“القاسم الانتخابي” والقطبية السياسية بالمغرب.. أية علاقة

0 1٬292

أحلام محرات

تشهد الأحزاب السياسية بالمغرب في الآونة الأخيرة جدلا سياسيا أثاره مقترح مراجعة كيفية احتساب “القاسم الانتخابي” الذي يعد عنصرا أساسيا في أي نظام انتخابي، الذي يعتمد الاقتراع اللائحي النسبي، والذي على أساسه يتم توزيع المقاعد البرلمانية بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات.

وفي إطار لقاء تشاوري جمع زعماء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان برئيس الحكومة ووزير الداخلية، للتداول في التعديلات التي يمكن إدراجها في القوانين الانتخابية استعدادا لاستحقاقات التشريعية 2021، برزت نقاشات واسعة بين التنظيمات الحزبية حول مجموعة من القوانين، ولعل أبرزها كيفية اعتماد “القاسم الانتخابي”، حيث ذهبت عدة أحزاب، سواء من الأغلبية أو المعارضة، في اتجاه تأييد احتساب “القاسم الانتخابي” بناء على عدد المسجلين، بينما عارض حزب العدالة والتنمية ذلك، ودافع على الإبقاء على احتسابه بناء على عدد الأصوات الصحيحة، باعتبار أن الانتخاب يفيد مجموعة من المحطات المتلازمة بدءا من التسجيل في اللوائح ثم المشاركة والتعبير عن الإرادة بالتصويت وليس التسجيل وفقط.

وبالرجوع إلى نتائج الانتخابات التشريعية لـ 2016، نجد أن حزب العدالة والتنمية أكد حضوره بقوة في المشهد السياسي، إذ حصل على 125 مقعدا من أصل 395 مقعدا في مجلس النواب، بحيث أضاف الحزب إلى رصيده 18 مقعدا مقارنة مع نتائج آخر انتخابات جرت سنة 2011، وجاء حزب الأصالة والمعاصرة في المركز الثاني بـ 102 مقعد والذي أصبح هو الآخر رقما صعبا في الساحة السياسية رغم حداثة تجربته، أمام تراجع العديد من الأحزاب التي ظلت تؤثث المشهد السياسي لعقود طويلة، سواء منها التقليدية (أحزاب الحركة الوطنية) أو تلك المعروفة بالأحزاب الإدارية.

وبهذا أخذت الحياة السياسية منحى جديد، يتجه نحو تكريس ثنائية حزبية جديدة، بمعنى آخر ثنائية ” قطبية هشة”، ذلك أن الحديث عن قطبية سياسية حقيقية يستوجب قوى متنافرة بمشاريع مختلفة، صحيح أننا أمام حزبين يختلفان في الهوية نسبيا، أحدهما يدعي أنه “إسلامي” والآخر يدعي أنه “حداثي” لكنهما يتقاسمان مجموعة من المبادئ الليبرالية والحداثية.

كما أن الرهان على الاستمرار في هذه الثنائية المتأرجحة بين قطب “إسلامي” في مواجهة قطب “حداثي”، وتحويل الفعل الانتخابي من أداة لإقرار الشرعية الديمقراطية إلى حقل للتصارع الديني والعقائدي، رغم المراجعات والجهود التي قام بها حزب الأصالة والمعاصرة للابتعاد عن هذا الطرح، فهذه الثنائية الهجينة قد تؤثر لا محالة على مبادئ التعددية السياسية والفكرية للبلاد.

وعطفا على ما سبق، إن اعتماد أسلوب احتساب “القاسم الانتخابي” على أساس المسجلين، سيؤدي حتما إلى تقليص حظوظ حزب معين في الحصول على مقعدين في نفس الدائرة الانتخابية؛ وهذه الحالة ستنطبق على حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، على أساس أنهما قد حصلا في الانتخابات التشريعية لـ 2016 على مقعدين في مجموعة من الدوائر الانتخابية، وبالمقابل، هدا الأسلوب سيمنح حظوظا أكثر للأحزاب الصغرى.

ولعل هذا ما يفسر الضجة والانقسام التي أثارها اعتماد هدا الأسلوب في مواقف الأطراف المشاركة في مناقشة “القوانين الانتخابية”، والتي أعقبها اندلاع حرب التراشق بالبيانات، كالعادة، بين قيادات الأحزاب المعنية.

والأكيد، أن صناعة هذه القوانين هو اختصاص أصيل للبرلمان في النهاية، لكن لا يمكننا أن نغفل أنها تحال عليه، وهي مسؤولية رئيس الحكومة المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، ومسؤولية الحكومة التي تتمتع بأغلبية مريحة داخل البرلمان، وأنها مسؤولة دستوريا بشكل جماعي وتضامني في اختياراتها ومواقفها من هذه القوانين.

مما لا شك فيه أن مناقشة القوانين الانتخابية عملية مؤطرة بمعايير دستورية وإجرائية، ومرتبطة بموارد بشرية ومادية محددة، إلا أنها تظل عملية سياسية محضة، تتجاوز تقنيات الخبراء وإجاباتهم الحسابية في ترجيح هذا النمط أو ذاك، وبطبيعتها تكون اللحظات السابقة لأي استحقاق انتخابي حاملة لتوترات وحوارات ساخنة، مع ما تتيحه من مساحات للتفاوض تم التوافق حول مخرجات مربحة للجميع، فإنها مع ذلك، حسب مجموعة من النظريات، تسمح ببزوغ بعض التعبيرات السجالية وبعض مظاهر التدافع والصراع، حيث تتنافس الأطراف الفاعلة على الأداء الجيد لأدوارهم الدرامية، وتبني دور الضحية أحيانا، والتهديد بالانسحاب أو مقاطعة الانتخابات أحيانا أخرى، وغيرها من المسوغات التي يعج بها المعجم الانتخابي عموما.

خلاصة القول، إن الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب، بوصفها تندرج في سياق مسار تراكمي في إطار المسلسل الديمقراطي للبلاد، ينبغي أن تكون عنوانا لترسيخ قواعد الشرعية الانتخابية التي جاء بها دستور 2011، وعلى جميع الفاعلين السياسيين الإسهام في تأهيل المشهد السياسي بما يضمن تعددية حزبية حقيقية، بعيدا عن البلقنة المقيتة، وبتعبير أحد الباحثين، تصبح التعددية تعدديات داخل نفس التعبير الإيديولوجي ونفس المضمون السياسي المشكل للحزبية بالمغرب.

أحلام محرات
* باحثة في العلوم السياسية

عن هسبريس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.