قراءة في مشروع قانون ” الكمامة”

0 1٬060

أثار مشروع القانون رقم 22.20 الذي أصبح معروفا باسم “الكمامة” سخطا عارما لدى الرأي العام الوطني، نظرا لما يحمله من انتكاسة حقيقية على مستوى التراكم الذي حققته بلادنا في مسيرة استكمال بناء الدولة العصرية، كما أن الفلسفة التشريعية التي بني عليها تنهل من القاموس التشريعي للقرون الوسطى. وبحكم أنه تشريع قانوني تحكمه خلفية سياسية معينة، لا بأس من القيام بمحاولة في فهم هذه الخلفية من خلال التطرق إلى العناصر الآتية:

أولا : من خلال قراءة أولية للمسودة، يتضح أنها تحاول الإجابة بطريقة ما عن المقاطعة الشعبية التي عاشتها بلادنا خلال سنة 2017 لمجموعة من المنتوجات التي لها علاقة ببعض الشركات. وهي مقاطعة كبدت تلك الشركات المعنية خسائر كبيرة، الأمر الذي دفعها إلى التجاوب مع المطالب الشعبية في حدود معينة. بعد ذلك رجعت المياه إلى مجاريها، واسترجعت تلك الشركات عافيتها. لكن الشركات المرتبطة بالفاعل السياسي لم تسترجع عافيتها على مستوى الصورة الرمزية وليس على مستوى الأرباح. ومادام أن الخلفية السياسية للمقاطعة صبت في اتجاه إلتهام صورة فاعل سياسي بعينه، نتيجة تشكل وعي ثائر لدى المغاربة على صورة الفاعل السياسي المتحكم في الإقتصاد، فإن هذا الفاعل له امتداد أكبر داخل الحكومة، وبالتالي سوف يسعى دوما إلى البحث عن الصيغة التي سوف تمكنه من إزالة حبل المشنقة السياسية ( المقاطعة) من على عنقه، لكي يتمكن من إبعاد كابوس المقاطعة عن طموحاته السياسية لقيادة مرحلة ما بعد 2021. ولعل من بين محفزات هذا الفاعل السياسي التي جعلته يتنفس الصعداء ويتسرب لديه نوع من الإطمئنان الشعبي في العلاقة بشخصه، مساهمته بمبلغ هام في صندوق مكافحة وباء كورونا المستجد. لذلك فمن غير المستبعد أن يكون قد تبين له أن هذه هي الفترة المناسبة لتمرير هذا القانون وتعبيد الطريق أمامه لبلوغ المحطة المقبلة بأريحية تامة.
ما يزيد من رجاحة هذا الإحتمال هو الإجتماع الذي عقده حزب هذا الفاعل السياسي المتضرر من المقاطعة مع حزب الوزير الذي إقترح مشروع قانون 22.20، وصدر عن الإجتماع المنعقد بتاريخ 12 مارس 2020 بيان تضمن إشارة مهمة تقول (… فإن الحزبين يعبران عن دعمهما التام لوزير العدل في سعيه إلى تسريع وثيرة إصلاح منظومة العدالة…)، وهي إشارة على أنه كان هناك تنسيق ما بين مكونين حزبيين داخل الحكومة وهو أمر عادي جدا، كانت من بين ثماره مشروع قانون يزيح كابوس المقاطعة من أمام الفاعل السياسي الذي التهمته المقاطعة سياسيا، بينما ما يجنيه حزب الوزير سوف تجيب عنه الأيام القادمة. أضف إلى ذلك دعوة الكاتب العام لحزب الوردة إلى حكومة وطنية، مع العلم أن حزب الوردة يوجد داخل الحكومة المشكلة أصلا من خمسة أحزاب، وهو ما يؤشر سياسيا على أنها دعوة من أجل ضمان الإجماع ما بين الأحزاب على تمرير القانون 22.20 داخل البرلمان.

ثانيا : نعلم جيدا أن الصراع حامي الوطيس من داخل الحكومة منذ بداية تشكيلها، ما بين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار، وهذا الصراع يتخذ أشكالا علانية وسرية، يريد كل حزب منهما أن يطيح بشريكه كلما كانت الفرصة مواتية لذلك. وبحكم أن حزب العدالة والتنمية يتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية، على مستوى جميع ما يشرع من قوانين، لأنه هو الذي يقود الحكومة، فإن أي تحليل يريد أن يستبعد تورط حزب العدالة والتنمية في هذه الورطة السياسية، يبقى تحليلا متحيزا. حزب العدالة والتنمية له قناعة راسخة لا يمكن أن تتزحزح مهما حاول حزب التجمع الوطني للأحرار ذلك، وهي أنه لا يمكن أبدا للأحرار أن يلحق الهزيمة به، وبالتالي فإن قانون مثل قانون الكمامة سوف لن يغير من المعادلة الإنتخابية خلال محطة 2021، وبقدر ما يحمل منافع لخصمهم سوف يحملها أيضا لهم. لقد تبين لنا في العديد من المرات أن رئيس الحكومة يدبر أغلبيته الحكومية بمنطق الحفاظ على الأغلبية وإلحاق الضربات القوية لشركائه، من خلال تقسيم الحصيلة الحكومية ما بين حصيلة وزراء العدالة والتنمية وحصيلة وزراء باقي الأحزاب، لذلك فحرب التسريبات هي السلاح الذي يعطي مفعوله في الحفاظ على صورة الذات وحرق ما عداها. لكل ذلك فمن غير المستبعد أن يكون حزب العدالة والتنمية قد تعاطى مع هذا القانون تعاطيا انتهازيا صرفا؛ إن تم القبول به وتمريره فهو كذلك، وإن لم يتم ذلك سوف نعلن للرأي العام أننا غير معنيين به وأنه صادر عن وزير من حزب أخر بإيعاز من حزب التجمع الوطني للأحرار، وبالتالي سوف يوجه لشريكيه ضربة قوية مؤلمة للأحرار أكثر من الإتحاديين. وإذا ما صح هذا التحليل، فإن حزب العدالة والتنمية يتحمل مسؤولية كبيرة بالنسبة لمشروع قانون الكمامة.

ثالثا : لا يمكن أن نختلف كثيرا حول أن الهرولة اتجاه المحطة الإنتخابية المقبلة هي التي تقف وراء محاولة تمرير هذا القانون المستفز، أو على الأقل هي التي لها النسبة الأكبر، وهذا ما يجعل منه مؤامرة سياسية بامتياز. كيف يمكن التفكير في محطة 2021 بمنطق تفكير قديم، من طرف من يحكمون اليوم ويسعون بدون حصيلة ولا إنجازات إلى الحكم مستقبلا. إن هذا الأمر فيه إهانة كبيرة للمواطنين ولعموم الرأي العام، فهذه الأحزاب التي تتصارع اليوم حد التناحر فيما بينها، يكون المواطن هو ضحيتها الأولى في نهاية المطاف، فهي تسعى إلى التسابق لمحطة قادمة دون أدنى إهتمام بما قدمت، لأنها تعرف جيدا أن منطق الإنتخابات لا تتحكم فيه الحصيلة والإنجازات، فلذلك هي غير مبالية بذلك، وغير مبالية أيضا بالظرف الدقيق الذي يمر منه المغاربة بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا.
عموما إننا في حاجة ماسة إلى فاعلين سياسيين صادقين، يتعاملون مع بلادهم بمنطق العطاء بلا حدود وليس بمنطق الهمزة والمصلحة الشخصية الضيقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.