البام.. ورهان التفعيل الشامل للأمازيغية

0 1٬116

رشيد بوهدوز
رئيس اللجنة الأمازيغية بحزب الأصالة والمعاصرةتحديات تفعيل الأمازيغية: أين الخلل؟

يُشكل غياب مخطط حكومي متكامل أحد أبرز العوائق أمام تفعيل الأمازيغية، إذ بدلاً من اعتماد استراتيجية مندمجة، نجد إجراءات متفرقة وغير مترابطة، تفتقر إلى رؤية واضحة تربط بين مختلف القطاعات الأساسية، مثل التعليم، الثقافة، الإدارة، الإعلام، والقضاء. ورغم الجهود المبذولة في هذا الإطار، إلا أنها لا تستند إلى مقاربة تكاملية تضمن حضورًا فعليًا ومستدامًا للأمازيغية في جميع المجالات.

ويزداد الأمر تعقيدًا في ظل غياب آلية إلزامية ومؤسسة متخصصة تتولى متابعة تنفيذ المشاريع وتقييم مدى نجاعتها. هذا الفراغ المؤسساتي يجعل الأمازيغية خاضعة للاجتهادات الفردية والقرارات المزاجية، كما يظهر جليًا في بعض القطاعات، مثل التعليم، حيث قد يتخذ مدير المؤسسة أو أحد الأساتذة قرارًا فرديًا بمنع تدريس الأمازيغية أو توجيه التلاميذ نحو مواد أخرى، وهو وضع لم يكن ليحدث لو وُجدت آليات رقابية وإجراءات صارمة تضمن احترام الحقوق اللغوية المكفولة دستوريًا.

في المجال التعليمي، لا تزال الأمازيغية خارج إطار الأولويات، إذ لا توجد خطط ملزمة تُجبر المؤسسات التعليمية على إدراجها بشكل متكامل، كما أن غياب آلية للمراقبة والتقييم يجعل من الصعب قياس مدى التقدم المحقق. فالتجربة أثبتت أن التعاطي مع تدريس الأمازيغية يتم من منظور إداري وليس من منطلق رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانتها داخل النظام التعليمي.

أما في الإدارة، فالتحدي الأساسي ليس فقط في توفير الأعوان الناطقين بالأمازيغية، بل في وضع إطار قانوني يفرض استخدام الأمازيغية في المعاملات الرسمية، بشكل يضمن للمواطنين التفاعل مع المؤسسات دون الحاجة إلى ترجمة أو وساطة. فغياب أي إلزامية قانونية يجعل من محاولات إدماج الأمازيغية مجرد مبادرات معزولة، لا يمكنها التأثير في الواقع الإداري بشكل جوهري.

على المستوى الإعلامي، لا تزال الأمازيغية تُعامل كمجال ثانوي في السياسات الإعلامية، دون أن يتم تخصيص دعم قوي لإنتاج محتوى يرقى إلى مستوى الانتشار الواسع. كما أن البرامج الموجهة للأمازيغيين لا تحظى بنفس الاهتمام الذي يُمنح للبرامج الأخرى، مما يكرّس التعامل معها بمنطق الهامش لا المركز.

أما في الجانب القانوني، فالتحدي الأساسي يكمن في عدم تضمين الأمازيغية في جميع الوثائق الرسمية، مما يعرقل إمكانية استخدامها في المحاكم والإدارات، ويجعل المواطن الأمازيغي مضطرًا للجوء إلى الترجمة حتى في المعاملات التي من المفترض أن تتم بلغته الأصلية.

ما يزيد من تعقيد الوضع هو غياب آلية للمساءلة والمحاسبة، إذ لا توجد أي جهة مسؤولة بشكل مباشر عن تتبع مدى تنفيذ الالتزامات المتعلقة بتفعيل الأمازيغية، مما يفتح المجال أمام التسويف والتأجيل. فالقوانين التنظيمية التي تمت المصادقة عليها منذ سنوات، لا تزال في انتظار التنفيذ الكامل، دون أن تكون هناك أي إجراء ات صارمة لضمان احترام الآجال الزمنية المحددة.

إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من تجربة العقد الماضي، فهو أن التعامل مع الأمازيغية بمنطق التدريج والتأجيل لم يعد مقبولًا، وأن الوقت قد حان لاعتماد مقاربة حازمة تجعل من الأمازيغية لغة وظيفية، حاضرة في جميع القطاعات بنفس المستوى الذي تحظى به العربية. فالتردد في تنفيذ الالتزامات الدستورية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان، وسيُبقي الأمازيغية في وضعية الانتظار الدائم، وهو ما يتعارض مع روح دستور 2011 ومع مبدأ المساواة الذي يشكل أحد أسس الدولة الحديثة.

الرهان على الأصالة والمعاصرة: حكومة المونديال وإطلاق دينامية جديدة للأمازيغية

لقد أظهر العقد الماضي أن الرهان على مقاربة التدريجية والتأجيل في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لم يحقق الأهداف المرجوة، بل ساهم في ترسيخ وضعية الانتظار وإفراغ الالتزامات الدستورية من مضمونها الحقيقي. إن التحولات السياسية التي يشهدها المغرب، وتزايد الوعي المجتمعي بأهمية الإنصاف اللغوي، يفرضان تغييرًا جذريًا في التعاطي مع هذا الملف، وهو ما يجعل حزب الأصالة والمعاصرة أمام فرصة تاريخية لقيادة هذا التحول، عبر تقديم نموذج حكومي جديد قادر على تحقيق قفزة نوعية في تفعيل الأمازيغية.

حكومة المونديال، التي يطمح الأصالة والمعاصرة إلى قيادتها، ليست مجرد شعار سياسي، بل رؤية تقوم على تقديم حكومة بأداء عالمي، تعتمد السرعة والنجاعة في تنفيذ الإصلاحات الكبرى، بعيدًا عن البيروقراطية والتردد. فكما تحتاج كرة القدم إلى فريق منسجم واستراتيجية واضحة لتحقيق النصر، تحتاج الحكامة الفعالة إلى قيادة سياسية تضع الأهداف الكبرى نصب أعينها، وتحقق النتائج في آجال معقولة. وهذا بالضبط ما يتطلبه ملف الأمازيغية: قرارات حاسمة، تنفيذ سريع، وإجراء ات ملموسة تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، بدل الاكتفاء بخطوات رمزية لا تغير من الواقع شيئًا.

حزب الأصالة والمعاصرة يمتلك من الإمكانيات التنظيمية، والرؤية الاستراتيجية، والجرأة السياسية، ما يؤهله ليكون الحزب القادر على تجاوز حالة الركود التي عرفها هذا الملف. إن مشروعه يرتكز على جعل الأمازيغية عنصرًا أساسيًا في الإصلاحات الحكومية، وربط تفعيلها بأجندة واضحة المعالم، تضمن التنفيذ الفعلي لجميع المقتضيات القانونية المرتبطة بها، سواء في التعليم، القضاء، الإدارة، أو الإعلام.

الرهان اليوم ليس فقط على تحسين الوضع القائم، بل على إطلاق دينامية جديدة تعيد الاعتبار للأمازيغية كلغة وهوية، وتوقف مسلسل الرهان على موتها البطيء. فحكومة يقودها الأصالة والمعاصرة ستكون أمام تحدي تاريخي: إما أن تكون أول حكومة تحقق العدالة اللغوية بشكل حقيقي، أو تستمر في النهج التقليدي الذي جعل الأمازيغية قضية مؤجلة، تعيش على وقع الوعود بدل الإنجازات.

إن الأمازيغية هي العمق التاريخي والهوية الجماعية لكل المغاربة، ولا يمكن تصور مستقبل هذا الوطن بدون إنصافها. وحزب الأصالة والمعاصرة، الذي انخرط منذ تأسيسه في الدفاع عن هذا العمق الوطني، لن يقبل باستمرار سياسات الانتظار والتأجيل. اليوم، لا مجال للمزيد من الخطابات غير المجدية أو الإجراءات البطيئة، بل يجب التحرك بجرأة لتنفيذ التزامات واضحة، ويضع خارطة طريق عملية لجعل الأمازيغية مكونًا فعليًا في التعليم، الإدارة، القضاء، والإعلام، وفق جدول زمني محدد وآليات واضحة للمتابعة والمحاسبة. إذا منح المغاربة الحزب ثقتهم في الاستحقاقات المقبلة، فإن حكومة المونديال ستكون حكومة النتائج لا الأعذار، وحكومة القرارات لا التسويف. إن الزمن السياسي اليوم يتطلب الشجاعة، وحزب الأصالة والمعاصرة مستعد للقيادة واتخاذ القرارات الجريئة التي طال انتظارها. فهل يكون المغاربة مستعدين للرهان على المستقبل بدل الانتظار؟ الحزب مستعد للرهان على المغرب الجديد.

في الحاجة إلى مؤسسة حكومية متخصصة

لضمان تفعيل حقيقي ومستدام للأمازيغية، لم يعد كافيًا الاعتماد على قرارات متفرقة أو مبادرات ظرفية، بل أصبح من الضروري إحداث مؤسسة حكومية متخصصة ( سواء في شكل مندوبية سامية أو وزارة خاصة ) تتولى تنفيذ السياسات اللغوية، وتراقب مدى التزام القطاعات المختلفة بإدماج الأمازيغية وفق أجندة واضحة وآليات محاسبة دقيقة.

إن هذا المقترح لا يشكل فقط استجابة لحاجة ملحة، بل يمثل نقلة نوعية تجعل من الأمازيغية قضية مؤسساتية بدل أن تبقى رهينة الاجتهادات الفردية. وهنا يبرز دور حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يمكنه قيادة هذا التحول من خلال إدراج هذه المؤسسة ضمن مشروعه الإصلاحي، وتحويل الترافع عن الأمازيغية من شعار سياسي إلى التزام حكومي فعلي.

إن تأسيس هيئة رسمية بإطار قانوني وصلاحيات واضحة سيشكل نقطة تحول حقيقية، حيث لن يكون تعزيز الأمازيغية مجرد وعود انتخابية، بل سياسة دولة قائمة على التخطيط والمتابعة والتنفيذ الفعلي، بما يضمن تحقيق العدالة اللغوية والإنصاف الثقافي، ويؤسس لمغرب منفتح على كل مكوناته الهوياتية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.