رهان حس الوطنية في الخطاب الملكي

0 1٬117

بقلم: عبد الفتاح الموساوي

تضمن الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب رسائل في كل الإتجاهات.

فمن بين ثنايا الخطاب نلمس جدية مطلب الإسراع في تنزيل خطة الإنعاش الإقتصادي مع ما تتطلبه من توفير الأموال التي رُصدت لها، إضافة إلى رهان تعميم التغطية الإجتماعية الذي يعتبر ملفا صعبا جدا نظرا لحجم التراكمات الناتجة عن إهماله، بدْأً بغير المتوفرين على تغطية وهم يشتغلون وأرامل وعجزة وعاجزين (ذوي الإحتياجات الخاصة) وصولا إلى الأرقام المهولة للبطالة والتي سترتفع بفعل الجائحة.

كما أن التتبع والحرص على تطبيق هذه المشاريع في الوقت المحدد سيكون ملكيا كما جاء في نص الخطاب.

“شعبي العزيز …
أطلقنا خطة طموحة وغير مسبوقة لإنعاش الاقتصاد، ومشروعا كبيرا لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة. وإننا نؤكد على ضرورة تنزيل هذه المشاريع، على الوجه المطلوب، وفي الآجال المحددة”.
ولأن هول الجائحة كبير وتأثيرها على الإقتصاد أكبر وطريقة علاجها الوحيدة حاليا هي التّوقي والحذر من الإصابة بالعدوى ونقلها، فإن الخطوة الإستباقية الأهم كانت توفير الكمامات ودعمها وطرحها في الأسواق بأثمنة مناسبة، وبذلك يكون الخطاب موجه لوعي الجميع على حد السواء للوعي بحجم المسؤولية رغم تفاوت حجم الوعي، وأي وعي نتحدث عنه والخطاب موجه أيضا لفئة تنكر وجود المرض ويدعوها كما دعى الجميع أفرادا وشركات إلى الإنخراط بحس من المسؤولية والوطنية الحقة في المساهمة من الوقاية من هذا الوباء وعدم كفاية الدعم المادي الذي لن ينفع مع ٱستمرار الجائحة .وهو ما نعبر عنه “بأضعف الإيمان” أو “نقطنا بسكاتك”، أي خذ الأمر بجدية واستحضر حجم الأضرار التي تخلفها على المجتمع، وليتحرك بداخلك حسك الوطني بدل التهاون أو إنكار المرض أو تشغيل الشركات والمصانع دون ٱتخاذ الإحتياطات والإجراءات الوقائية الموصى بها.
“شعبي العزيز
… بل إن الأمر هنا، يتعلق بسلوك غير وطني ولاتضامني. لأن الوطنية تقتضي أولا، الحرص على صحة وسلامة الآخرين؛ ولأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط، وإنما هو قبل كل شيء، الالتزام بعدم نشر العدوى بين الناس”.
ووجب التنبيه أنه عندما لا يكون السلوك وطنيا ولا تضامنيا وخصوصا في مثل هاته الظروف فهو يدخل في خانة الخيانة للوطن ومحاربته ،وهو الذي ٱحتضن أبناءه ورعاهم ساعة الشدة ،لكن إلى متى وقد أعطى كل ما لديه وأكثر.
وهذا إنذار من الدرجة الأعلى موجه عبر ثنايا هذا الخطاب إلى أن الدعم سيتوقف لنفاذه مع إمكانية الرجوع إلى الحجر التام الكلي رغم تداعياته النفسية والإجتماعية والإقتصادية الكبيرة .
“شعبي العزيز
… كما أن هذا السلوك يسير ضد جهود الدولة، التي تمكنت والحمد لله، من دعم العديد من الأسر التي فقدت مصدر رزقها.
إلا أن هذا الدعم لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات”.
وبما أن الجائحة تحولت إلى معضلة كبيرة، فالرسائل متوالية بالخطاب وفي حجم الآفة، حيث ينضاف إلى نفاذ الدعم قلة الأطر وتناقصهم جراء الإصابات التي ٱرتفعت بوسطهم إلى معدلات غير مسبوقة وغير مقبولة مما ينذر بكارثة صحية تنتظر الوطن وهو ما أشار إليه عاهل البلاد بكل حسرة وأسف مشددا على ٱستحضار الحس الوطني العالي وتعبئة كل القوى الحية والمسؤولة لإمكاناتها لتنخرط بقوة في التصدي لحجم الكارثة المحدقة بالوطن وتجنيب البلاد غلقا تاما ٱخر وما يترتب عنه من تداعيات كبيرة وخطيرة على جميع المستويات.
“شعبي العزيز
…كما أن معدل الإصابات ضمن العاملين في القطاع الطبي، ارتفع من إصابة واحدة كل يوم، خلال فترة الحجر الصحي، ليصل مؤخرا، إلى عشر إصابات.
وإذا استمرت هذه الأعداد في الارتفاع، فإن اللجنة العلمية المختصة بوباء كوفيد 19، قد توصي بإعادة الحجر الصحي، بل وزيادة تشديده.
وإذا دعت الضرورة لاتخاذ هذا القرار الصعب، لاقدر الله، فإن انعكاساته ستكون قاسيةعلى حياة المواطنين، وعلى الأوضاع الاقتصادية”.
إن أهم رسالة حملها الخطاب الملكي كانت تصاعد احتمالية العودة إلى الحجر الصحي رغم صعوبة ٱتخاذ هذا القرار وخصوصا والوطن قد ٱجتازه ويعلم كم هو مكلف ومستنزف لكن ضرورة الحفاظ على الأرواح قد تفرض الرجوع إليه والتشديد فيه.
“شعبي العزيز
…إن خطابي لك اليوم، لا يعني المؤاخذة أو العتاب؛ وإنما هي طريقة مباشرة، للتعبير لك عن تخوفي، من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، لا قدر الله، والرجوع إلى الحجر الصحي الشامل، بآثاره النفسية والاجتماعية والإقتصادية”.
وتبقى الرسالة الخاصة من الملك الأب إلى أبنائه ما ٱستشعرناه من قلق وخوف من أب حنون حازم تجاه أبناءه وهو يراهن على وعيهم وحسهم الوطني في تجنيب أنفسهم ووطنهم مستقبلا قريبا ينذر بالكارثة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.