديرية العامة للأمن الوطني عن طريق البطاقة الوطنية وجواز السفر البيومتريين، إلى غير ذلك من المبادرات…، تضل محدودة الأثر على الحياة اليومية للمواطن بسبب تشتتها، إذ لا يعقل أن تلتمس مؤسسة أو إدارة عمومية وثيقة رسمية سبق لوثيقة رسمية أخرى أن نسخت العمل بها، وهو الأمر الذي يفسر بالتغاضي الرسمي عن تطبيق القانون 35.06 المحدثة بموجبه البطاقة الوطنية الالكترونية، والذي يحيلنا على التقرير التقييمي للمجلس الأعلى للحسابات الذي أعلن عن فشل مخطط المغرب الرقمي 2013 في تحقيق أهدافه المعلنة، وعليه تحتل بلادنا الرتبة 64 في تصنيف البلدان اعتمادا على أثر تكنولوجيا الإعلام والاتصال على الصعيد الاجتماعي، وتحتل الرتبة 120 على الصعيد الاقتصادي، والرتبة 83 من حيث الأثر العام لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، في حين أن دولا انخرطت قبل سنوات قليلة في إستراتيجية رقمية مندمجة وشمولية ارتقت سواء على مستوى الأثر العام لتكنولوجيا الاعلام والاتصال اقتصاديا واجتماعيا، انه تعبير عن إرادة سياسية طموحة لتحقيق هذا التحول.
ان الحاجة اليوم كبيرة إلى إستراتيجية شمولية ومندمجة لرقمنة الدولة كإعلان يلي بداية ترصيد الإجماع الوطني الحاصل إبان فترة فرض حالة الطوارئ الصحية، كمدخل لتحقيق القطائع الضرورية والإصلاحات العميقة لحكامة أكتر فعالية تجعل من مؤسسات بلادنا أكثر قربا من المواطنين.
ذ محمد التويمي بنجلون
نائب رئيس مجلس النواب