تقرير “السياسة اللغوية بالمغرب”.. وهبي يبرز جهود وزارة العدل في مجال صيانة التنوع الثقافي واللغوي ببلادنا
أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن السياسة اللغوية التي تهتم باستراتيجية التعددية اللغوية تعتبر أهم ضامن للهوية الثقافية والاجتماعية، وتعتبر بذلك بمثابة حجر الزاوية في الرأسمال الاجتماعي المشترك، لافتا إلى أن المغرب قدم إجمالا نموذجا في التعددية الثقافية واللغوية كأمر مجتمعي قائم، حيث استطاعت بلادنا أن تصوغ مقاربات توافقية متفاوتة النجاحات، لتدبير هذه التعددية في إطار مشروع الدولة الوطنية لما بعد الاستقلال.
وأوضح السيد الوزير، خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول “السياسة اللغوية في المغرب”، اليوم الثلاثاء 16 يوليوز الجاري بمجلس المستشارين، (أوضح) أن جلالة الملك محمد السادس نصره الله أعطى في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش ل 30 يوليوز 2001 دفعة جديدة لثقافتنا الأمازيغية، وذلك عبر إصدار تعليماته بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي وُضع على عاتقه النهوض بالثقافة الأمازيغية، والاضطلاع بجانب القطاعات الوزارية المعنية بمهام صياغة وإعداد ومتابعة عملية إدماج الأمازيغية في نظام التعليم.
وانخراطا من وزارة العدل في هذا الجهد الوطني الهام في مجال صيانة التنوع الثقافي واللغوي ببلادنا، ووفاء بما تضمنه البرنامج الحكومي 2021-2026 في هذا المجال، أكد السيد وهبي أن الوزارة انخرطت في مشروع توسيع تدخلات صندوق تحديث الإدارة العمومية ليشمل دعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية، والذي تجسد من خلال إصدار المرسوم رقم 2.23.245 في 8 ماي 2023 بتحديد أشكال وكيفيات دفع المبالغ وتقديم الدعم من صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية.
وتنزيلا لتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، ولاسيما التوصية رقم 133، بادرت وزارة العدل إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لتنزيل السياسة اللغوية بهذا القطاع، من بينها تضمين القانون المتعلق بالتنظيم القضائي المادة 14 التي تنص على أنه “تظل اللغة العربية لغة التقاضي والمرافعات وصياغة الأحكام القضائية أمام المحاكم، مع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، بالإضافة إلى تنصيصها على أنه “تقدم الوثائق والمستندات للمحكمة باللغة العربية، وفي حالة الإدلاء بها بلغة أجنبية، يمكن للمحكمة، تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف أو الدفاع، أن تطلب تقديم ترجمة لها إلى اللغة العربية مصادق على صحتها من قبل ترجمان محلف كما يمكن للمحكمة ولأطراف النزاع أو الشهود الاستعانة أثناء الجلسات بترجمان محلف تعينه المحكمة أو تكلف شخصا بالترجمة بعد أن يؤدي اليمين أمامها”.
كما تم توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة العدل والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتاريخ 22 يونيو 2022، تهدف إلى إسهام المعهد في تكوين موظفي الوزارة والمحاكم في الترجمة إلى الأمازيغية، والتعاون في مجال إدماج الأمازيغية في النصوص القانونية للوزارة، وتوفير المعاجم المختصة في مجالات العدل والعدالة، ومواكبة المعهد الوزارة في تمكين موظفيها من اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وذلك من أجل الإسراع بإدماج اللغة الأمازيغية في منظومة العدالة.
وفي نفس الإطار، ذكر السيد وهبي بالتفاعل الإيجابي لوزارة العدل مع مقترح قانون بسن قانون الجنسية المغربية، المقدم من لدن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، والذي تم بموجبه إضافة المعرفة باللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية أو إحداهما ضمن الشروط المطلوبة في الراغب في الحصول على الجنسية المغربية (القانون رقم 08.23 الصادر في 10 فبراير 2023، الجريدة الرسمية عدد 7173 وتاريخ 27 فبراير 2023).
كما عملت هذه الوزارة على تعيين 100 مساعدة ومساعد اجتماعي بالمحاكم سنة 2022، وأزيد من 30 خلال هذه السنة يتحدث أغلبهم باللغة الأمازيغية، لتيسير ولوج المواطنات والمواطنين المتحدثين باللغة الأمازيغية لخدمات مرفق العدالة، ووضع عون استقبال رهن إشارة مصلحة كتابة الضبط، أوكلت له مهمة التواصل والترجمة وإرشاد المرتفقين باللغة الأمازيغية مع تسجيل معطيات المرتفقين بسجل خاص.
وفي إطار اهتمام وزارة العدل بتطوير الخدمات المقدمة عن بعد، وتكريسا لمسار رقمنة الإدارة القضائية، تم إحداث مركز نداء وهو خدمة تروم إرساء أسس للتواصل بين المواطنين وكافة الفاعلين في منظومة العدالة، من خلال توجيههم وإرشادهم حول مختلف الخدمات التي تقدمها وزارة العدل، كما يوفر هذا المركز أطرا للإجابة عن استفسارات المواطنات والمواطنين باللغة الأمازيغية وباقي اللغات.وفي إطار تسريع وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالإدارات العمومية، قامت الهيئة المشتركة للتنسيق في مجال الإدارة القضائية بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، بإعداد مخطط عمل لتنزيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمحاكم (2022-2029)، وهو مقسم إلى 7 مراحل أساسية، بدأ العمل به عبر ثلاث محاكم نموذجية، تم اختيارها بناء على اللهجة المتحدث بها في المنطقة الترابية، وهي الحسيمة وميدلت وتارودانت، بعد ذلك عملت الهيئة المشتركة على تجربته في محاكم أخرى يتكلم أغلب ساكنتها اللغة الأمازيغية، وتسهر هذه الهيئة على تعميمه بشكل تدريجي على جميع محاكم المملكة، ويهدف هذا المخطط إلى التوجيه والإرشاد والاستقبال في مكاتب الواجهة وأقسام الأسرة وخلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، عبر تأمين استعمال اللغة الأمازيغية على مستوى إجراءات التحقيق، فضلا عن إجراءات المحاكمة، وتأهيل الموارد البشرية بالمحاكم.
كما تم اعتماد الموظف الوسيط الذي يتكفل بمرافقة المتقاضين والوافدين الذين يجدون صعوبة في الاندماج السلس في منظومة ولوجيات المحكمة بمفهومها العام للتواصل معهم ومرافقتهم إلى حين قضاء الإجراءات المرغوب فيها والتواصل معهم عن بعد عند الاقتضاء، ولهذه الغاية قامت وزارة العدل بوضع رهن إشارة كتابة الضبط بالمحاكم عون استقبال خاص، لتسهيل التواصل مع المرتفقين وتسجيل معطياتهم بسجل خاص.
وفي نفس السياق، تم تأمين التشوير بهذه المحاكم النموذجية بحروف “تيفيناغ” الموحدة وفق المعايير المعتمدة في هذا المجال، ورُصدت الاعتمادات المالية الضرورية لتغطية نفقات شراء وتركيب لوحات التشوير باللغة الأمازيغية.
بالإضافة إلى ذلك، وفي إطار الاستفادة من دعم صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية السالف الذكر، فقد وضعت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة رهن إشارة وزارة العدل خمس سيارات كهربائية من أجل تنقل المساعدات والمساعدين الاجتماعيين إلى المناطق النائية والجبلية لتوعية وتوجيه السكان الناطقين باللغة الأمازيغية في الميدان القانوني والقضائي.
كما تم إدراج اللغة الأمازيغية في الهوية البصرية لوزارة العدل، حيث اعتمدت الترجمة في جميع المطبوعات والوسائل التواصلية، وقد تم رصد مبلغ 1.200.000,00 درهم لتغطية نفقات خدمات، والتصميم والطباعة المختلفة.
إلى جانب هذه المنجزات.
وفي إطار انفتاح وزارة العدل على اللغات الأجنبية ودعم السياسة اللغوية، اتجهت الوزارة في السنوات الأخيرة إلى توظيف أطر في تخصصات لغوية متعددة (الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الاسبانية)، وذلك راجع لعدة أسباب، أولا تسهيل التعامل مع الوثائق القانونية الدولية، بحيث تحتاج الوزارة إلى ترجمة دقيقة للوثائق القانونية ومشاريع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والأحكام القضائية الأجنبية الصادرة بلغات متعددة، بما يضمن التواصل الدولي والتعاون القضائي ويعزز من قدرة الوزارة على التفاوض والتفاعل بفعالية في السياقات الدولية، ويعزز من القدرة على التعامل مع القضايا ذات الطابع الدولي بطريقة تتماشى مع المعايير العالمية، الأمر الذي يمكن كذلك من تقديم خدمات قانونية للمواطنين والمقيمين الذين يتحدثون لغات أجنبية، ويسهل عليهم الوصول إلى العدالة وفهم حقوقهم وواجباتهم، بمن فيهم المستثمرون الأجانب والشركات الدولية الذين يتطلب التواصل معهم الإلمام بلغتهم الأمر الذي يعزز مناخ الاستثمار ويسهل عملية التجارة الدولية.
تحرير: سارة الرمشي / تصوير: ياسين الزهراوي