ما بعد كرونا: في مستقبل دور الدولة والأحزاب وضرورة تسريع وتيرة السيرورات التاريخية

0 1٬101

عبد السلام بوطيب

تواجه البشرية اليوم، وهي تقاتل وباء “الكوفيد19” الذي تسبب فيه “فيروس الكورونا” أخطر أزمة تمر بها بعد الحرب العالمية الثانية. لذا، و هي تستحضر الأوبئة و الطواعين التي عرفتها في تاريخها و أثرها في تحولاتها الجذرية التي عرفتها منذ القرن الرابع عشر على الأقل ، تجد نفسها – أمام اعلان أصغر دول العالم و أكبرها استحالة مجابهة الافة لوحدها- محتاجة أكثر من أي وقت مضي إلى استعمال ذكائها الجماعي من أجل تجاوز الأزمة الراهنة في أقرب الأوقات ، وبأقل الخسارات الممكنة، وفي نفس الوقت والآن رسم معالم عالم جديد؛ عالم ما بعد وباء “الكوفيد19” ، وهو عالم لن يتسع لمن سيتشبث بأوهام عالم ما قبل الجائحة المتحكم الى القوة العسكرة وأرقام البورصات.

سيتميز عالم ما بعد الكورورنا بتخطيط جديد للسياسات الاقتصادية، والصحية، والتعليمية، و الثقافية، والأمنية ، والبيئية، والروحية كذلك. ذلك أن هذه السياسات الجديدة ستموقعنا داخل المنظومات السياسية المقبلة، وهي منظومات ، أو قل منظومتين فقط: منظومة تاريخية، وأخرى خارج التاريخ والتطور الطبيعي للبشرية.

ستفرز المنظومة التاريخية بناء على تقييم عقلاني و دقيق لأزمة اليوم، وهو تقييم قائم على وضوح الرؤية و الشجاعة والاعتماد الكلي على الذكاء الجماعي، ذلك أن هاتين الكلمتين اللتين طالما دعونا إليهما، وهي دعوة لم تكن ساذجة أو سطحية، بل هي دعوة دائمة لاستخدام الذكاء البشري من أجل المزيد من التقدم عبر تبني علمي دقيق لمفهوم السياق التاريخي لكل الأحداث التي مرت، وإعادة بناء هذه الاحداث بناء علميا يستند إلى الأدوات العلمية لعلم التاريخ، و تجديد الفكر والتفكير، والموقف والتموقع، والتخلي عن كل أنواع الجمود والتكلس سواء أكان سياسيا أم اقتصاديا أم تربويا أم عقائديا أم قيميا؛ مما يعني المساهمة الإيجابية في تسريع السيرورات التاريخية المؤسسة للعالم الجديد. ولا نقصد بهذا التسريع أكثر من السرعة و الشجاعة في اتخاذ القرارات السياسية الكبرى المؤسسة للمنظومة السياسية الجديدة. من هنا يفهم تشبثنا الكبير بالتراكم السياسي في بلادنا عبر مسيرتنا السياسية والحقوقية، وإعلائنا لكل الخطوات الإيجابية – مهما بدت صغيرة و قليلة الأهمية للبعض- وخاصة تجربة الانصاف والمصالحة، التي كان أثرها حاضرا وكبيرا ونحن نحارب هذه الجائحة جنبا إلى جنب مع الدولة، مما يمكن أن نعتبره فاكهة الحكامة الأمنية الجديدة التي كانت إحدى أهم توصيات هيئة الانصاف والمصالحة.

ومن المؤكد أن أول سؤال سيطرح على من سينخرط المنظومة التاريخية هو سؤال دور الدولة في المنظومة الجديدة، وهو سؤال أعتقد أنه أجاب عن نفسه عبر ممارسة الدولة في كثير من البلدن – ومنها بلدنا، و هي تحارب الجائحة – لدورها التاريخي باعتبارها التعبير الفعلي عن العقد الاجتماعي ، والحاضنة له، والراعية حتى للتناقضات الاجتماعية باعتبار هذه التناقضات هي دينامية المجتمعات، كما نبهنا إلى ذلك الباحث حسن أوريد في حواره الأخير….كما أن الشأن الحزبي- بما يعنيه أولا ـ سبب وجود الاحزاب، و ثانيا ، طبيعتها و هياكلها وأرضياتها السياسية – سيكون محور نقاشات ما بعد الأزمة. ذلك أن الأحزاب التاريخية – ليس بالمفهوم التقليدي، بل بالمفهوم الذي ذهبت إليه في هذا المقال- والدولة ستكونان محور تغييرات ما بعد الجائحة.

ومن المرجح أن العالم برمته سينحو نحو البحث عن صيغ جديدة ل “لأحزاب الديمقراطية الاجتماعية” التي ستقبل أكثر بمراقبة الكترونية كاملة أو جزئية للمواطنين، والتدخل أكثر، عبر نوع جديد من التخطيط، لتوزيع الخيرات الموجودة في السوق، مع الحفاظ على صيرورة الإنتاج و المصالح العقلانية لكافة المتدخلين فيه من أرباب العمل والعمال و غيرهم. مع أن تحتل السياسة الاجتماعية، خاصة الصحة والتعليم و الشغل والتغذية والبيئة، موقع الصدارة في الاهتمام، وإبداء مواقف متضامنة – قولا و فعلا – مع الفئات الهشة، و البحث المستعجل عن العدالة الاجتماعية كي يتمكن الجميع من تحقيق الحق الكامل في الصحة و التعليم و الشغل و العيش الرغيد و البيئة النظيفة، كل هذا مع ضرورة الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي حققتها البشرية، و إعطاء دور أكبر للدولة باعتبارها، مرة أخرى، التعبير عن العقد الاجتماعي ، والحاضنة له، و الراعية للتناقضات الاجتماعية، باعتبار هده التناقضات الأساس المكين لدينامية المجتمعات وتطورها .
انتهي،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.