المغرب وآثار كورونا

0 750

محمد بنعزوزة

بداية كمقدمة بسيطة على الوضع الدولي:

إن الحديث عن الوضعية العالمية اليوم للوباء يطرح علينا أكثر من علامة استفهام جراء استفحال انتشار جائحة كورونا أو حصارها؛ إذ ضربت الكرة الأرضية، و تكشفت عن اختلالات عدد من الأنظمة سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

والواقع أن جائحة كورونا هي ذلك الوباء القاتل الذي يحمل بين ثناياه إشراقة غد جديد؛ فجل دول العالم ولاسيما دول الثالوث العالمي المتنفذ سواء الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرهم، معظمهم عانوا أيما معاناة وعجزوا في التعاطي مع مجريات الفيروس، سواء من حيت البحت على إيجاد لقاح فعال او من خلال الوقاية من الاصابة به. كيف لا وايطاليا اليوم تكبدت خسائر بشرية في طريقها للمليون وفاة امام شلل في القطاع الصحي إن على صعيد المعدات أو على مستوى الخصاص البشري. ونفس الشيء ينطبق على فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. هي دول إذا تستنزف موارد وميزانيات من أجل تمويل أنشطة و مجالات كانت الضخامة بما كان. بيد أن قوتها كادت تتهاوى أو تنهار في مواجهة الفيروس؛ بل إنها لم تدخر وسعا في النهوض بمقومات البحت العلمي بالقطاع الصحي. فهذه الدول التي تعد قوى عالمية لم تجد ترياقا ولا علاجا للتصدي العالمي لهذا الزحف الفتاك للعدو الخفي.

فكما سبق الذكر، فإن ميزانيات ضخمة يتم تخصيصها لقطاعات يمكن عدّها ثانوية، بينما قطاعات أساسية كالصحة والبحت العلمي تعرف نوعا من التهميش وخير دليل على ذلك، ثروات الرياضيين والمشاهير من الفنانين، قياسا إلى الموارد والإمكانيات المخصصة للمنظومة الصحية.

وفي إطار الحديث عن الظرفية الراهنة وإعطاء النموذج بالمغرب، فرض علينا هذا الانتشار الخاص للفيروس، إعادة النظر في عدة قطاعات ونظم وممارسات سواء فيما يخص سن تشريعات وتدبير سياسات عمومية وقطاعات حيوية أو فيما يخص تعاملنا كمواطنين ومستهلكين تجاه هذه المجالات والقضايا المعينة.

فيما اننا نتحدث عن جائحة وبائية فيجب الاشارة بداية إلى مجال البحت العلمي الذي يعاني فقرا سواء من حيث الانتاج او من حيث الموارد المالية المخصصة له. فما يؤخذ على الدولة في تقديري أنها لا تستثمر في البحت العلمي بالشكل المطلوب، على غرار دول أخرى تخصص نصف ميزانياتها لتطوير وخدمة البحت العلمي على نحو متبصر بالمخاطر والتوقعات المستقبلية، فلا يتعلق الأمر هنا بمشكل ندرة الكفاءات الوطنية، وإنما يكاد ينحصر الإشكال في متغير الدعم والمساعدة . وهل لنا أن نتنكر لثلة من الشباب المغربي الذين لم يلبثوا أن استشرفوا مسيس حاجتنا لتصنيع محلي لأجهزة سرعان ما تسابقت دول كثيرة في استيرادها قصد المساعدة في تدبير جائحة والوقاية؟ من قبيل أجهزة للتعقيم وكمامات كهربائية تضطلع بتصفية الهواء من الشوائب، وأجهزة للتنفس الاصطناعي للأشخاص الذين يوجدون في العناية المركزة. على إثر ذلك، لم تترد الدولة ممثلة في الوزارة الوصية على القطاع بتقديم منح لكل من ساهم في تطوير العلاج، ومن ثمة القيام بالرفع من نسبة الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع البحت العلمي وعيا منها بأهمية البحث العلمي.

وتأسيسا على ذلك، فإن كل حديث على قطاع البحت العلمي لا ينفك عن الإشارة إلى التعليم؛ فهذا القطاع الحيوي لايزال متضررا رغم كل محاولات الاصلاح ، بل ان توقفه جراء الجائحة أبان عن ضعف اعتراه في مجال الرقمنة والتعليم عن بعد. لاسيما وأن عددا من الأسر واجهت صعوبات اجتماعية واقتصادية مما جعل الناشئة من فلذات أكبادها غير قادرين على متابعة الدروس عن بعد. ونخص بالذكر هنا ساكنة الوسطين القروي وشبه الحضري، بل إن الغالبية العظمى من هذه الشرائح الاجتماعية لا تتوافر حتى على شاشات التلفاز وأحيانا يعوزها الربط بشبكة الكهرباء، فكيف بصبيب الأنترنت؟

يحسن بنا الإشارة في هذا السياق إلى ميدان الاعلام الدي طالما كان يساهم في نشر ثيمات وقضايا أقل ما يقال عنها أنها تافهة ورديئة. بل ويساهم أحيانا في نشر ثقافة التشهير والترويج للضحالة والتسطيح وجعل بعض التافهين الذين أضحوا مشاهير يتصدرون الفضاء العمومي، بدلا من تكريس تقليد ملامسة القضايا الفكرية والثقافية والعلمية الرصينة والجادة التي من شأنها المساهمة في الإعلاء من مكانة أهل الاختصاص. وعلى ذلك، فإن مسؤولية الاعلام الأخلاقية ثابتة، بالنظر إلى مساهمته المباشرة في تغييب الوعي وتجهيل فئة عريضة من المجتمع ، انطلاقا من بث برامج وتصورات نحصد اليوم تداعياتها، ولا أدل على ذلك من انعدام وعي المواطن بمخاطر الفيروس و اللامبالاة في التعامل مع التطورات الخاصة بالوباء، حيت نجد اليوم فئة مهمشة تخترق الحجر الصحي وتتجول بالأزقة والشوارع بدون مبررات تنم عن قصور في الحس القيمي الذي يتجذر وينمو بقوة داخل بيئة إعلامية وتربوية حاضنة.

لكل هذه الاعتبارات فقد تبين لنا بما لا يدع للشك مجالا، أن الوباء ما فتئ أن أماط اللثام عن واقع قطاع الصحة ببلادنا ؛ بحكم ضعف البنيات التحتية والتجهيزات بمستشفيات البلاد. فلولا الحجر الصحي واجبارية حالة الطوارئ لكنا اليوم نحصد اعداد خيالية من المصابين كانت ستجعلنا نهبا للوباء.

اضافة إلى ان القطاع الاجتماعي أصبح قطاعا مهما في مثل هذه الظرفيات كيف لا وان عددا من المقاولات والقطاعات اغلقت بسبب التدابير الاحترازية ما جعل صندوق الضمان الاجتماعي يتكلف بمنخرطيه فيما الاشخاص الذين لا يتوفرون على خدمات اجتماعية او غير مسجلون فيها وجدوا أنفسهم امام عائق كبير فهذا يمكن استغلاله ايجابيا في المستقبل حيت المرء لن يبقى يفكر في العمل فقط بل سيبحت على ضمان حقوقه وتأميناته الصحية والاجتماعية قبل ضمان عمله وأجرته لمجرات الازمات الاقتصادية والجائحات الصحية بشكل مطمئن.

وجائحة كورونا بينت لنا عقم الساحة السياسية سواء من حيت الاغلبية او حتى فئة من المعارضة والمؤسسات الحزبية بشكل عام تبين فشلها في مجاراة وضعية البلاد امام هذه الجائحة ودالك لهشاشتها وفقرها من حيت الكفاءات والبرامج الحقيقية ما جعل السلطة الأعلى بالبلاد تلجئ لحل التعيين التكنقراط لتسير الوزارات والقطاعات الحيوية بالبلاد امام ضعف النخب الحزبية

الوباء كذاك فرض علينا إعادة النظر في المجال الاقتصادي للبلاد فقد تبين لنا هشاشة الاقتصاد عند توقف مختلف القطاعات والمعاملات خاصة الخارجية للدولة

فقطاع الفلاحة ليس بالقطاع القوي لتقوية الاقتصاد فمع الحصار الدولي وغلق عدد من الدول حدودها سنجد صعوبة خصوصا وان اقتصادنا مرتبط بما هر فلاحي بل حتى في الايام العادية كان قطاع الفلاحي يعرف اتلاف لعدد من المنتوجات بسبب رفض بعض الدول المصدر لها الحصول على تلك المنتوجات ما يجعلنا اليوم امام ضرورة اعادة النظر في قطاع الفلاحة وعدم جعله القطاع التصديري والحيوي فقط بينما السياحة الوطنية عرفت عجز لم يسبق. له مثيل خصوصا مع غلق الحدود وفرض الحجر الصحي ما جعل عدد من المهن الخاصة والمرتبطة بقطاع السياحة تنهار خصوصا ان القطاع يشغل فئة مهمة من الاشخاص ويساهم في تقليص معدلات البطالة.

نفس الشيء مطروح لقطاع الصناعة الذي يعرف توقف في التصنيع والتصدير وهو قطاع مرتبط بصناعات معينة تبين عدم أهميتها في ظرفية كظرفية اليوم ما يفرض ضرورة إيجاد صناعات واستمارات لخلق صناعة بديلة مواكبة لكل التطورات.

ونحن في نقاش حول المغرب و اتار الوباء فالمؤسسة الدينية التي لا طالما كانت مستفيدة من امتيازات ومكانة سامية اتضح اليوم انها لم تعطي إضافة بل ساهمة في استنزاف ميزانية الدولة وادت احيانا إلى عرقلة بعض المشاريع التنويرية والحداثية بالبلاد بل ان بعض الشيوخ ساهموا في التشويش على عقول ووعي فئة من المواطنين فالمطلوب هو إعادة النظر مستقبلا في مكانتها وسحب جزء من امتيازاتها ومواردها وتحويله لقطاعات حيوية فمصير المغرب رهين بها كالصحة والتعليم والبحت العلمي بينما قطاع الشؤون الإسلامية و الدينية يجب جعله قطاع ثانوي وليس تسبيقه على قطاعات تعتبر مفتاح ريادة اي دولة ناجحة

ونحن اليوم امام عدو بيولوجي خفي سلاحنا للتغلب عليه هو سلاح البحت العلمي والتكنولوجيا والعلم والطب بالخصوص. فما دور وأهمية رجال الدين ودعاة الفكر الاسلامي؟ أين اختفوا عندما أصبح الأمر مرتبط بما هو تجريبي وعلمي؟ ما يمكن استخلاصه هو ان هدفهم دائما في استغلال الدين في خدمة مصالحهم والتأثير على فئة من المجتمع عبر توظيف الخطاب الديني لغرض ترويج اسلامهم السياسي الذي لا مكانة له في دولة معاصرة اليوم.

ومن حسنات الوباء انه اعطانا فرصة لمعرفة صديق الوطن ومحب الوطن من عدو الوطن فعدة جهات حاولت استغلال الجائحة لامتصاص دماء واموال المغاربة عبر ترويجها لمنتوجاتها إضافة إلى استيلائها على جيوب المغاربة في قطاعات عدة سواء مالية او تعليمية لأن هدف هذه الفئة هو الاغتناء على حساب مصلحة المواطنين والوطن بل الوقاحة تتجلى حتى في طلب الدعم من صندوق تدبير الجائحة.

الجائحة كذاك تجعلنا نحاول إعطاء واعادة الثقة في النخبة السياسية سواء من حيت اعادة صياغة الحوار والبرنامج السياسي او من خلال إعطاء فرصة للشباب في الممارسة السياسية ودالك لتمكين الكفاءات من الاشتغال، كل هذا يساهم في اعادة الثقة للنخبة السياسية والمؤسسة الحزبية.

مع الإشادة بالمبادرات الملكية منذ بداية الجائحة سواء من حيت خلق صندوق للمساهمة في القضاء على كورونا او من حيت الدعوة لتحسين الخدمات الصحية للمصابين او عبر خلق مستشفيات ميدانية عسكرية ببعض المدن كل هذا يبين لنا ضعف الطبقة الحزبية او المنتخبة فالسلطة العليا المركزية للبلاد وجدت نفسها مضطرة إلى التدخل لإصلاح وتدبير الوضع امام عقم الاغلبية الحكومية والحزبية في تدبير الجائحة والتعامل مع قطاعات حيوية ومتضررة

إضافة إلى التدابير المتخذة من قطاع الداخلية المتمثل في الولاة والعمال والقياد الذين ساهموا في سياسة التوعية والحفاظ على الأمن الصحي والاستقرار بجل مدن واحياء البلاد

وهذا يبين مرة أخرى عجز النخبة السياسية والحزبية فكل المدن لها منتخبين ورؤساء جماعات واقاليم وجهات كان عليها العمل على توعية ساكنتها وخلق سياسة تواصلية مع الساكنة. لكن العقم والعجز وغياب التقه في النخبة السياسية والحزبية جعل الدولة في قطاعتها المركزية تتدخل وتذبر الواقع المعاش.

إضافة إلى ان الفيروس وضح لنا قيمة التضامن والتسامح والوطنية لدى مغاربة سواء من حيت التبرعات في صندوق المخصص او من حيت المبادرات الانسانية للمغاربة فيما بينهم فكل هذا بين لنا وحدة المغاربة رغم ما يظهر للعلن من تفكك وغياب العلاقات الاجتماعية بين المواطنين بل حتى داخل الأسر والحجر الصحي خير دليل انه جعل بعض الأشخاص يعيشون وقت ويتعرفون على ابائهم ار أولادهم بالشكل المطلوب ففي الايام العادية يكون المرء في حالة انشغال وغياب على محيطه الاسري

والوباء كذألك أوضح لنا ضرورة إعادة النظر في سلوكيات عدة سواء من حيت ارجاع بعض الأشخاص مشاهير او عدم الالتفاتة لميادين علمية وفكرية واكاديمية لها دور في المساهمة في نمو ونهضة المجتمع والبلاد والبداية تنطلق من تعقيم وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي من كل ما ينتج الرداءة والتفاهة ويساهم فيها وفي محاربة كل من يحاول استحمار عقول المواطنين وتجميد وعيهم.

اضافة إلا ان الوباء جعل البلاد يعرف تنويه دولي من عدة دول سواء من حيت تعامله في مجرات الحجر الصحي وحالة الطوارئ او من حيت صناعة كمامات محلية الصنع لتوزيعها على المغاربة كإجراء للوقاية ما جعل عدة حكومات تطلب من المغرب التصدير او تشييد بسياسته في صنعه للكمامات في معدل قصير.

إضافة الا ان الحجر الصحي والوباء جعل مجالات النقاش و ندوات الحوار عن بعد ترتفع سواء الحديث في ميادين اقتصادية او سياسية او تربوية وبالتالي ظهور اهمية للحوار والنقاش المفيد لخلق تغيير للمستقبل.

اخيرا كل ما يمكن قوله ان الوباء يجب استثماره ايجابيا من خلال أحد العبرة من سلوكيات وسياسات سابقة لم تنتج لنا شيء اليوم ومع ضرورة إعادة النظر في قطاعات حيوية لغرض بناء دولة قوية للغد.

بما اننا نتحدث عن مشروع تنموي لغرض تنمية ونهضة البلاد فالجائحة يمكن استثمارها واعتبارها فرصة لتوضيح اماكن الخلل في تذبير قطاعات. عمومية وسياسات سابقة.

لذلك وجب إعادة هيكلة عدة مجالات لتحقيق مشروع تنموي ناجح يخلق قطيعة مع الماضي ومع سياسات وممارسات الماضي التي لم تعطي اي اضافة او تمار في عصر اليوم عصر أصبح ضروري فيه التجند الايجابي والفعال للبقاء ضمن الدول التي تهدف للوصول يوما ما للريادة الدولية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.