هل كان بإمكان المغرب انتزاع اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء دون ربطه بالتطبيع مع إسرائيل؟

0 960

· بقلم الحسن إدكروم

من المرجح أن يكون للسؤال الذي صغناه كعنوان لهذه المقالة تأثيراً مهما على ساحة العمل والتفكير السياسي في المغرب لفترة غير يسيرة، نظرا لأنه يتضمن إشكالا جوهريا، ولارتباطه بقضايا محورية واستراتيجية تهم سياسة الدولة، ومختلف الفاعلين الآخرين، هيئات وأفراد، كما يهم كافة أبناء الشعب المغربي، وهو يتعلق بما هو خارجي يندرج في مواقف وقرارات وسياسات الدولة على الساحة الدولية … كما له تأثير على سلوك مختلف الهيئات والتيارات واصطفافاتها على مستوى ما يتعلق بالشأن الداخلي للمجتمع المغربي… لذا فإن الأمر يستدعي من الجميع التحلي بمستوى عال من الرزانة والتعقل والنضج، والابتعاد عن الانفعال الحماسي الزائد، وذلك لأنه يرتبط بقضايا مصيرية بالنسبة لمجتمعنا ولدولتنا… ولأن من شأن حوار يتسم بالإيجابية والاتزان والموضوعية أن يساهم في تقوية مواقع بلدنا على جميع الأصعدة، ويجعل مجتمعنا يتقدم بثبات إلى الأمام في تحقيق استقراره وازدهاره وضمان حرية وكرامة مواطنيه، والعكس صحيح، فإن أي زيغ وانحراف عن الحرص على المصلحة الحقيقية لبلادنا ولقيمنا وأهدافنا النبيلة … سيجعلنا لقمة سائغة في يد خصوم بلدنا المختلفين والذين يتربصون بنا الدوائر.

يتعلق الأمر في هذه المقالة بمحاولة تحليل علاقة التلازم والتأثير بين الدفاع عن وتعميق سيادتنا على أقاليمنا الصحراوية الجنوبية، وبين تبني دولتنا لقرار التطبيع مع إسرائيل. ولهذه الغاية، فإن ما سنحاول القيام به، هو:

أولا: رصد سيرورة سياسات الدولة والمجتمع المغربي على مستوى التصدي لمشاكله الداخلية، وعلى رأسها دفاعه عن قضية وحدته الترابية.

ثانيا: المميزات الهامة للوضع الدولي وانعكاساتها على قضايا الشرق الأوسط.

ثالثا: وأخيرا مسألة التطبيع وعلاقتها بكل ما سبق.

 

أولاً: قضية فرض سيادة المغرب على صحرائه

هي القضية الأولى للشعب المغربي.

ظل المغرب يضع ضمن أولويات اهتماماته قضية استكمال وحدته الترابية خصوصا تثبيت سيادته على أقاليمه الجنوبية … وارتبط الأمر عند الجميع بقناعة ربط الأمر بقضيتين اساسيتين: تحقيق الديمقراطية وتحقيق التنمية … ولعقود من الزمن عمل المغرب – وبالرغم من الصراعات القوية أحيانا التي كانت تخترق مكوناته – ضمن هذا الأفق … لكن الأمر سيتخذ منحى أكثر جدية وعمقا في العقدين الأخيرين، خصوصا في ظل قيادة جلالة الملك محمد السادس، الذي تبنى مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي كأفق للعمل والتعبير، ضمن توافق وإجماع وطني متقدم.

وفي هذا الصدد، تم تحقيق إنجازات هيكلية وتشريعية ومؤسسية مهمة، شملت مختلف الجوانب السياسة والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها… كتحقيق الإنصاف والمصالحة، ودسترة اللغة الأمازيغية، ومدونة الأسرة، وبلورة مقترح الحكم الذاتي، وصياغة دستور جديد متقدم شكلا ومضمونا (دستور 2011)، وفتح ورش اللامركزية واللاتمركز- وورش الإصلاح الضريبي والقضائي والإداري؛ واقتصاديا تم تحقيق إنجازات كبرى (ميناء المتوسط – الطريق السيار – القطار السريع – تعميم الكهرباء والماء في مناطق المغرب – النموذج التنموي في الأقاليم الصحراوية ـ طنجة تيك – طريق تزنيت الداخلة السيار – مشاريع وانجازات الطاقة المتجددة… ومشاريع وإنجازات تحلية مياه البحر وبناء السدود …الخ.

ورغم مختلف هذه المنجزات، فقد كان شعور الجميع أن المغرب لازال لم يلج مجال نهضة تنموية متكاملة الشروط … وعلى رأسهم ملك البلاد الذي دعا وعمل على التخطيط لنموذج تنموي جديد يحمل المغرب إلى مصاف الدول المتقدمة…

لكن بشكل مواز تحرك المغرب بقوة على مستوى الواجهة الدبلوماسية، دوليا بزيارة وإبرام معاهدات هامة مع بلدان عالمية وازنة، كالصين وروسيا والهند وغيرها، ومركزا على المجال الأفريقي، حيث في زمن قياسي استطاع زيارة جل البلدان الأفريقية وعقد معها عشرات المعاهدات والاتفاقات، شملت مختلف الميادين المالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والدينية …الخ. وانطلقت حملة استثمارات مهمة في العديد من الدول الإفريقية … وارتبط ذلك كله بالانضمام المظفر للاتحاد الإفريقي …

ولم تكن هذه الإنجازات الدبلوماسية والاقتصادية معزولة عن انجازاته على مستوى قضيته الأولى الصحراء المغربية، حيث تم تحقيق الانتصار تلو الآخر… على مستوى موقف دول محددة أو بالنسبة للمنتظم الدولي، خصوصا ضمن مجلس الأمن وقراراته، حيث أصبح مقترح الحكم الذاتي طاغيا كاختيار وحيد لحل القضية أمميا.

في هذا الواقع، كون المغرب من جهة حقق تقدما وانتصارا دبلوماسيا مهما على صعيد ضمان سيادته على أقاليمه الجنوبية، دوليا وقاريا.. وارتبط ذلك بتقدمه المشهود على مستوى التحديث والديمقراطية وكذلك على مستوى تحقيق نهضة تنموية، خصوصا على مستوى المشاريع الاقتصادية المهيكلة.

وبحكم ما أصبحت تحتله القارة الافريقية في ساحة جذب متقدمة للرأسمال العالمي، لما تختزنه من ثروات بكر مغرية بالنسبة للدول الكبرى (الصين، أمريكا، روسيا، ودول أوروبية …).

كل ذلك وغيره، جعل مختلف تلك الدول تنظر إلى المغرب باعتباره المدخل والجسر والمنصة الأكثر ملاءمة للولوج إلى مواقع مهمة بإفريقيا .. بل لجل البلدان الأفريقية المهمة (وهذا ما يفسر العديد من المواقف والانحيازات التي قامت بها بعض الدول المهمة في علاقتها مع المغرب).

هذا الواقع أدى إلى تطورين:

1. أولهما بدء الصراع والتنافس بين العديد من الدول الكبرى على خطب ودَ المغرب، والتعبير له عن استعدادها لعقد أو تعميق علاقات استراتيجية: أمريكا، الصين، روسيا، ودول أوربية كفرنسا واسبانيا وألمانيا…

2. قرار الجزائر إعاقة هذا المنحى التطوري في تموقع المغرب إقليميا وقاريا ودوليا … الجزائر التي ظلت تعتبر نفسها الدولة الإقليمية الأولى في المنطقة، والتي لا تتحمل أن ترى المغرب يحقق كل ذلك التقدم، بل ترى أن الأمر يتم على حسابها …الخ. وعبر صنيعتها البوليساريو، ستعمل على محاولة فرملة اتجاه الأحداث، وهذا هو العامل الأساسي الحقيقي وراء واقعة الكركرات.

من جهة قطع الطريق البري للمغرب نحو إفريقيا … وضمان ممرِ نحو المحيط الاطلسي، مما يقطع الطريق البحري هو الآخر (خصوصا بعد ترسيم المغرب للحدود البحرية للأقاليم الجنوبية هي الأخرى + مشروع ميناء الداخلة المهم …)، وكل ذلك سيسهل عليها استرجاع دور الريادة لتمثل الجسر والمدخل نحو إفريقيا بالنسبة لدول العالم الكبرى.

هنا يطرح السؤال: ماذا كان في وسع المغرب أن يعمل لو أنه أخذ بعين الاعتبار أن أي تدخل على مستوى موقع الكركرات لم تكن لتتحمله الجزائر، وبالتالي كان سيؤدي إلى رد عسكري عنيف من طرفها؟

وقبل ذلك: هل كان في إمكان المغرب أن يتحمل إغلاق الحدود مع موريتانيا، وقد أسلفنا أن كل مصير نهضته التنموية، يتعلق بمشروعه الاستثماري في أفريقيا وعلاقته بموقعه كواسطة وجسر بين قوى عالمية كبرى وقارة غنية وبكر اقتصاديا؟

وهنا لابد من الإشارة إلى أن قوة المغرب تتمثل أساسا في استقراره السياسي وفي حسن تدبيره لمجموعة من القضايا المفصلية والحاسمة في تقدمه… ابتداء من الجانب الدبلوماسي، والشراكات الاقتصادية والمشاريع المهيكلة، سياسية واقتصادية وإدارية ومؤسسية، والتي تنتظم تنمويا في إطار انفتاحها أساسا على محيطها الإفريقي.

فليس في حوزة المغرب احتياطات طاقية، ولم يشرع في قطف ثمار مشاريعه التنموية التي يوجد أغلبها في طور التخطيط والإنجاز … بل وقد أصبحت المديونية تثقل كاهله بشكل لم يسبق له مثيل… كل هذا في ظل ظروف وباء كورونا بكل ما يعنيه ذلك من تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي وغيره من المجالات الأخرى.

وليس في وسع اي دولة كبرى إسعاف المغرب إلا بحسب ما سيعيده ذلك عليها من منافع … بل العكس، وكما رأينا ولعقود ولا زلنا نرى، ذلك كيف سخَرت اسبانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها قضية الصحراء المغربية لتعميق استغلال المغرب، وانتزاع أكثر ما يمكن من المكاسب، خاصة الاقتصادية، مما جعله يعيش باستمرار رهاب اجتماعات مجلس الأمن حول مسألة الصحراء المغربية.

في نظري المتواضع ما كان في وسع المغرب أن يتخذ ذلك الموقف الحازم، وبتلك الكيفية في موقع الكركرات، لو لم يكن قد هيأ شروطا أهم ترتبط بضمان ردود فعل ايجابية من طرف دول كبرى، أولها تأثير كبير على مستوى المنطقة … وفي هذا الإطار تأتي الحنكة الدبلوماسية للدولة المغربية تحت التوجيه المباشر لجلالة الملك محمد السادس.

ثانيا: المغرب أهم مدخل ومنصة عالمية نحو إفريقيا

بشكل مواز للمسار الذي كانت تتطور فيه تفاعلات قضية الصحراء المغربية دوليا وإقليميا… كان هناك مسار آخر يتمثل في احتدام الصراع والتناقض بين الولايات المتحدة بقيادة ترامب والصين الشعبية، في اطار استنفاذ النظام العالمي ذي القطب الواحد لدوره وبروز شروط ظهور نظام عالمي مغاير.

وقد ارتبط هذا التطور بمتغيرات عدة على مستوى الشرق الأوسط، حيث أدت الى شبه انهيار لدول عربية كانت لها مكانة مهمة في الصراع العربي/الاسرائيلي كالعراق وسوريا … وتحولت إيران رغم الحصار عليها إلى قوة إقليمية وازنة ومؤثرة في مواقع الدول العربية الأخرى خصوصا دول الخليج … وتطور موقع وسلوك تركيا… في المنطقة، هذه العوامل وغيرها ولعلاقتها بصراع المواقع العالمية، وطبيعة شخصية ترامب…وتحول موقع إسرائيل، كل هذا أدى بترامب ومن ورائه اللوبي الصهيوني …إلى طرح صفقة القرن التي تعبر في العمق عن موقف اليمين المتطرف داخل اسرائيل بقيادة نتانياهو، ومضمونها تصفية القضية الفلسطينية، كقضية شعب ذو حقوق ثابتة في عودته الى أراضيه وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية، وعلى قدم المساواة في الحقوق مع دولة اسرائيل.

في هذا الواقع القيادة الفلسطينية في أقوى لحظات ضعفها وتشتتها وتناقضاتها، وبالنسبة لجامعة الدول العربية فالجميع أصبح ينتظر أن تعلن عن وفاتها رسميا، والدول العربية والخليجية الغنية طبعت مع اسرائيل أو في طريقها إلى ذلك.

ثالثا: اعتبار التطبيع تموقعا سياسيا جديدا لدعم إقرار حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة

هذا الواقع في نظرنا هو الذي عمل ترامب على محاولة استغلاله بالنسبة للمغرب … وذلك للأسباب التالية:

أ – أن يجعل الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الأساسي والمستفيد الأول للمغرب، في اطار صراع النفوذ مع الصين وروسيا ودول أوربية (فرنسا /اسبانيا) كمنصة لاختراق القارة الإفريقية من أفضل موقع جيواستراتجي– ثقافي الذي يمثله المغرب.

ب – ويضمن دعم الولايات المتحدة للمغرب على مستوى ضمان سيادته على أقاليمه الجنوبية في الصحراء.

ج – وفي مقابل ذلك، يقبل المغرب التطبيع مع اسرائيل.

في ظروف الضعف الكبير للمغرب الذي أشرنا إليها والتي لم تكن توحي به اطلاقا العديد من المظاهر… ماذا لو افترضنا أن المغرب رفض التفاوض حسب السياق المشار إليه بالنسبة للموقف الامريكي؟ كيف كان سيكون رد ترامب في قضية الكركرات؟ وبالتالي فرنسا؟ وإسبانيا وغيرها من الدول …؟

وأهم من ذلك، دول عربية لها دور مهم في المنطقة كالسعودية والإمارات التي لعبت دور الشريك المهم في صياغة “صفقة القرن” ومثلت الراعية الأساسية للتطبيع العربي، بل وانخرط بعضها فيه، كما لها مصالح مهمة وتأثير كبير على اختيارات وسياسات دولة موريتانيا، بل لها استراتيجية متكاملة في إفريقيا، بل وأي دور ستلعبه الإمارات على مستوى تأجيج الصراع وهي التي لها استثمارات ضخمة في الجزائر؟

إذن المغرب في قضية دفاعه عن وحدته الترابية وضمن السياق المحيط بواقعة الكركرات… كان سيواجه عدة قوى: أمريكا – فرنسا – اسبانيا … دول الخليج الوازنة، مصر… إلى جانب عدوه اللدود الطغمة العسكرية الجزائرية الحاكمة، مدعومة بتركيا لغاية مصلحتها، في ليبيا الى جانب التمدد في دول الساحل التي لها بها تواجد ونفوذ اقتصادي وعسكري وسياسي…

تلك بإيجاز مجموعة العوامل والظروف التي تفترض أن المفاوض المغربي أخذها بعين الاعتبار لكي يعمل على انتزاع ما يمكن انتزاعه من مصالح لتعميق قوة بلده وشعبه، دون أن تمس بثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني ومقدسات الأمة.

وبالفعل، فقد جاءت البلاغات الملكية المتتالية لتعبر عن حساسية فائقة للأخذ بناصية توازن صعب، بل أقرب إلى الاستحالة، وهو أمر جيد جداً… فهو يجعل المجال مفتوحاً للفعل السياسي اليومي للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وعن حرمة الأماكن المقدسة جميعها…

وترسخ ذلك في مجموعة من البروتوكولات المتعلقة باتفاق التطبيع، باعتبار أنها تضع مسافة احترام من الواجب حرص الأطراف الأخرى على تقديرها ضداً على أي تماه يوحي بالميوعة والهوان…على غرار ما وقع في سياقات مشابهة.

في هذا الصدد، فلا يجب أن ننظر بلامبالاة لموقف المغرب من “صفقة القرن، فرغم الطابع الدبلوماسي الذي حكم صياغة الموقف الرسمي، إلا أنه تميز بالتركيز على حقوق الشعب الفلسطيني في قيام دولته وعاصمتها القدس… وهو ما يتناقض مع اعتراف ترامب الى جانب خمسة دول بالقدس عاصمة لإسرائيل… ومحاولة حرمان الفلسطينيين منها ضمن خطة “صفقة القرن” إلى جانب المشاريع التصفوية الأخرى للقضية الفلسطينية (حق العودة – المستوطنات – سلطة بدون سلاح/جنود…).

ولقد أعاد المغرب التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني ضمن عملية اتفاق التطبيع، وذلك ما سيظل يعطيه الحق في التدخل باستمرار لدعم مطالب الشعب الفلسطيني، ورفض سياسات اليمين الاسرائيلي المتطرف، ومحاولة استقطاب الأجنحة والتيارات الأخرى لمصلحة دعم الشعب الفلسطيني …

وفي إمكان مختلف القوى والتيارات المتنوعة داخل الشعب المغربي، التعبير عن رأيها وموقفها واقتراحاتها للمسؤولين المغاربة، بل وانتقاد الآراء المسايرة للرأي الاسرائيلي المتطرف بحكم المصالح… إذ أننا لا نتوهم أن التيارات التي تتقاطع حول قرارات الدولة حول مختلف القضايا فيها إجماع، بل هناك تضارب في المصالح وكذا المواقف، وعلى قوى الشعب أن تظل متيقظة ومتنبهة لردع أصحاب التماهي مع المصالح العنصرية الاقتصادية داخل اسرائيل…على أساس أن يتم ذلك ضمن وحدة الموقف الاستراتيجي الذي أصبح يقع ضمن إطار سياسة التطبيع.

سئل مرة الشهيد ياسر عرفات عن موقفه من “الحكيم” وهو الاسم الحركي الذي كان معروفاً به المرحوم جورج حبش الأمين العام قيد حياته لمنظمة “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، نظرا لمكانته المتميزة بين قياديي الثورة الفلسطينية آنذاك – فتبسم عرفات وأجاب باقتضاب، إنه يمثل عضدي الأيسر الذي أشد به توازني حتى لا يجعلوني أميل كل الميل الى اليمين.

إن أهم ما يطمح إليه اليمين الاسرائيلي المتطرف هو شق الصف المغربي حول هذه المسألة، أن يخترق الشرخ صفوف الشعب وتيارات الدولة… وهو في هذه الحالة سيكون الرابح الأساسي من وراء دعوة متنطعة عاطفية للاستمرار في المقاطعة ومناهضة التطبيع… لأن صراع المغاربة حول القضية سيضعف أي ضغط لهم بواسطة دولتهم على اسرائيل لاحترام حقوق الشعب الفلسطيني.

ليس التطبيع دائما شراً على القضية الفلسطينية، لكنه ضيق الأفق والسياسات الخاطئة مهما كانت طبيعتها… وهنا يذكرني موقف حماس وزعيمها الكاريزمي رقم واحد خالد مشعل في سنة 2016 حين قرر أردوغان “تطبيع” علاقته مع اسرائيل بعد قطيعة دامت ست سنوات، نتيجة هجوم اسرائيل المسلحة على سفينة مرمرة التركية، وكانت تحمل مساعدات لغزة ولفك الحصار عليها وقتل عدد من المناصرين الأتراك – حيث رحبت حماس بقوة بخطوة أردوغان في بيانها الرسمي، وعلق خالد مشعل عن الحدث بقوله: “نشكر السيد أردوغان على التطبيع المثمر مع العدو الصهيوني لما سيسفر ذلك عن فتح قناة اتصال قوية للحركة، مع العدو، وفك جزئي للحصار عليها”.

فحسب خالد مشعل، أحد القادة الكبار لأصحاب القضية الأساسيين، ليس دائما التطبيع أمرا سيئا، فهو قد يكون أحيانا مثمرا، أي أنه أمر وخطة سياسية، وليس أمرا ذا طبيعة قدسية… كما هو الحال بالنسبة للرئيس أردوغان رمز الوفاء لدى تيار واسع من الداعين للاستمرار في القطيعة، فهو كان دائما مطبعا، ولم يكن قط مقاطعاً لإسرائيل، كل ما كان هناك هو توتر معها بسبب حادثة سفينة مرمرة … ولا يمكن اعتبار أردوغان خارج عن الدين وخائن لمقدسات الأمة الإسلامية لأنه مطبع مع إسرائيل.

هذه الحالة هي ما هو مقبل المغرب عليها، وباستطاعته أن يخدم مصالح القضية الفلسطينية بشكل أفضل من الموقع الجديد للعلاقة مع اسرائيل، وكل من يناهض التطبيع في نظري فهو لا يفعل سواء إضعاف الموقف المغربي لمصلحة اليمين الفلسطيني المتطرف، رغم أنني أسانده في حقه في التعبير عن مواقفه. وفي هذا الصدد لا يمكن إلا أن أحيي الموقف الجريء والوطني الذي مارسه رئيس الحكومة السيد سعد الدين العثماني بقيامه بواجبه الوطني في توقيع اتفاق التطبيع بصفته رئيس الحكومة بالرغم من كونه على مستوى الموقف الشخصي لم يكن متفقا…وكذلك الأستاذ عبد الاله بنكيران وكل قيادات العدالة والتنمية الذين دعموه، رغم أن المهم ليس هو التعبير عن الموقف حسب السياق، بل أطالبهم بأن يناقشوا الأمر في عمقه كقناعة سياسية، تلائم السياق الدولي والإقليمي والوطني الجديد… أقول هذا وأنا على يقين أنهم وبحكم واقعيتهم السياسية التي أبانوا عنها في عدة مناسبات لا محالة سينخرطون قريبا جدا ضمن هذا الأفق… وهي دعوة تشمل جميع التيارات والهيئات المغربية التي لا زالت تعارض التطبيع أو تتوجس منه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.