وهبي يكتب: بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر تضامن وتحية عالية لكل مغاربة العالم
عبد اللطيف وهبي
منذ أن أقر صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله سنة 2003 يوم 10 غشت من كل سنة يوما وطنيا للمهاجر، والمغرب يحتفل بهذه المناسبة، لتحية مغاربة العالم، ولتعزيز أواصر الصلة بين هؤلاء والوطن الأم، وإبراز مختلف الروابط التي يعبرون بها على تمسكهم بوطنهم وخدمته، سواء من خلال حسن اندماجهم في بلدان الإقامة التي يعتبرون فيها على الدوام سفراء لبلدهم، أومن خلال الأدوار التي يطلعون بها للمساهمة في تقدم وطنهم الأصلي عبر استثمارات اقتصادية، أو من خلال التحويلات المالية الهامة، أو عبر جعل تجربتهم العلمية والاقتصادية والثقافية في خدمة الوطن و الشعب المغربي.
ويأتي احتفال هذه السنة اليوم “10 غشت 2020” في ظروف استثنائية غير مسبوقة، بسبب انتشار فيروس “كوفيد 19” عبر مختلف دول العالم، وما نجم عنه من تداعيات وخيمة على الاقتصاديات الدولية، الأمر الذي كان له الأثر السلبي على الجالية المغربية، مما جعل معاناتها مزدوجة هذه السنة، مواجهة إكراهات الغربة وصراعات الحفاظ على مقومات التمغربيت و بعض المشاكل الإدارية الكلاسيكية، تم تداعيات الجائحة اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا.
لقد عاشت الجالية المغربية لحظات جد عصيبة منذ تفشي الفيروس اللعين، فاقمت من صعوبتها الظروف الاجتماعية الهشة التي تعيشها أغلب الأسر المغربية بالخارج، وزادها الحجر الصحي حدة؛ وبعد هذا الضغط النفسي الرهيب لشهور وما تلاه من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، ستواجه الجالية صدمة أخرى، أكثر وقعا من صدمة الحجر، وهي إغلاق الحدود في وجهها، ومنع ملايين المغاربة من ربط جسور التواصل الذاتي والروحي مع الوطن وفضاء العائلة، فبات هؤلاء بعد عقود من تقاليد وأعراف وعادات العطلة وسط أحضان الوطن، ممنوعون من السفر.
لذلك، وفي ظل هذه الظروف والمشاكل المزدوجة التي أضحت تعانيها الجالية المغربية، بات مطلوب من الحكومة تخليد هذه المناسبة لهذه السنة بطريقة استثنائية، تستشعر دقة اللحظة وحاجة الجالية المغربية لوقفة حقيقية من الحكومة، لا لخطابات دغدغة العواطف و المواساة النفسية، تستحضر حاجة الجالية المغربية لتحركات قوية وفورية من الحكومة، سواء عبر قطاعاتها الوزارية المعنية داخل المملكة، أو من خلال تمثيلياتها الدبلوماسية بالخارج، فالجالية المغربية في حاجة ماسة إلى اهتمام حقيقي لحل مشاكلها، عبر ما تسمح به وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة، والتخفيف من حدة و إكراهات الآجال القانونية، وتطوير كل الآليات الإدارية التي قد تمكن من حل مشاكل الجالية، و الاستجابة الفورية لمطالبها والتخفيف من حدة الأزمات التي تعيشها هذه السنة.
ونحن في حزب الأصالة والمعاصرة ندرك جيدا أن الجالية المغربية تعيش ظروفا استثنائية، تتطلب من الحكومة تعبئة استثنائية توازي الواقع الجديد للجالية المغربية وحاجتها الملحة لعمليات إدارة القرب في كل مناطق ومدن العالم، لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وتفعيل الشباك الوحيد بالخارج كآلية ناجعة وفعالة لحل مشاكل الجالية ولتشجيعها على الاستثمار بالوطن الأم.
إننا ندعو الحكومة إلى الالتفاتة كذلك إلى الجانب النفسي للجالية، وإلى جميع جوانب الحماية الاجتماعية والاقتصادية ولاسيما في ظل ظروف الجائحة، والعمل على مصاحبة مغاربة العالم في السعي نحو تحصين مكتسباتهم وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية بالخارج، كما نؤكد أن العناية بالهوية المغربية الأصيلة والتأطير الثقافي المغربي عبر القيم الدينية الوسطية، ومقومات الثقافة والحضارة المغربية، التي ظلت مطالب الجيل الأول من المهاجرين، وفرضت نفسها مع الجيل الثاني، باتت اليوم مع الجيل الثالث من أولى الأولويات.
ولأن كانت الحاجة لتفعيل مقتضيات الدستور، لضمان مشاركة مغاربة العالم في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية بالمغرب مسألة ضرورية في السنوات السابقة، فإن تداعيات الجائحة لهذه السنة، أكدت أكثر من أي وقت مضى أن خلق تمثيلية للجالية داخل المؤسسة التشريعية الوطنية بات مطلبا مستعجلا، لذلك نحن في حزب الأصالة والمعاصرة ندرك جيدا أهمية عملية إشراك مغاربة العالم في الحياة السياسية الوطنية، والاستفادة من قدراتهم الفكرية ونجاحاتهم السياسية الباهرة في دول المهجر، إذ بات نساء ورجال مغاربة المهجر نموذجا للقادة السياسيين المتميزين، سواء كبرلمانيين في برلمانات العالم، أو كمسؤولين حكوميين بدول المهجر، أو كمنتخبين محليين وعمداء مدن من طينة عالية جدا، أمست الساحة السياسية الوطنية في حاجة لخبرتهم الدولية ولرصيد علاقاتهم السياسية والدبلوماسية العالمية.
لذلك اقترحنا رفقة باقي أحزاب المعارضة في المذكرة المشتركة التي رفعناها لوزارة الداخلية حول الإصلاحات السياسية والقانونية الممكنة بمناسبة الاستحقاقات القادمة، ضرورة تفعيل مضمون الفصل 17 من الدستور الذي يكفل للمغاربة المقيمين بالخارج حقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت وحق الترشيح، ومن ثم اقترحنا حضور تمثيلية الجالية المغربية بمجلس النواب عبر ترشيحات تقدم في إطار اللائحة الوطنية “التي اقترحنا أن تصبح جهوية”.
أما على المستوى الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة في علاقته بمغاربة المهجر، فإننا نؤكد بهذه المناسبة على أن الحزب يعي تمام الوعي الأهمية التي تكتسيها قضية الهجرة والمهاجرين المغاربة في عالم اليوم، فنحن عزمنا مباشرة بعد المؤتمر الوطني الأخير منح مكانة حقيقية وفاعلة لمناضلات ومناضلي الحزب من مغاربة العالم، ورغم ظروف الجائحة التي أجلت عقد اجتماع المجلس الوطني الذي كنا سنعلن خلاله عن تنزيل هذه الرؤية، فإننا لا زلنا عازمين على بلورة شكل جديد وإطار جديد داخل الحزب للتفكير في قضايا الجالية، إما عبارة عن مجلس موسع، أو لجنة موسعة داخل الحزب، ستكون مختبرا و مشتلا حقيقيا يسمح بفسح المجال للأدوار السياسية والثقافية التي تعمق إسهامات مناضلات ومناضلي الحزب من مغاربة العالم، كما سنسعى إلى جعله فضاء عاما مفتوحا في وجه جميع أطر وكفاءات وفعاليات الجالية المغربية بالخارج، من خلال احتضان الحزب لمؤتمر سنوي يجمع فعاليات مغاربة العالم من مختلف المشارب والانتماءات والقارات، ليس لتنمية الرصيد الفكري لحزب الأصالة والمعاصرة في تعاطيه مع قضية مغاربة العالم فحسب، ولكن كذلك لإغناء رؤيته ووضع الكثير من الخلاصات رهن إشارة جميع المعنيين بالدفاع عن القضايا العادلة لمغاربة العالم، سواء كانوا حكومة أو برلمان، جمعيات ومنظمات حكومية وغير حكومية، وطنية ودولية.
وختاما، لا يسعنا بهذه المناسبة، إلا أن نتقدم بتعازينا الحارة والصادقة لكل العائلات المغربية بالخارج التي فقدت بعض أقربائها جراء هذا الفيروس اللعين، حيث بلغ عدد الوفيات وسط الجالية المغربية بالخارج جراء فيروس كوفيد 19 حوالي 500 مواطنة ومواطن؛ آملين من العلي القدير أن يرحم المتوفين، ويرزق أهلهم الصبر والسلوان، ويشفي باقي المصابين.
وكذلك نغتنم هذه المناسبة لنشد بحرارة على أيدي جميع إخواننا المغاربة بديار المهجر على قيم تضامنهم وتآزرهم فيما بينهم، ومع إخوانهم بأرض الوطن، كما نحيي جميع مناضلات ومناضلي حزب الأصالة والمعاصرة بالخارج، ونجدد الثناء على مختلف الجهود التي انخرطوا فيها سواء لمساندة الجالية المغربية بالخارج، أو بمناسبة تلبيتهم لنداء الحزب في العمل على تقديم مختلف أنواع الدعم لإخوانهم المواطنين المغاربة العالقين بسبب الجائحة، آملين من القوي العزيز أن يخفف عن بلادنا وسائر بلدان العالم هذا الوباء، ويعم العالم السكينة والسلام، وكل عام ومغاربة المهجر بألف خير.
الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة