كــورونا والوعي الجماعي

0 1٬030

عبد الفتاح الموساوي

 

لا أحد يملك الضمانات بأن انفراج جائحة كرونا قد يكون قريبا، ولعل الداعي إلى هذه النظرة التي قد يحسبها البعض سوداوية نابعة في الأصل من قتامة المشهد العام، فأعداد المصابين في تزايد يوما بعد يوم والدول ما زالت في سباق مع الزمن لإيجاد عقار يوقف أعراض المرض أو يشفيها، أما الحديث عن مصل يكسب مناعة جماعية ضد هذا الوباء فشيء قد يحتاج لسنوات حتى يتأكد مفعوله وتنتفي مضاعفاته السلبية.

في الحقيقة هذا ما يجب أن يؤرقنا جميعا ويدعونا إلى أن نجيب على هذا السيناريو المحتمل، ألا وهو إن طالت الأزمة كيف لنا أن نواجهها بإمكاناتنا المتواضعة جدا ؟

الواقع أن جل دول العالم قد انكمشت على نفسها وأغلقت حدودها، حتى تلك التي تنتمي إلى اتحادات وتكتلات إقليمية كالاتحاد الأوروبي، كما أن أمريكا بكل قدراتها ما زالت مترددة وتتخبط بين خيارين اقتصاد طبيعي مزدهر كالذي وعد به رئيسها ترامب أو حجر صحي كلي له تداعيات كبيرة على الاقتصاد لكنه يحد من انتشار الفيروس القاتل. وفي ظل هذا التردد تخبرنا الأرقام القادمة من بلاد العم سام بأنها صارت الأولى من حيث انتشار الفيروس وعدد الوفيات.

لكن ما علاقة كل هذا بالوطن الذي ننتمي إليه ؟

تكمن العلاقة في عالمية الجائحة، فأن يكون بلد ما أو اثنان أو حتى ثلاث بلدان موبوءة هذا أمر يعد إلى حد ما طبيعي ومقدور عليه، حيث تتكاثف جهود مجموعة دول أو منظمات على مستوى رسمي كالأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى بواسطة مبادرات فردية فتقوم بتقديم مساعدات للبلد أو للبلدان الموبوءة فتخفف عنها المصاب، وبتكاثف الجهود والإمكانات يتم احتواء الوضع.

المؤسف أننا إزاء وضعية مختلفة تماما حيث العالم كله يعاني من انتشار الفيروس ومن تداعياته، فالنتيجة الحتمية لوضع غير متوقع كالذي يجتازه العالم الآن أن تقل المساعدات أو تنعدم بل أن الأمر تعدى إلى أسوأ من ذلك وهو قرصنة بعض الدول لمساعدات طبية موجهة لدول أخرى تعتبر صديقة في تجاوز كلي للقوانين والأعراف الدولية.

ونظرا لطبيعة الفيروس الذي ينتقل بسرعة مهولة وبأشكال متعددة ومختلفة، فإن الحلول التي لاحت بالأفق القريب كانت صعبة ومكلفة للجميع، فتم إغلاق الحدود وأجبر الناس على الحجر الصحي في خطوة للحد من التقارب الاجتماعي، فألغيت جميع الأنشطة الاجتماعية بأنواعها  الرياضية، الثقافية، والاجتماعية وأغلقت الشركات والمصانع وشلت حركة النقل الجوي والبري والبحري وضربت قطاعات السياحة والتجارة في مقتل.

والظاهر أن الحياة الطبيعية لم تعد كما عهدناها والخسائر المادية بملايير الدولارات، وهذا حتما وضع غير طبيعي يؤثر علينا كما أثر على العالم بأسره. وحتى نكون على قدر المسؤولية وفي مستوى جسامة الحدث، ينبغي أن يتبلور لدينا وعي جماعي لكي نستطيع أن نتغلب على الجائحة وذلك بالتزامنا بقرارات السلطات وأن نساعدها بامتثالنا وحسن تصرفنا بما تمليه حالة الطوارئ الصحية.

وتلعب المدة الزمنية التي سيظل فيها الفيروس بدون مصل ولا علاج يحد من انتشاره دورا مفصليا في صمود الاقتصاد العالمي والوطني. لذا ننبه لضرورة الاستعداد الجيد والأمثل لمثل هذا الاحتمال الوارد، حيث توقعت مؤسسات مختصة دوليا  بأن الاقتصاد العالمي سينكمش إلى أكثر من %3 إلى حدود السنة الجارية، وسيشهد الاقتصاد المغربي ركودا حادا حيث توقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع الناتج الداخلي الخام للمملكة بنحو  %3,7 وهذا ما يرجح أن التعافي من الأزمة الحالية سيطول لأن حدتها فاقت الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 بكثير، بل أن هناك من الخبراء من توقع أن  تصل حدة الأزمة الحالية إلى تلك التي شهدها العالم ثلاثينيات القرن الماضي.

إن وعينا الجماعي كفيل بأن يحمينا من الصدمات القاسية المحدقة بنا، وهو الوحيد الذي سيدفعنا إلى أن نختار ونحن وسط مفترق الطرق بين الطريق الصحيح وغيره -كحالنا اليوم- فلسنا أقل قومية ولا وطنية من دول كإيران وتركيا وروسيا التي انبعثت من جديد وهي التي كانت بالأمس القريب تعاني كما نعاني اليوم نحن، فنحن أحفاد المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين والوطاسيين والفاطميين وغيرهم ممن استفاد من علمهم ومعرفتهم القاصي والداني، وصالوا وجالوا وكانت لهم سطوة وهيبة بين الدول.

إن أول ما يمليه علينا وعينا الجماعي هو أن نجعل من هذه الأزمة فرصة لتحول جذري نقوم معه بترتيب الأولويات والشروع في تنزيلها، فقطاعات كالصحة والتعليم، والفلاحة والصناعة، من أولى الأولويات ذات الراهنية القصوى، فتعليم قوي مدعوم بميزانية كبيرة للبحث العلمي كفيل بأن ينتج أطرا ذات كفاءة عالية بمقدورها صناعة معدات طبية وأدوية محلية، كذلك بإمكانها تطوير الصناعة في شتى المجالات كما يمكنها أن تجد حلولا لقطاع الفلاحة وتزيد من الإنتاج الزراعي حتى نصل إلى الاكتفاء الذاتي ، وما أحوج العالم إلى الأمن الغذائي في ساعة الأزمات كالتي نمر بها.

إن اقتصادا قويا يعتمد على ما تنتجه سواعد أبناء وطنه حري به أن يكون حرا غير تابع ولا مدين ،كما يمكنه أن يمتص عدد العاطلين المتزايد جراء الجائحة العالمية.

الواقع أن أزمة كورونا قد علمتنا الكثير، وأعطتنا دروسا على قساوتها إلا أن منها ما تصدع وخرج منها ما يستنير به المرء والمجتمع في طريقه، من وجوب تعلم وتعليم وتضامن، وإيلاء الأشياء ترتيبا وأهمية، وأكثر من ذلك كله وعي قوي بأن الخلاص بيد الجماعة المخلصة التي لا تنهب خيرات الوطن ولا تستغل مناصبها والتي تطبق القانون تطبيقا مجردا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.