كورونا  .. طريقنا نحو إعلان السيادة الرقمية (2)

0 2٬217

ذ محمد التويمي بنجلون

سبق للجزء الأول من هذا المقال التحليلي و الإستشرافي لآفاق ما بعد أزمة كوفيد 19 أن أعلنا به عن تطرقنا بتركيز على ثلاث مستويات مركزية و عرضانية انطلاقا ، أولا من إبراز حاجة بلادنا العاجلة لإعلان التحول الرقمي الوطني، و ثانيا التأكيد عن مدى أهمية هذا التحول في مواكبة آثار ما بعد جائحة كورونا على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي، أما الشق الثالث موضوع هذا الجزء الثاني فقد خصصناه لمؤسسات الوساطة التقليدية بما فيها من أحزاب ونقابات من خلال إبراز أهمية استثمار هذه اللحظات الخاصة من عمر الوطن في تعبئة هذا الإجماع الوطني لمجابهة الأزمة  و السير الحثيث نحو استرداد الثقة في أجهزة، هيئات و مؤسسات الدولة بما يساهم في وضع أرضية خصبة لنجاح النموذج التنموي المأمول .

فما هو موقع مؤسسات الوساطة التقليدية من التحول الرقمي ؟ وما هي  الأساليب الناجعة للاستفادة من دروس أزمة كورونا بغاية الرفع من دينامية تكوين وتأطير المواطنات و المواطنين محور أدوار هذه المؤسسات  في ضوء صعوبة الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المقبل ؟

لقد غدى المواطن المغربي عبر وسائل التواصل سلطة قائمة الذات على المشهد السياسي الوطني تحركه الى حيث أجمع المدونون على الانتقاد او التنويه او الاشادة، وبذلك أصبحت وسائل التواصل سلطة تتجاوز الصحافة بما عرف عليها من سلطة رابعة تؤذي أدوار رقابية هامة على الفعل و الممارسة السياسية او المدنية بالدولة الديمقراطية. احتلت هذه الوسائل الحديثة العصرية الفضاء العام، مباشرة بعدما أصبحت الاحزاب السياسية لا تحرك إلا دوائر ضيقة من الرأي العام الوطني، بفعل تشبتها بأساليب تقليدية تعزى الى ضعف تكوين الفاعل السياسي من جهة و رفض التنظيمات الحزبية  دخول عالم الرقمنة توجسا من الادوار الجديدة لوسائط التواصل الاجتماعي، فأي سبيل للتفاعل مع التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي و التي طفت الى السطح بفعل هذه التقنيات الحديثة ؟

تحيلنا الارقام الصادرة عن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بأن خدمة الانترنت تعرف نمو يفوق 30في المائة برسم سنة واحدة أي بزيادة صافية لخمسة ملايين مشترك، أما على مستوى استعمال تكنولوجيا الاعلام فقد سجل ولوج الأسر الى الانترنت وتيرة مطردة بحيث ارتفع بنسبة 181 في المائة ما بين سنتي 2010 و 2017 مما يؤشر على دخول المغرب بشكل حاسم الى مجتمع الاتصال حسب البحث الميداني السنوي لنفس المؤسسة سنة 2018.
ان الاحزاب السياسة و النقابات مدعوة اليوم بشدة الى تجديد اساليب عملها من خلال تجديد خطابها بما يتلائم وطبيعة المخاطبين وهذا الأمر لا يتأتى إلا بتجديد نخبها وتطعيم كفاءاتها بمزيد من الطاقات الشابة نساء ورجال ثم الإستمرار في استثمار  تكنولوجيا الاعلام و التواصل بما يرفع من عدد متتبعي الشأن العام ويحيل على امكانية ضبط وثيرة التفاعل في القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني.

ان انجاح معركة الانتقال من ثقافة الاحتجاج الى ثقافة المشاركة ليست بالسهولة التي تبدوا، إذ ان اعمال آليات التواصل كجزء من خيار بلادنا لدمقرطة الديمقراطية عن طريق المشاركة المواطنة او الديمقراطية التشاركية التي لازالت تلاقي صعوبات بالغة لتنزيلها على مستوى القوانين التنظيمية المرتبطة بها تحتاج الى اعتراف جماعي بأن اعمالها و الإستفادة من إمكانياتها سبيل لإنجاح النموذج التنموي المنتظر .

ذ محمد التويمي بنجلون
نائب رئيس مجلس النواب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.